(الصفحة 318)الصور، كما يأتي، و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث. و لو شاء لا يأتي الى مكة ليومه، بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر، ثم ينفر بعد الزوال لو كان قد اتقى النساء و الصيد، و ان اقام الى النفر الثاني و هو الثالثة عشر، و لو قبل الزوال، لكن بعد الرمي جاز ايضا، ثم عاد الى مكّة للطوافين و السعي، و الاصح: الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجة، و الافضل الاحوط ان يمضي الى مكّة يوم النحر، بل لا ينبغي التأخير لغده، فضلا عن ايام التشريق الاّ لعذر1 .
1 - ما افاده هنا هو تصوير حجّ التمتّع بنحو الاجمال و سيأتي البحث في الخصوصيات مفصّلا ان شاء الله و الذي ينبغي البحث هنا امّا في عمره التمتع فهو من جهة انه هل يجب فيها طواف النساء كالعمرة المفردة و جميع انواع الحجّ او انّ لها خصوصية من هذه الجهة؟ فالمشهور، بل المتسالم عليه بينهم، هو عدم الاعتبار، و لكن نسب الشهيد الى بعض الاصحاب، القول بالاعتبار من دون تعيين قائله.
و يدل على عدم الوجوب: صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأله ابو حارث عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انّما طواف النساء بعد الرجوع من منى.(1) و لا يكاد يضرها الاضمار، بعد كون المضمر هو صفوان، كما هو ظاهر.
و صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب ابو القاسم مخلّد بن موسى الرازي الى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء و العمرة، التي يتمتع بها الى الحج، فكتب: امّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و امّاالتي يتمتع بها الى الحج فليس على صاحبها طواف النساء.(2) و امّا ما ظاهره الوجوب: فهي رواية سليمان بن حفص المروزي، عن الفقيه (عليه السلام)
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 6.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 1.
(الصفحة 319)
قال: إذا حجّ الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام ابراهيم (عليه السلام) و سعى بين الصفا و المروة و قصّر، فقد حلّ له كل شيء ما خلا النّساء، لان عليه، لتحله النساء، طوافان و صلاة.(1) و الظاهر ان «طوافان» و ان كان موجودا في الطبع الحديث من الوسائل الاّ انه غلط لوجهين: احدهما: ان اسم انّ يكون منصوبا، و اللازم على هذا التقدير، ان يكون طوافين لا طوافان. ثانيهما: عدم ثبوت طوافين بعد الطواف الاوّل، لا في الحج و لا في العمرة، فهذه العبارة اشتباه، و ان كان يؤيّدها التأنيث في قوله: لتحلّه، كمالا يخفى.
ثم انّ الصورة المفروضة في الرواية لا تكون ظاهرة في عمرة التمتع، مع قطع النظر عن قوله: و قد قصّر. لاحتمال كون المراد هو الحج، و انّ دخول مكّة انّما هو الدخول بعد العود عن منى، لكن هذا القول يوجب التعين في عمرة التمتّع، لانه مضافا الى عدم تعين التقصير في حج التمتّع الاّ بالاضافة الى النساء، و امّا في غيرهنّ فأمّا ان يتعين الحلق او يتخير بينه و بين التقصير، يكون التقصير في الحج قبل الطواف و السعي، و ظاهر الرواية وقوعه بعدهما، فيتعين في عمرة التمتع.
لكن هذا كله على تقدير وجود «و قد قصّر» في الرواية، مع ان المحكي عن الاستبصار عدم وجود هذه الجملة في الرواية، و ان كانت موجودة في التهذيب، و هو المصدر لنقل الوسائل، و لكنه نسب اليه: انه سهو من قلمه الشريف، و الظاهر انه لا دليل عليه، و مقتضى اصالة عدم الزيادة خلافه، خصوصا مع انها الدليل الوحيد في الباب، و لولاه لا دليل على الاستحباب ايضا. و كيف كان،
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 7.
(الصفحة 320)
على تقدير خلوّ الرواية عن هذه الجملة لا دلالة لها على حكم عمرة التمتّع لما عرفت، من ابتناء دلالتها عليه على وجود هذه الجملة، و التعبير بدخول مكة فيها لا ظهور فيه في الدخول بعد احرام العمرة، فان الحاج ايضا يدخلها بعد الفراغ عن اعمال منى، كما لا يخفى.
نعم، ربما يقال بعدم الابتناء على وجود الجملة المزبورة، و ذلك لانه قد ثبت في محلّه: انه بالحلق او التقصير، الذي هو اخر اعمال يوم النّحر، يحلّ للمحرم كل شيء عدا النساء و الطيب و الصيد، و يتوقف حلية الطيب على الطّواف، و السعيو النساء على طواف النساء، و حرمة الصيد لم يثبت استنادها الى الاحرام، بل يحتمل ان تكون لاجل حرمة الحرم. و عليه، فلا تختص بالمحرم، كما قواه الماتن ـ قدس سره الشريف ـ. و بالجملة: المؤثر في حلية اكثر محرّمات الاحرام هو تمامية اعمال يوم النحر بمنى. و عليه، فجعل المؤثر في الحلية هو الطواف و ركعتاهو السعي، كما في الرواية دليل على ان موردها عمرة التمتع، لان تأثيرها في الحلية انما يكون فيها دون الحج، الذي عرفت: انّ المؤثر العمدة هو الحلق او التقصير.
و لكن يدفع هذا القول: انه حيث تكون الحليّة المذكورة عامة ثابتة، بالاضافة الى جميع محرمات الاحرام، ما خلا النساء، فلا مانع من تعليقها على الطوافو السعي بعد تمامية اعمال يوم النحر، و بعبارة اخرى: لو كانت الحلية المعلقة هي الحلية في الجملة لما كانت مرتبطة بمثل الطواف، و امّا لو كانت هي الحليّة العامة الشاملة للجميع عدا النساء، فلا مانع من تعليقها على الطواف و السعي، اللذين يقعان بعد تمامية اعمال يوم النحر لا محالة. و عليه، فقوة الابتناء المذكور بحالها، و لا دلالة للرواية على حكم المقام، مع الخلو عن جملة «و قصّر».
ثم انه لو فرض وجود الجملة المزبورة، و تمامية دلالة الرواية على اعتبار طواف
(الصفحة 321)
النساء في عمرة التمتع، فامّا ان يقال بامكان الجمع الدّلالي بينها و بين الروايتين المتقدمتين الظاهرتين بل الصريحتين في عدم الوجوب بجعلهما قرينة على كون مفادها الاستحباب، و امّا ان يقال بثبوت التعارض و لزوم الرجوع الى مرجحات باب التعارض، و من المعلوم: ان الشهرة الفتوائية المحققة موافقة لما يدلّ على عدم الوجوب. و النتيجة على كلا التقديرين: هو القول بالعدم، كما في المتن. نعم، لا مجال لانكار كون مقتضى الاحتياط هو الاتيان به.
ثمّ انه يقع الكلام في محلّ طواف النساء في عمرة التمتع، و انه هل هو بين السعي و التقصير او بعد التقصير، كما في العمرة المفردة، حيث انه لا ريب في ان محلّه فيها بعد التقصير، صريح المتن تبعا للعروة هو الاوّل، مع انّ ظاهر رواية سليمان المتقدمة هو الثاني، لجعل التقصير مؤثرا في حلية كل شيء ما خلا النساء، و توقف حليتهن على الطواف و الصلاة، و ظاهرها وقوعهما بعد التقصير.
و هذا من دون فرق بين القول بالوجوب و بين القول بالاستحباب، لان الظاهر انه لا فرق بين القولين في محلّه، بل الاختلاف في مجرّد حكمه من جهة الوجوب و الاستحباب.
و بالجملة: لاخفاء في ظهور الرواية، على تقدير اشتمالها على جملة «و قصّر» في تقدم التقصير على طواف النساء، سواء اخذ بظاهرها من جهة الدلالة على الوجوب او حملت على الاستحباب.
و عليه، فيقع الكلام في مستند ما في المتن من تقدم الطواف المزبور على التقصير، و الظاهر ان المستند ما ورد من الروايات الكثيرة، الدالة: على انه بالتقصير في عمرة التمتع يحلّ له كلّ شيء ممّا حرمه الاحرام، حيث انها تدل بالدلالة الالتزامية على ان طواف النساء انما يكون محلّه قبل التقصير، و الا يلزم عدم حلية كل شيء، لتوقف حلية النساء على الطواف الواقع بعد التقصير
(الصفحة 322)مسألة 1 ـ يشترط في حج التمتع امور: احدها: النية اي قصد الاتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع في احرام العمرة، فلو لم ينوه او نوى غيره او تردّد في نيته بينه و بين غيره، لم يصحّ1 .
فمقتضى الروايات: انّه لا يكون بعد التقصير شيء مؤثر في الحليّة، كما لا يخفى، فاللازم ان يكون محلّه قبل التقصير، و هذا هو الظاهر.
ثم انه تعرض بعض شروح العروة لبعض الخصوصيات المعتبرة في الحج في هذا المقام، و نحن نحيل تفصيل البحث في جميعها الى محالّها، و نتعرض لها هناك ان شاء الله تعالى.
1 - الظاهر انه لا اشكال عند الاصحاب في اعتبار النيّة بعنوانها، و لكن البحث في المراد من النيّة المعتبرة خصوصا، مع ملاحظة جعلها من الامور المعتبرة في حج التمتع، كسائر الامور المعتبرة فيه.
فعن الدروس: ان المراد بها نية الاحرام. و اورد عليه في المسالك بقوله: «و هو حسن، الا انه كالمستغنى عنه، فانه من جملة الافعال، و كما تجب النيّة له تجب لغيره، و لم يتعرضوا لها في غيره على الخصوص».
و يرد عليه ايضا، ما سيأتي، من: ان النيّة دخيلة في ماهية الاحرام و جزءمنها، و الجزء الاخر التلبيه. و عليه، فلا يمكن تعلق النية به لاستلزامه تعلقها بنفسها.
و عن بعض الاصحاب: انّها عبارة عن نيّة الخروج الى مكّة، بل في محكي كشف اللثام عنه: انه قدمها على الدعاء للخروج من المنزل و ركوب الدّابة، و بطلانه واضح، لان الكلام في النيّة المعتبرة في اعمال حج التمتع، و لا محالة تكون مبدأ للشروع، كما هو ظاهر.
و التحقيق يوافق ما في المتن من التفسير، الذي مرجعه الى قصد الحج اوّلا، و ارادة الاتيان بالتمتع، الذي هو نوع خاص من جنس الحج ثانيا، و لكنه تنظّر في