( الصفحه 631 )
العورتين فقط .
وامّا الأدلّة فقد ادّعى بعض انّ جسد المرأة عورة ومن المعلوم وجوب ستر العورة في الصلاة وفيه منع الصغرى والكبرى ، امّا الصغرى فلعدم الدليل عليها وقد عرفت انّ ادّعاء الاتفاق عليها من الفاضل المقداد يكون فاقداً للاعتبار ، وامّا الروايات الظاهرة في أنّ النساء عيّ عورة فليست بمعتبرة من حيث السند وعلى تقديره فليس تطبيق العورة عليهن تطبيقاً حقيقياً بل الظاهر منها انّ النساء بمنزلة العورة والمتفاهم منه عرفاً انّها بمنزلة العورة في وجوب التحفّظ عن النظر إليها ولو سلم انّ التطبيق حقيقي فالكبرى ممنوعة لعدم الدليل على وجوب ستر العورة كلّها في الصلاة فهذا الدليل مردود .
وامّا الروايات فلابدّ من ملاحظتها فنقول :
منها : رواية الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : صلّت فاطمة(عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واذنيها ، ولم يعلم انّ الدرع الذي عبّر عنه في بعض الروايات الاُخر بالقميص هل كان ساتراً للكفّين والقدمين أم لا فلا يصحّ الاستدلال بها لحكمهما نفياً أو إثباتاً ، نعم يمكن الاستدلال بها لحكم الوجه وانّه لا يجب ستره لعدم كون الخمار ساتراً له كما انّه من الواضح عدم كون الدرع ساتراً له بوجه .
ومنها : رواية علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ق ال : تلتف فيها وتغطّي رأسها وتصلّي فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس .
ومنها : رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً .
( الصفحه 632 )
ومنها : رواية معلى بن خنيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تصلّي في درع وملحفة ليس عليها ازار ولا مقنعة قال : لا بأس إذا التفّت بها وإن لم تكن تكفيها عرضاً جعلتها طولا .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب ازار ودرع وخمار ولا يضرّها بأن تقنع بالخمار فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر قلت : فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال : لا بأس إذا تقنّعت بملحفة فإن لم تكفها فتلبسها طولا .
ومنها : رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة؟ قال : درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلّل بها . والمستفاد من هذه الروايات انّه لا خصوصية ولا موضوعية للاُمور المذكورة فيها بعنوان الساتر واللباس بل الملاك المستورية ولو بغير الألبسة المتعارفة ، ولكن ظاهر صحيحة جميل بن دراج خلاف ذلك قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تصلّي في درع وخمار؟ فقال : يكون عليها ملحفة تضمّها عليها . فإنّ مقتضاها عدم الاكتفاء بالدرع والخمار مع كونهما ساترين مضافاً إلى دلالة الروايات المتقدّمة على جواز الاكتفاء بهما . وقد حمل الشيخ (قدس سره) هذه الرواية على زيادة الفضل والثواب أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئاً .
ومثلها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن المرأة الحرّة هل يصلح لها أن تصلّي في درع ومقنعة؟ قال : لا يصلح لها إلاّ في ملحفة إلاّ أن لا تجد بدّاً . فإنّ الجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة سيما الرواية الحاكية لصلاة فاطمة(عليها السلام) إنّما يكون بالحمل على الاستحباب خصوصاً بملاحظة انّ الملحفة لا تستر أزيد ممّا يستره الدرع والخمار ، ولعلّ وجه الاستحباب ان ضم الملحفة
( الصفحه 633 )
يوجب الطمأنينة للنفس بحصول الستر الكامل كما لا يخفى .
ودعوى انّه يمكن أن يكون عملها(عليها السلام) في حال الضرورة لأنّ الرواية متضمّنة لحكاية الفعل ، ومن المعلوم انّ الفعل لا إطلاق له .
مدفوعة بأنّه لو كان الحاكي هو الإمام (عليه السلام) وكان الغرض من الحكاية بيان الحكم لا مانع من التمسّك بإطلاقه ـ حينئذ ـ لأنّه لو كان الحكم مقيّداً بحال الضرورة كان عليه البيان ولكن سند الرواية الحاكية لا يخلو عن إشكال ، هذا ما يتعلّق بأصل وجوب الستر على النساء في حال الصلاة ثمّ إنّه وقع الكلام فيما يستثنى من ذلك وهو اُمور :
أحدها : الوجه وقد استثنى في معاقد جملة من الإجماعات وفي الذكرى أجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها إلاّ أبا بكر بن هشام وقد عرفت ثبوت القول بوجوب ستر جميع البدن من غير استثناء كما انّك عرفت انّ ابن حمزة اقتصر في الاستثناء على موضع السجود .
والدليل على استثنائه جميع الروايات الدالّة على أنّه يجوز للمرأة الاكتفاء في صلاتها بدرع وخمار ضرورة انّ الخمار والمقنعة لا يستر الوجه بوجه وإنّما الساتر له بأجمعه أو ببعضه النقاب وليس في الروايات ما يدلّ على اعتباره مضافاً إلى موثقة سماعة قال : سألته عن المرأة تصلّي متنقبة قال : إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وإن أسفرت فهو أفضل فإنّ مفادها أفضلية الاسفار مضافاً إلى ظهورها في أنّ السائل كان في ذهنه شبهة عدم الجواز .
وهل المراد بالوجه المستثنى في هذا الباب هو الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء وهو ما دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن كما ورد في الرواية الصحيحة؟ ربما يقال : نعم; لأنّ تفسير الإمام (عليه السلام) الوجه بذلك في باب
( الصفحه 634 )
الوضوء يدلّ على أنّ معناه بحسب العرف واللغة يكون كذلك لعدم كون الوجه له حقيقة شرعية ولا مجال لاحتمال ذلك فيه فالوجه العرفي هو ما فسّر في الرواية .
ولكن التحقيق انّه ليس في الروايات الواردة في المقام ما يدلّ على استثناء الوجه بعنوانه حتّى يبحث في المراد منه ، بل قد عرفت انّ مفادها مجرّد بيان ما يكفي للمرأة من الثياب أن تصلّي فيها وهي عبارة عن الدرع والخمار ، ومن الواضح انّ المقدار الخارج من الوجه من الخمار والمقنعة أوسع من الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء خصوصاً بملاحظة الرواية الحاكية لفعل فاطمة المرضية ـ عليها آلاف الثناء والتحيّة ـ الدالّة على أنّه ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واذنيها فإنّ ظاهرها خروج الصدغين أيضاً كما لا يخفى . فانقدح انّ الوجه المستثنى هنا أوسع من الوجه في باب الوضوء .
ثانيها : الكفّان وفي وجوب سترهما وعدمه خلاف والمشهور بين الفريقين الاستثناء بل ادّعى كثير من العلماء عليه الإجماع ، وحكي عن صاحب الحدائق (قدس سره)انّه ذهب إلى ما ذهب إليه أحمد بن حنبل وداود من العامّة من أنّ ستر الكفّين شرط لصحّة صلاة المرأة نظراً إلى أنّ نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار يكون إثبات العدم بها موقوفاً على عدم ستر الدرع للكفّين وهو غير ثابت ومن الجائز كون دروعهن في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل كما هو المشاهد الآن في نساء أهل الحجاز بل أكثر بلدان العرب فانّهم يجعلون القمص واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجر على الأرض ففي مثله يحصل ستر الكفّين والقدمين ومع الشكّ في أنّه هل كانت الدروع في زمان النبي والأئمّة (عليهم السلام) ساترة لهما أم لا يرجع إلى أصالة عدم التغيير .
وفيه مع فرض انّ الدروع كانت ساترة للكفّين أيضاً في زمانهم (عليهم السلام) نقول : لا
( الصفحه 635 )
دليل على اعتبار سترهما لأنّ مفاد الروايات إنّما هو عدم وجوب ستر ما هو خارج عن الثوبين للمرأة لا وجوب ستر جميع ما هو داخل فيهما ، كما انّ الأمر يكون كذلك في الرجل فإنّ مفاد الروايات الدالّة على أنّه يصلّي في ثوب واحد عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه لا وجوب ستر جميع ما يكون داخلا فيه لما عرفت من أنّ الواجب عليه إنّما هو ستر العورتين فقط ، هذا مضافاً إلى أنّ الأصحاب من عصر الإمام (عليه السلام) إلى زمن العلاّمة والشهيدين وغيرهم قد أفتوا بعدم شرطية سترهما واستدلّوا عليه بروايات الثوبين فيعلم منه انّ الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفّين وإلاّ فلا يكون وجه للاستدلال بها ولا أقلّ من كون الدروع في زمانهم على قسمين فاستدلّوا بإطلاق الحكم على عدم الوجوب لأنّ مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقاً ، ويؤيّد عدم كون الدروع ساترة للكفّين في الأزمنة السابقة ما تقدّم من ابن عبّاس في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفّين حيث إنّ هذا التفسير ولو نوقش فيه بلحاظ كونه مقصوداً من كلام الله تعالى إلاّ انّ دلالته على عدم كون الكفّين مستورين في زمانه ممّا لا ينبغي المناقشة فيها ولم يعترض عليه أحد من تلامذته .
هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو شكّ في خروجهما عن الدرع فالواجب هو الرجوع إلى أصالة البراءة على ما هو الحقّ من جريانها في مثل المقام ، وامّا رواية زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّ أدنى ما تصلّي فيه المرأة درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلّل بها فلا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الدرع من الجسد ، كما انّه لا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الخمار والمقنعة من الرأس كما لا يخفى .
ثالثها : القدمان والمشهور ـ كما في غير واحد من الكتب ـ عدم وجوب سترهما في الصلاة خلافاً لصاحب الحدائق ودليله ما عرفت مع جوابه وقد عرفت انّ