( الصفحه 636 )
رواية التجلّل لا تفيد أزيد ممّا تفيده روايات الدرع والخمار والظاهر عدم كون الدرع ساترة للقدمين لما مرّ في الكفين ، نعم في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال : تلتفّ فيها وتغطّي رأسها وتصلّي فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس فإنّ مقتضى مفهوم الذيل وجوب ستر الرجل ولكن الظاهر انّها محمولة على غير القدم لأنّها لا تكون في مقام بيان وجوب ستر الرجل حتّى يكون لها إطلاق مضافاً إلى ما ربّما يقال من انّ الاعراض يوجب سقوطها عن الحجّية فتدبّر .
ثمّ إنّه قد نص في «الدروس» على أنّ المستثنى هو ظاهر القدمين وباطنهما وقد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر القدمين وفي غير واحد من الكتب استثناء القدمين من دون تعرّض للظاهر والباطن أصلا ، ويؤيّد عدم الاختصاص بالظاهر انّه على تقدير يلزم عدم الفائدة فيه لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارضة يكون ساتراً للظاهر أيضاً ودعوى انّه يكفي في ستر الباطن الأرض مدفوعة بأنّ كفايته إنّما هو في غير حال السجود ، وامّا في حاله فيحتاج إلى الساتر مع أنّ كفاية ساترية الأرض ولو بالإضافة إلى باطن القدمين محلّ نظر فالظاهر ـ حينئذ ـ عدم اختصاص الحكم بالظاهر والتعبير به لعلّه لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر فتدبّر .
ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك (قدس سره) إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً له مستنداً إلى رواية محمد بن مسلم في حديث قال : فلا بأس به والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً يعني إذا كان ستيراً . فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة . وأجاب عنه صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس لأنّه إذا كانت المنقعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة والقول
( الصفحه 637 )
بأنّها مستورة بشعره غير ثابت; لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن والساتر يجب أن يكون من غيرها وبطلان التالي واضح لعدم التزام المستدلّ به .
وذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) انّه يمكن أن يجاب عنه ولو مع تسليم كفاية الشعر للستر .
أوّلا : بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لا يكون لها شعر وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس وقد عرفت انّه لا يلتزم به .
وثانياً : انّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب وقد بيّن في الاُصول انّه لا مفهوم له .
وثالثاً : انّ هذه الرواية هي بعينها رواية محمد بن مسلم المتقدّمة التي رواها الصدوق عنه عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً ولا تكونان روايتين بحيث سمع محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) مرّتين مع اختلاف في التعبير ، بل الظاهر انّهما رواية واحدة والاختلاف يكون ناشئاً من اشتباه الراوي ، وعلهى فيحتمل أن يكون الصادر من الإمام (عليه السلام) مطابقاً لرواية الصدوق الخالية عن التصريح بالدرع الظاهرة في رجوع الضمير المفرد إلى كلّ واحد من الدرع والمقنعة واحتمال كون تذكير الضمير شاهداً على رجوعه إلى خصوص الدرع مدفوع بظهور خلافه خصوصاً بعد شيوع مثل هذا التعبير في الأخبار بل في القرآن أيضاً وخصوصاً بعد كون الدرع مذكوراً قبل المقنعة .
فانقدح ممّا ذكرنا عدم تمامية الاستدلال بالرواية بل ظهورها في خلاف مرام المستدلّ مع أنّ المتفاهم من الروايات الدالّة على أنّ المرأة تصلّي في درع وخمار كون الثوبين كثيفين غير حاكيين لما تحتهما لأنّها في مقام بيان ما يكفي للمرأة من الساتر ، ومن المعلوم انّ الثوب غير الكثيف لا يكون ساتراً ولذا وقع تفسير الكثافة
( الصفحه 638 )
بالساترية في روايتي محمد بن مسلم المتقدّمتين .
ثمّ إنّه حكى عن ابن الجنيد عدم وجوب ستر الرأس أصلا ويشهد رواية عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس . وروايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس أن تصلّي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع . وربما يقال : بأنّ الأولى مهجورة وقال الشيخ : يحتمل أن يكون المراد بهذين الخبرين الصغيرة من النساء دون البالغات ويمكن أن يكون إنّما سوّغ لهن هذا في حال لا يقدرون على القناع ، ويحتمل أن يكون المراد تصلّي بغير قناع إذا كان عليها ثوب يسترها من رأسها إلى قدميها قال : والخبر الثاني ليس فيه ذكر الحرّة فيحمل على الأمَة .
أقول : والظاهر عدم كونهما روايتين نظير ما قلنا في روايتي محمد بن مسلم ، وعليه فيحتمل أن يكون الصادر مشتملا على كلمة الحرّة ويحتمل أن لا يكون كذلك فلم يعلم صدورها حتّى تكون مهجورة والمطلق محمول على الأمَة جمعاً كما أفاده الشيخ (قدس سره) .
وحكي عن القاضي عدم وجوب ستر الشعر أصلا ، وعن الكفاية التأمّل فيه ، وعن ألفية الشهيد ظهور التوقّف فيه ، وعن المدارك والبحار انّه ليس في كلام الأكثر تعرّض لذكره بل في الأوّل ربّما ظهر منها ـ يعني من عبارات أكثر الأصحاب ـ انّه غير واجب .
والدليل على خلافه مضافاً إلى روايات المقنعة والخمار الظاهرة في وجوب ستر الشعر أيضاً خصوصاً مع التصريح بالكثافة في رواية محمد بن مسلم رواية زرارة المتقدّمة الدالّة على لزوم نشر الملحفة على الرأس والتجلّل بها بل يمكن أن يقال : إنّ ستر الرأس نوعاً إنّما هو بلحاظ ستر شعره وإلاّ فبشرته مستورة بالشعر كذلك
( الصفحه 639 )
وقد عرفت انّ رواية ابن بكير مهجورة أو محمولة ويؤيّد ما ذكرنا الرواية الحاكية لصلاة المرضية ـ سلام الله عليها ـ الدالّة على أنّها كانت تواري شعرها وأذنيها فتدبّر .
ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الأمة ستر الرأس والشعر والعنق إجماعاً محصلا ومنقولا مستفيضاً عنّا وعن غيرنا من علماء الإسلام عدا الحسن البصري فأوجبه على الأمة إذا تزوّجت أو اتخذها لنفسه ، وفي الجواهر : قد سبقه الإجماع ولحقه ويدلّ عليه الروايات الكثيرة التي منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال : قلت : الأمَة تغطي رأسها إذا صلّت؟ فقال : ليس على الأمة قناع .
وعن الروض احتمال عدم دخول الرقبة في الرأس ووجوب سترها ويدفعه ما يدلّ على أنّه لا بأس أن تصلّي في قميص واحد كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال : لا بأس .
والصبية مثل الأمَة فيما ذكر للشهرة المحقّقة بل الإجماع حتّى بناء على كون عباداتها شرعية وتشير إليه الروايات الدالّة على اعتبار الحيض في اعتبار الخمار مثل ما رواه الصدوق عن يونس بن يعقوب انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد قال : نعم ، قال : قلت : فالمرأة؟ قال : لا ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار ان لا تجده . بناء على كون المراد من الحيض هو البلوغ كما يدلّ عليه تعليق وجوب الصيام عليه أيضاً في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار . . . ودعوى قصور أدلّة الشرطية عن الشمول للصغيرة لأنّ موضوعها المرأة وهي غير شاملة لها مدفوعة بعدم استفادة العرف منها الخصوصية للبالغة ولذا لو لم تكن مثل هذه الروايات لكنّا نحكم بأنّه
( الصفحه 640 )
يشترط في صحّة صلاتها الثوبان أيضاً كما لا يخفى ، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بأصل اعتبار الستر في الصلاة .
ثمّ إنّه ذكر في المتن اعتبار الستر في توابع الصلاة أيضاً كالركعة الاحتياطية وقضاء الأجزاء المنسية بل وسجدتي السهو على الأحوط والوجه في الأوّل واضح لأنّ الركعة الاحتياطية مضافاً إلى كونها صلاة مستقلّة واجبة تكون متمّمة للصلاة على تقدير وقوع النقص فيها فلابدّ من أن تكون واجدة لجميع الخصوصيات المعتبرة فيها . وهكذا الوجه في الثاني فإنّ القضاء لابد وأن يكون عين المقضى إلاّ في خصوصية المحلّ فإذا كان الستر شرطاً في سجود الصلاة ـ مثلا ـ كان شرطاً في قضائه أيضاً ، وامّا سجود السهو فيأتي الكلام فيه في مبحثه إن شاء الله تعالى .
ولا فرق في وجوب الستر وشرطيته بين أنواع الصلوات الواجبة والمستحبّة بلا خلاف ظاهر بل حكى عليه الإجماع ويتقضيه إطلاق الأدلّة لعدم اشتمالها على قرينة التقييد بالواجبة ، نعم الظاهر عدم الاعتبار في صلاة الجنازة لعدم كونها صلاة حقيقة ولم يثبت شمول الأدلّة لها وإن كان هو الأحوط فيها أيضاً .
وامّا الطواف ففي المتن انّه لا يترك الاحتياط فيه ، وعن جماعة منهم السيّد (قدس سره)في العروة الفتوى باعتبار الستر فيه أيضاً كالصلاة واستندوا إلى النبوي : لا يطوف في البيت عريان . وعن المختلف : للمانع أن يمنعه والرواية بالاشتراط غير مسندة من طرقنا . لكن عن كشف اللثام : انّ الخبر يقرب من التواتر من طريقنا وطريق العامّة .
وفي الجواهر : قد تمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل والمرأة على حسب اعتباره في الصلاة ضرورة أعمّية النهي عن العراء منه ، اللهمّ إلاّ أن يكون المراد من العراء ستر العورة للإجماع على الظاهر على صحّة طواف الرجل عارياً