(الصفحة 293)
و حكى عن الصدوق في المقنع: العمل ببعض هذه الروايات.
الثالث: انه بعد تمام ثلاث سنين و الدخول في الرابعة، و قد نسب هذا القول الى الشيخ في المبسوط و النهاية. و حكى هذا القول عن السرائر ايضا، و سيأتي ما هو التحقيق في النسبة الى الشيخ (قدس سره).
هذا، و يدلّ على القول المشهور صحيحة زرارة، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من اقام بمكة سنتين فهو من اهل مكة لا متعة له، فقلت لابي جعفر (عليه السلام): ارأيت ان كان له اهل بالعراق و اهل بمكة؟ قال: فلينظر ايّهما الغالب عليه، فهومن اهله.(1) و صحيحة عمر بن يزيد، قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام): المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة الى الحج الى سنتين، فاذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له ان يتمتّع.(2) و دلالتهما على لزوم اكمال سنتين و الدخول في السنّة الثالثة، خصوصاالصحيحة الثانية واضحة. نعم، يظهر من الجواهر اختلاف النسخة في قوله: فاذا جاوز، و ان في بعض النسخ: الراء مكان الزاء، و يؤيده عنوان المجاور في صدر الرّواية. و عليه، فلا تكون لها خصوصية من جهة الدلالة على لزوم اكمال سنتين، كما ان ظهور كلمة «سنتين» في سنتين كاملتين معهودتين، لا ينبغي الارتياب فيه، خصوصا مع ملاحظة عنوان الاقامة و المجاورة، و اخذه موضوعا قبل الحكم بانه لا متعة له.
و امّا ما يدلّ على القول الثاني، فعدّة روايات:
منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام): لاهل مكّة ان يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا اقاموا سنة او سنتين صنعوا كما
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 2.
(الصفحة 294)
يصنع اهل مكّة، فاذا اقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا، قلت: من اين؟ قال: يخرجون من الحرم. قلت: من اين يهلّون بالحج؟ فقال: من مكّة، نحوا ممّن يقول الناس.(1)
و منها: رواية حمّاد، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن اهل مكّة، أيتمتعون؟ قال ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا اقام بها سنة او سنتين صنع صنع اهل مكّة. قلت: فان مكث الشهر. قال: يتمتع، قلت: من اين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم. قلت: من اين يهلّ بالحج؟ قال: من مكّة، نحوا مما يقول النّاس.(2) و نوقش في سندها باشتراك داود، الذي روى عنه ابن ابي عمير، بين الثقة و غيره. و هي تبتني على عدم ثبوت ما اشتهر، من: انّ ابن ابي عمير لا يروي و لا يرسل الاّ عن الثقة، كما هو مقتضى التحقيق.
و منها: رواية عبد الله بن سنان، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المجاوربمكة سنة يعمل عمل اهل مكّة، يعني يفرد الحج مع اهل مكّة، و ما كان دون السنّة فله ان يتمتعّ.(3)
و منها: مرسلة حريز، عمن اخبره، عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من دخل مكّة بحجة عن غيره ثم اقام سنة فهو مكّي، فاذا اراد ان يحج عن نفسه او اراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة، فليس له ان يحرم من مكّة، و لكن يخرج الى الوقت، و كلّما حول رجع الى الوقت.(4) و حكى عن الصدوق في المقنع، انه افتى
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 7.
- 3 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 8.
- 4 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 9.
(الصفحة 295)
على طبق هذه الرواية، و لكنه يحتمل ان يكون لمورد الرواية ـ و هو دخولها بحجة عن غيره ـ خصوصية عنده.
و منها: رواية محمد بن مسلم، عن احدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: من اقام بمكة سنة فهو بمنزلة اهل مكة.(1) إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم: انه ذكر صاحب الجواهر بعد الحكم بانه يتجّه الاستدلال بالروايات المذكورة للقول الثاني، الذي استظهره الشهيد من اكثر الروايات: «بل يمكن تنزيل الصحيحين المزبورين ـ يعني ما يدل على القول الاوّل ـ عليه، و لو بقرينة هذه النصوص، التي تصلح مرجحة لاحدى النسختين في احدهما على الاخرى ايضا، التي قيل انها لا تقبل التنزيل المزبور، بل في كشف اللثام احتمالهما ايضا لسنتي الحج، بمضيّ زمان يسع حجتين، و هو سنة، كما ان شهر الحيض ثلاثة عشر يوما، و على كل حال، فتجتمع نصوص السنة و السنتين و السنة او السنتين على معنى واحد» و اشار بالذيل الى ما ذكره من صحة الاستدلال للقول الثاني بخبري الحلبي و حمّاد السابقين، المشتملين على مجاورة السنة او السنتين، بناء على انه لا معنى لذلك الاّ على ارادة الدخول في الثانية.
و الوجه في انه لا معنى له الاّ ما ذكره: عدم ملائمة التخيير مع مقام التحديد و الضابطة، لافادة الحدّ، و ليس مثل التخيير في سائر الموارد. هذا، و يرد على ما افاده من حمل الصحيحتين على الدخول في السنة الثانية. ان هذا لا يوجب تحقق الجمع الدلالي، الذي يخرج الطائفتين عن عنوان المتعارضين و المختلفين، الذي هو الموضوع للاخبار العلاجيّة، و ذلك لان الجمع الدلالي إذا كان مقبولا عند العرف و العقلاء، بحيث لا يكون الخبران مختلفين عندهم و متعارضين بنظرهم، يوجب
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 4.
(الصفحة 296)
الخروج عن مورد تلك الاخبار، و المقام ليس كذلك، ضرورة ان جعل الموضوع اقامة السنّة، كما في رواية محمد بن مسلم ـ مثلا ـ، كيف يجتمع مع جعل الموضوع اقامة سنتين و المجاورة كذلك، فهل هذا الا التعارض عند العرف و العقلاء.
و حينئذ لا بد من اعمال قواعد التعارض، و حيث ان اوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية، على ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة، و قد حققناه في محلّه، فاللازم الاخذ بالصحيحتين و الفتوى على طبقهما، كما هو المشهور.
و ممّا ذكرنا: ظهر ان المقام ليس من موارد اعراض المشهور عن الرواية الصحيحة، الذي وقع البحث في كونه هل يوجب سقوط الرواية عن الحجية ام لا يوجب؟ بل المقام من موارد الترجيح بالشهرة الفتوائية، بعد فرض التعارض، و بين الموردين فرق، كما لا يخفى. ثم انّ هنا روايات تدل على كفاية الاقامة اقل من سنة، مثل: صحيحة حفص بن البخترى، عن ابي عبد الله (عليه السلام) في المجاور بمكة يخرج الى اهله ثم يرجع الى مكّة، بأيّ شيء يدخل؟ فقال: ان كان مقامه بمكة اكثر من ستة اشهر فلا يتمتع، و ان كان اقل من ستة اشهر فله ان يتمتع.(1) و مرسلة حسين بن عثمان و غيره، عمن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: من اقام بمكّة خمسة اشهر فليس له ان يتمتع.(2) و قال في الجواهر بعد نقل هذه الطائفة: «و يمكن حملها على التقية، بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام، بالاستيطان ستة اشهر او الدخول في الشهر السادس، او على اعتبار مضي ذلك في اجراء حكم الوطن لمن قصدالتوطن، و في كشف اللثام: او على ارادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة الى قيام
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 5.
(الصفحة 297)
الستة اشهر او اقل او اكثر او غير ذلك» و لكن لا داعي الى ارتكاب شيء من هذه المحامل، بعد كون هذه الطائفة معرضا عنها عند الاصحاب، و لم يقل بها احد، كما لا يخفى.
ثمّ انّك عرفت: انه قد نسب الى الشيخ في المبسوط و النهاية، القول بتوقف انتقال الفرض الى القران او الافراد، على تمامية الاقامة ثلاث سنين و الدخول في السنة الرّابعة.
و هذا الامر مع بعده في نفسه، لان اكثر الروايات المتقدمة التي فيها الصحاح قد رواها الشيخ في جامعيه في الاحاديث، و لا يكون في شيء منها رواية دالة على هذا القول، و لو كانت ضعيفة، فهل يحتمل مع ذلك ان يكون الشيخ قد اعرض عن جميع تلك الروايات و استند الى الاصل و الاستصحاب المقتضي لتأخر زمان الانتقال، و بقاء فرضه السابق، و هو التمتع؟ هذا، مضافا الى ان الشهيد في الدروس قد نسب في عبارته المتقدمة الى الشيخ في الكتابين ما يقول به المشهور من كفاية الدخول في الثالثة في الانتقال و التبدل.
غاية الامر، انه استظهر من اكثر الروايات كفاية الدخول في الثانية، و هو يشعر باختياره خلاف ما اختاره الشيخ.
و عليه، فاللازم ملاحظة كلامه في الكتابين، فنقول: قال في النهاية، على ما حكي: «و من جاور بمكة سنة او سنتين جاز له ان يتمتّع، فيخرج الى الميقات و يحرم بالحج متمتّعا، فان جاور بها ثلاث سنين لم يجزله التمتع، و كان حكمه حكم اهل مكة و حاضريها» و قد نفى الريب في الجواهر في ظهورها، فيما ذكره الشهيد و انّ المراد بالمجاورة بها ثلاث سنين الدخول في الثالثة، بقرينة قوله: اوّلا: سنة او سنتين، و الاّ لقال: او ثلاث.
و قال في المبسوط: «و المكّي إذا انتقل الى غيرها من البلدان ثم جاء متمتعا،