(الصفحة 176)
التركة، ان كان الحج الموصى به واجبا موسّعا، من دون فرق بين ماذا مضت مدة يمكن الاستيجار فيها و بين غيره، و كذا في الحج الواجب الفوري، مع عدم مضي تلك المدة، و امّا مع مضيّها فقد استظهر وجوب الاستيجار المذكور، مشعرا بثبوت احتمال الخلاف، و هكذا في الحج الندبي. غاية الامر، بالاضافة الى بقية الثلث.
و منشأ ذلك جريان استصحاب. عدم تحقق الاستيجار من الوصيّ، مع الشك فيه، و استصحاب بقاء اشتغال ذمة الميت في الحج الواجب، بعد ملاحظة عدم جريان اصالة الصّحة، لانه على تقدير جريانها لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب، و لكن استظهر السيّد (قدس سره)في العروة: عدم وجوب الاستيجار في الواجب الفورى مع مضي المدة المذكورة، نظرا الى انه يحمل امره على الصّحة، و استشكل في الواجب الموسع كذلك.
و ربما يقال في توضيح كلام السيد: انه إذا كان الواجب فوريا لا يجوز تأخيره، كحجة الاسلام ـ مثلا ـ، يكون مقتضى اصالة الصحة صدور الاستيجار منه و المبادرة اليه، لان تركه لا يكاد يجتمع مع ايمانه، خصوصا إذا كان متورّعا ايضا، و امّا في الواجب الموّسع، فلا يكون ترك الاستيجار فيه منافيا للايمان و التورّع.
و اورد على هذا التوضيح: بان غاية ما تقتضيه اصالة الصحة بهذا المعنى عدم ارتكاب المؤمن المعصية، و امّا وقوع الاستيجار منه فلا يثبت باصالة الصحة، نظير ما إذا كان المؤمن مديونا و مطالبا و قادرا على الاداء، فانه لا يمكن الحكم بالاداء، بالحمل على الصحة بالمعنى المذكور، و يؤيده استشكاله في الواجب الموسع، فانه لو كان مراد السيد (قدس سره) من اصالة الصحة ما ذكر، لم يكن وجه للاستشكال المذكور بعد عدم الحرمة في التاخير في الواجب الموسع، و عدم وجوب المبادرة اليه اصلا.
و استظهر المورد ان كلامه ناظر الى صورة صرف المال و تصرف الوصي فيه، و عدم كونه موجودا عنده، بقرينة التصريح في اخر كلامه بقوله: «نعم، لو كان
(الصفحة 177)
المال المقبوض موجودا اخذ» و كذا استشكاله في اجراء اصالة الصحة في الواجب الموسع، قرينة اخرى على ان كلامه ناظر الى عدم وجود المال و تصرف الوصي فيه، و شك في انه هل صرفه في الاستيجار للحج ام لا؟ فان كان الواجب فوريا يحمل فعله على الصحة، و يحكم بانه صرف المال في الاستيجار، و ان كان الواجب موسّعا يجوز له صرفه في الاستيجار، كما يجوز له صرفه في غيره، مما يرى فيه المصلحة، ففي جريان اصالة الصحة اشكال.
و انت خبير: بان قرينة المقابلة مع الذيل لا تقتضي الاّ عدم كون المال موجودا عند الوصي لا تصرّفه فيه، و تردد امر تصرّفه بين الصحة و غيرها، و من المعلوم ان عدم المال يجتمع مع تلفه عند الوصي، امّا حقيقة او حكما، كما في الغصب و السّرّقة، فلم يعلم حينئذ بوجود التصرف حتى يحمل على الصّحة، فانه يحتمل تعلق السرقة به، كما يحتمل وقوع التصرف فيه: و العجب ان السيد (قدس سره) يصرّح قبل قوله المتقدم في الذيل: بان الوجه في عدم ضمان الوصي لما قبضه، احتمال تلفه عنده بلا ضمان. و عليه، فكيف يجعل ذلك قرينة على وقوع التّصرف، فلم يحرز هنا اصله حتى يحمل على الصحة؟ ضرورة ان مورد اصالة الصحة صورة احراز الموصوف، و الشك في وصف الصحة، و امّا مع عدم احرازه فلا مجال لها، و لذا تقدم في فصل النيابة: انه يعتبر في النائب الوثوق و الاطمينان باصل صدور العمل المنوب فيه عنه، و بعده تجري اصالة الصحة لاثباتها عند الشك فيها، كما لا يخفى.
و كيف كان، فقد ظهر مما ذكرنا الوجه في حكم المتن: بلزوم الاستيجار في جميع صور هذا الفرض، لعدم جريان اصالة الصّحة، لعدم احراز موضوع التصرف بوجه، فالمورد مجرى استصحاب العدم.
كما انّ الوجه في عدم ضمان الوصيّ لما قبضه، كون يده على المال و استيلاؤه
(الصفحة 178)
عليه يدا امانيّة لا ضمان فيها، و احتمال التعدي و التفريط الموجبين للضمّان في اليد الامانيّة لا يقتضي الضمان، لعدم ثبوتهما، و عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص، و ان كان يوجب عدم جواز الاستناد، لعدم الضمان، بالادلة الواردة في الامين، الاّ انه لا حاجة اليه بعد اقتضاء اصالة البراءة، لعدم الضّمان، و منه يظهر بطلان الحكم بالضمان، و ان احتمله السيد (قدس سره) في العروة.
الفرض الثاني: ما إذا كان المال المقبوض موجودا، و قد حكم في المتن بجواز اخذه منه ـ اي من الورثة ـ لانه و ان كان يحتمل ان يكون الوصيّ استأجر من مال نفسه، إذا كان مما يحتاج الى بيعه و صرفه، و تملك ذلك المال بدلا عما جعله اجرة في الاستيجار، الاّ ان هذا الاحتمال لا يمنع عن جريان استصحاب بقاء هذا المال على ملك الميت الموصي و عدم خروجه عنه، فيجوز لورثته اخذه. و ظاهره انه لا فرق في الحكم بين الصّور الموجودة في هذا الفرض ايضا، فلا فرق بين كون الواجب موسّعا او فوريّا، و كذا الصّور الاخرى.
و استدرك في المتن ما إذا كان الوصيّ يعامل معه معاملة الملكية في حال حياته او عامل ورثته كذلك، و قال: لا يبعد عدم جوازه على اشكال، و الظاهر ان الوجه في عدم الجواز: ان الوصي و كذا الورثة، انما يكون ذا اليد بالاضافة الى المال، فاذا عامل معه معاملة الملكية يصير كسائر موارد ثبوت اليد، و معاملة الملكية مع ما في اليد من الحكم بالملكية، و كون اليد امارة عليها، فانّها بمجردها، و ان لم تكن امارة، الاّ انها مع تلك المعاملة تكون امارة معتبرة عليها، و كون حدوثها بنحو اليد الامانية لا يمنع عن ثبوت الملكية و تحقق الامارة عليها، فان اكثرموارد اليد مسبوق بالعلم بعدم ملكية ذي اليد.
(الصفحة 179)مسألة 13 ـ لو قبض الوصي الاجرة و تلفت في يده بلا تقصير، لم يكن ضامنا، و وجب الاستيجار من بقية التركة او بقية الثلث، و ان اقتسمت استرجعت، و لو شك في ان تلفها كان عن تقصير اولا لم يضمن. و لو مات الاجير قبل العمل و لم يكن له تركة او لم يكن اخذها من ورثته يستأجر من البقية او بقية الثلث1 .
و امّا الوجه في الاستشكال، فهو: ان اليد و ان كانت امارة على الملكية، مع الشرط المذكور، الاّ انها حيث تكون امارة معتبرة عند العقلاء، و قد قامت السيرة المستمرة العقلائية على المعاملة مع ما في اليد معاملة الملكية، و الشارع قد امضى هذه الطريقة، فلا بد من ملاحظة ان العقلاء هل يعتبرونها امارة، فيما إذا كان حدوثها بنحو غير الملكية و احرز ذلك، ام لا؟ فاذا احرز كون حدوثها بنحو الغصب و الاستيلاء العدواني، ثم احتمل تبدلها بالملكية بقاء، و عامل الغاصب معه معاملة الملكية، فهل يحكم باماريتها في هذه الصورة؟ الظاهر انه لم يحرز ثبوت بناء العقلاء فيها، و المقام من هذا القبيل، لاشتراك اليد الامانية مع يد الغاصب في كون كل منهما يدا غير ملكية، و ان اختلفا في الضمان و عدمه.
و امّا الخصوصية للصورة الاولى ـ اي صورة معاملة نفس الوصيّ ـ بناء على كونها راجعة الى الاستشكال لا الى نفي البعد عن عدم الجواز، كما ربما يحتمل.
فالوجه فيه ما ذكرنا، من: كون حدوث يد الوصي بنحو غير الملكية ـ لانه المفروض في محل البحث ـ فبالنسبة الى الوصي تكون هذه الجهة محرزة، و امّا يد الورثة فلم يحرز كون حدوثها كذلك، لاحتمال كونهم قد تلقوّه عن الوصي تلقيّ الملك و الارث، لاحتمال كون الوصي قد تملكه في حال حياته، و اعطى ثمنه اجرة للاجير في الحج، فالحدوث في الورثة يغاير الحدوث في المورث.
1 - امّا عدم الضمان مع تلف الاجرة في يد الوصي بلا تقصير، فلانه لا يكون الامين ضامنا على ما هو مقتضى النصوص و الروايات الكثيرة، و عليه، فاللازم الاستيجار من بقية التركة في الحج الواجب، و من بقية الثلث في الحج
(الصفحة 180)مسألة 14 ـ تجوز النيابة عن الميت في الطواف الاستحبابي. و كذا عن الحيّ إذا كان غائبا عن مكة او حاضرا و معذورا عنه، و امّا مع حضوره و عدم عذره فلا تجوز، و امّاسائر الافعال فاستحبابها مستقلا و جواز النيّابة فيها غير معلوم حتى السّعي، و ان يظهر من بعض الروايات استحبابه1 .
المندوب، و لو فرض اقتسام البقية بين ورثة الموصي، فاللازم الاسترجاع بالمقدار اللازم في الحج بالنحو المذكور.
و امّا عدم الضمان في صورة الشك في كون تلفها عن تقصير ام لا، فلجريان اصالة البراءة عن الضمان، لعدم الفرق في جريانها بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي، بعد عدم جواز الاستناد لا الى الادلة الدالة على الضمان مع التعدىو التفريط، لكونه شبهة مصداقية لها، و لا الى الادلة الدالة على عدم ضمان الامين، لكونه شبهة مصداقية لمخصصّها، هذا بالاضافة الى الوصي، و امّا الاجير الذي يكون المتعارف في باب الحج ـ خصوصا في هذه الازمنة ـ اخذه الاجرة قبل العمل، و الاتيان بالحج بعده، لو مات قبله و لم يكن له تركة او لم يمكن اخذها من ورثته، يجب الاستيجار من بقية التركة او بقية الثلث، كما في المتن.
و لكن لا بد بمقتضى ما تقدم في فصل النيابة و ما هو المذكور في كتاب الاجارة، من التفصيل بين ما إذا كان الاجير قد استؤجر بقيد المباشرة، و بين ما إذا تقبل الحج في الذمة و تعهد ايجاده، في الخارج مباشرة او تسبيبا: في الصورة الاولى تبطل الاجارة بموت الاجير، و يجب على ورثة الموصي الاستيجار المذكور، و في الصورة الثانية يجب على ورثة الاجير الاتيان بالحج او الاستيجار من تركته.
نعم، لو لم يقع منهم ذلك يجب على ورثة الموصي، كما هو ظاهر، فالفرق انه في الصورة الاولى يكون الاجير ضامنا للاجرة، و في الصورة الثانية تكون ذمته مشغولة بالاتيان بالحج بنفسه او بغيره.
1 - كان المناسب التعرض لهذه المسألة في فصل النيابة في الحج، الذي تقدم
|