(الصفحة 361)
عن المتمتع يجيء فيقضي متعته، ثم تبدو له حاجة فيخرج الى المدينة او الى ذات عرق او الى بعض المنازل (المعادن ئل). قال: يرجع الى مكّة بعمرة، ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج... و حينئذ يكون الحكم بالاحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب، لان العمرة، التي هي وظيفة كل شهر، ليست واجبة. لكن في جملة من الاخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج او بعده، كصحيحتي حمّاد و حفص بن البختري و مرسلة الصدوق و الرضوي، و ظاهرها الوجوب، الاّ ان تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل، لكنه بعيد، فلا يترك الاحتياط بالاحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج».
اقول: ذيل رواية اسحق عبارة عن: «قلت: فانه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان ابي مجاورا هاهنا فخرج يتلقّى (ملتقيا) بعض هولاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق، احرم من ذات عرق بالحج، و دخل و هو محرم بالحج».(1) و الكلام يقع تارة: في مفاد هذه الرواية، من جهة انه هل هو وجوب الاحرام للعمرة للرجوع، ان كان في غير شهر التمتع، او الخروج، او عدم الوجوب؟ و اخرى: في مفاده، من جهة كون الملاك هو الشهر الذي تمتع فيه او الشهر الذي خرج من مكة. و ثالثة: في مفاد سائر الروايات، و الجمع بينها و بينها على تقدير الاختلاف و المعارضة.
فنقول: قد استفاد السيد (قدس سره) من الرواية: استحباب الاحرام و العمرة للرجوع و عدم وجوبه. لان تعليق الحكم بالرجوع بالعمرة على كونه في غير الشهر الذي تمتع فيه، اي وقعت فيه العمرة، بضميمة التعليل بان لكل شهر
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح ـ 8.
(الصفحة 362)
عمرة، و هو اشارة الى المستفيضة، الدالة على ان لكلّ شهر، عمرة، و مفادها استحباب العمرة في كل شهر يدل على ان الحكم في المقام ايضا كذلك، فلا تجب العمرة، و لو كان الرجوع في غير ذلك الشهر.
و لكنّه يرد عليه، مضافا الى ان قوله (عليه السلام) بعده بلا فصل: و هو مرتهن بالحج لا يلائم مع الحكم الاستحبابي المبنيّ على جواز الترك. ان الظاهر ان المراد من العمرة التي حكم بالرجوع الى مكة بها هي عمرة التمتع لا العمرة المفردة. و عليه، فكيف يمكن تعليل حكمها باستحباب العمرة المفردة لكل شهر، ضرورة ان المراد من المستفيضة المذكورة خصوص العمرة المفردة، فلا ينطبق التعليل على الحكم المعلّل بوجه، و احتمال كون المراد من العمرة في الحكم المعلّل هي العمرة المفردة واضح البطلان، خصوصا مع ملاحظة انه لا يجوز للمتمتع الاتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع و حجّه، و يؤيّده بل يدل عليه تصريح صحيحة حمّاد الاتية بذلك، فلا ينبغي الارتياب حينئذ في دلالة هذه الرواية على الوجوب. و المراد من العلّة ثبوت عمرة التمتع بعد مضي الشهر ثانيا، هذا بالاضافة الى الجهة الاولى.
و امّا الجهة الثانية: فقوله (عليه السلام): ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، و ان كان ظاهرا في ان الملاك هو شهر وقوع عمرة التمتع فيه. الاّ ان السؤال الثاني عن الدخول في الشهر الذي خرج فيه، هل هو سؤال عن عنوان اخر مغاير لما هوالمذكور في كلام الامام (عليه السلام)، او ان الظاهر انه سؤال عن حكم موضوع مفهوم كلام الامام (عليه السلام). و بعبارة اخرى: حيث انه (عليه السلام) حكم بالرجوع بعمرة ان كان في غير شهر التمتع، فالسائل قد سأل عن حكم ما إذا كان الرجوع في نفس ذلك الشهر، و قد عبّر عنه بشهر الخروج. و عليه، فلا بدّ: امّا من الالتزام بان السائل قد فهم من شهر التمتع، شهر الخروج، او الالتزام بان مراد السائل من شهر الخروج، هو شهر التمتع المذكور في كلام الامام (عليه السلام)، لا مجال لاحتمال كونه سؤالا عن عنوان
(الصفحة 363)
مغاير للعنوان المذكور في كلام الامام (عليه السلام)، خصوصا مع كونه ناظرا الى اتحادالشهرين، و كلامه (عليه السلام) الى مغايرتهما، كما لا يخفى. فلا بد من الحمل على كونه سؤالا عما يتعلق بالحكم المذكور قبله. نعم، يبقى الكلام في ترجيح احد الالتزامين المذكورين على الاخر، و الظاهر ترجيح الالتزام الاوّل، لان كلام السائل وقع بعدكلام الامام (عليه السلام)، فهو بمنزلة التفسير و بيان ما هو المتفاهم منه عند العرف، و قد قرّره الامام (عليه السلام) على ذلك و لم ينكر عليه في الجواب، بان يقول: بان مرادي هو شهر التمتع لا شهر الخروج، فنفس السؤال ـ بضميمة عدم الانكار في الجواب ـ شاهد على كون المراد هو شهر الخروج دون ما هو ظاهره، بنظرنا، من كونه غيره، كما لا يخفى.
ثم ان عدم وضوح الجواب عن هذا السؤال من جهة التعبير بكون الصادق (عليه السلام) مجاورا في مكّة، مع انه لم يشهد له التاريخ، مضافا الى ان المجاورة ان كانت بمقدار موجب لتغير الفرض و انقلاب الحكم من التمتع الى القران او الافراد، توجب عدم الارتباط بما هو موضوع السؤال من التمتع، و ان لم تكن بذلك المقدار، لا يكون عنوانها دخيلا في الحكم اصلا، لا يوجب التردد فيما نحن بصدده، من دلالة الرواية على كون المعيار هو شهر الخروج.
كما ان عدم وضوح علّة كون احرامه (عليه السلام) من الميقات، مع كون احرام الحج في التمتع لا بد و ان يقع من مكّة ايضا، لا يوجب. الخلل فيما ذكرنا ـ و ان كان غير بعيد عندي ـ وجود الاستثناء للضابطة المذكورة في احرام حج التمتع، بالاضافة الى من خرج من مكة غير محرم، ثم مرّ في رجوعه الى مكّة الى بعض المواقيت، فتدبرو كيف كان، فدلالة الرواية على ان المعيار هو شهر الخروج، لا تنبغى المناقشة فيها. و العجب انّ مثل العروة و شروحها قد نظروا الى صدر الرواية و لم ينظروا الى السؤال الثاني و التعبير الواقع فيه، الذي هو مفسر لما وقع في الصدر، كما مرّ.
(الصفحة 364)
و ممّا ذكرنا يظهر الحكم في الجهة الثالثة، لان سائر الروايات بين ما وقع فيه التصريح بشهر الخروج، كمرسلة الصدوق ـ التي عرفت انّها معتبرة عندنا ـ و بين ما كان خاليا عن اضافة الشهر الى شيء معلوم، و ان كان ظاهره هو كون المضاف اليه الخروج، مثل ذيل صحيحة حمّاد بن عيسى، التي تقدم صدرها، و هو عبارة عن قوله: «قلت: فان جهل فخرج الى المدينة او الى نحوها بغير احرام، ثم رجع في ابّان الحج في اشهر الحج يريد الحج، فيدخلها محرما او بغير احرام؟ قال: ان رجع في شهره دخل بغير احرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما.
قلت: فايّ الاحرامين و المتعتين، متعة: الاولى او الاخيرة؟ قال: الاخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها، التي وصلت بحجته... الحديث».(1) فانه على تقدير الاجمال، و ان كان الظاهر عدمه، و ان المراد هو شهر الخروج، تكون الروايتان السابقتين رافعتين للاجمال و مفسّرتين للابهام، فلا تعارض في البين.
ثم انه ذكر السيد (قدس سره) في العروة: ان صحيحة حفص بن البختري ـ ايضا ـ تدل على شهر الخروج، مع انه لا تعرض فيها لهذا الفرض اصلا، لان المفروض فيها الخروج من مكة مع الاهلال بالحج، و الظاهر انه سهو من القلم، كما في بعض الشروح.
ثم الظاهر ان المراد من الشهر ما ذكرنا في بحث العمرة المفردة في مفاد قوله (عليه السلام): لكل شهر عمرة. من انه هو عنوان الشهر لا مضي مقدار ثلاثين يوما، فاذا وقع الخروج في اواخر ذي القعدة ـ مثلا ـ و رجع في اوائل ذي الحجّة، يصدق انّ الرجوع يكون في غير شهر الخروج، و ان لم يكن بينهما فصل زماني كثير، و لا فرق في هذه الجهة بين كون المعيار هو شهر الخروج و بين كونه هو شهر التمتع، و ان
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح ـ 6.
(الصفحة 365)
كان يقع الكلام على الثاني في ان المراد هل هو الشهر الذي اهلّ فيه بعمرة التمتع او الشهر الذي احلّ منها، على تقدير اختلافهما، و وقوع الشروع في شهر و الفراغ في شهر اخر؟ و الظاهر انه على هذا التقدير يكون ظاهر التعبير في الرواية هو الفراغ لا الشروع، لظهور التعبير بصيغة الماضي في الرواية المتقدمة فيه.
بقي الكلامفي الفرع المتقدم في امر مهمّ، و هو: انه على تقدير القول بوجوب الاحرام لعمرة التمتع ثانيا بعد الخروج عن مكّة بلا احرام و مضيّ الشهر، هل يكون هذا الحكم حكما تكليفيّا صرفا، لا يترتب على مخالفته الاّ مجرد العصيانو استحقاق العقوبة، فاذا ترك الاحرام و دخل مكة محلا ثم احرم لحج التمتع يوم التروية ـ مثلا ـ يصح حجّه بعنوان التمتع، لان المفروض انه اتى بعمرة التمتع قبل الخروج من مكّة، او انه حكم وضعي مرجعه الى توقف صحة حجّة بعنوان التمتع على الاتيان بعمرته ثانيا بعد مضي شهر من الاولى، فلو تركه و لم يأت بها و دخل مكّة محلا، لا يمكن ان يقع منه حج التمتع إذا احرم له من مكّة؟ فيه و جهان، بل قولان: قال في الجواهر: «و ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا بعد شهر، و لو اثما، فهل له الاحرام بالحج بانيا على عمرته الاولى، او انها بطلت، للتمتع بالخروج شهرا؟ و لكن الذي يقوى في النظر، الاوّل، لعدم الدليل على فسادها».
و قال السيّد (قدس سره) في العروة: «و على أيّ حال، إذا ترك الاحرام مع الدخول في شهر اخر، و لو قلنا بحرمته لا يكون موجبا لبطلان عمرته السّابقة، فيصحّ حجه بعدها».
و مقتضى اطلاق المتن، الصحة ايضا، حيث ان قوله (قدس سره): «لكن لو خرج من غير حاجة و من غير احرام ثم رجع و احرم و حجّ، صحّ حجّه» يشمل ما لو كان الرجوع بعد مضي الشهر، فيدل على الصحّة فيه ايضا، الاّ ان يقال بعدم كون