(الصفحة 387)
اتمام عمرته الى زوال الشمس من ذلك اليوم، و لا محالة لا يدرك الوقوف من اوّل الزوال الى الغروب، فتنطبق الرواية على القول الثاني، الذي كان الميزان عنده هو المسمّى.
و يمكن ان يكون المراد: ان الغاية ان يدرك المتمتع زوال الشمس بعرفات، الذي هو وقت قطع التلبية، فتنطبق حينئذ على القول الاوّل، و لكن الظاهر هو الاحتمال الاول، لانه لا فرق بين جعل الغاية زوال الشمس من يوم عرفة، كما في صحيحة جميل المتقدمة، التي استظهرنا منها الاحتمال الاوّل، و بين جعلها قطع التلبية، الذي يكون وقته زوال الشمس من ذلك اليوم، كما في هذه الرواية.
فالانصاف انّها ظاهرة في ان المناط هو المسمّى لا المجموع، لكنها غير معتبرة من حيث السّند.
و منها: رواية ابي بصير، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): المرأة تجيءمتمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت، فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال: ان كانت تعلم انّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من احرامها و تلحق الناس بمنى، فلتفعل.(1) هكذا نقلت الرواية في الوسائل، و المراد من لحوق الناس بمنى هو لحوقها بهم ليلة عرفة، التي يستحب المبيت فيها بمنى. و عليه، فلا تكون الرواية من هذه الطّائفة، و لكن في الحاشية ذكر: انه اخرجه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب في التهذيب و في الاستبصار، و ترك قوله: «بمنى» كما في الكافي.
و على هذا التقدير، يكون الظاهر هو لحوقها بهم بعرفات، لان ما يجب على الحاج بعد الاحرام هو الوقوف بعرفات، و لا مجال حينئذ لاحتمال كون المراد هو اللحوق بمنى، لكن يبقى الكلام في: ان المراد هو اللحوق بهم بعرفات من اول
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 3.
(الصفحة 388)
الزوال، الذي يجب الوقوف منه، او ان المراد اللحوق و لو في اخر الوقت، الذي به يتحقق المسمّى. و الظاهر هو الثاني.
و قد انقدح مما ذكرنا: ان جميع روايات هذه الطائفة، ما عدى الاولى، ظاهرة في ان المعيار و الميزان هو المسمّى، فان قلنا بصراحة صحيحة جميل المتقدّمة في هذا، فمن المعلوم ان الظاهر لا يقابل الصريح، بل هو قرينة على كون المراد خلاف الظاهر، و ان لم نقل بذلك، كما اخترناه، فالظاهر ان روايات المسمّى ـ مع كثرتها و تأكد بعضها ببعض ـ تكون اظهر من الرواية الظاهرة في: ان المعيار خوف فوات الجميع، فتقدّم على تلك الرّواية.
و العجب من السيد (قدس سره) في العروة، حيث انه رمى المرفوعة و صحيحة جميل المتقدمتين بالشذوذ، مع انك عرفت كثرة القائل بهذا القول و ندرة القائل بالقول الاوّل، و نحن و ان ذكرنا: ان ظاهر المتن هو القول الاوّل، الا انه يمكن ان يقال: بان التعبير بالاختياري فيه انّما هو في مقابل الوقوف الاضطراري، الذي هو القول الثالث، لا في مقابل الركن و المسمى، كما لا يخفى.
هذا تمام الكلام فيما يتعلق بالطائفة الاولى، الواردة في الوقوف الاختياري بعرفات، و انه هو المناط في الضيق.
و امّا القول الثالث الذي جعل المعيار هو خوف فوت الاضطراري من وقوف عرفة، و هو الوقوف بها ليلة النحر بمقدار المسمّى: فلم يرد فيه نص بالخصوص في المقام، و لكنه ذكر السيّد (قدس سره) في العروة، تبعا للنراقي في المستند: انه يؤيد هذا القول الاخبار الدالة على: ان من يأتي بعد افاضة الناس من عرفات و ادركها ليلة النحر، فقد تم حجّه.
و اجاب عنه نفسه بقوله: و فيه: ان موردها غير ما نحن فيه، و هو عدم الادراك من حيث، هو و فيما نحن فيه، يمكن الادراك، و المانع كونه في اثناء العمرة،
(الصفحة 389)
فلا يقاس بها.
و امّا القول الرابع: الذي جعل المدار زوال الشمس من يوم التّروية: فيدلّ عليه صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: سألت ابا الحسن الرّضا (عليه السلام) عن المرأة تدخل مكّة متمتعة، فتحيض قبل ان تحلّ، متى تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر (عليه السلام)يقول: زوال الشمس من يوم التّروية، و كان موسى (عليه السلام) يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت فداك!عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحجّ.
فقال: زوال الشمس. فذكرت له رواية عجلان ابي صالح، فقال: لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على احرامها او تجدّد احرامها للحج؟ فقال: لا، هي على احرامها، قلت: فعليها هدي؟ قال: لا، الاّ ان تحبّ ان تطوّع، ثمّ قال: امّا نحن فاذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل ان نحرم، فاتتنا المتعة.(1) و رواية عجلان ابي صالح، هي التي رواها الكليني عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن درست الواسطي، عنه قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة متمتعة قدمت مكّة فرأت الدم. قال: تطوف بين الصفا و المروة ثم تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و ان لم تطهر، فاذا كان يوم التروية افاضت عليها الماء و اهلّت بالحج من بيتها، و خرجت الى منىو قضت المناسك كلّها، فاذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا و المروة، فاذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شيء ما خلا فراش زوجها.(2) و هل المراد من رواية عجلان تمامية متعة المرأة المذكورة و عدم تبدلها الى حجّ
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الحادي و العشرون ح ـ 14.
- 2 ـ وسائل ابواب ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 12.
(الصفحة 390)
الافراد، او ان مفادها التبدل و الانتقال؟ حكى عن الشيخ (قدس سره) في التهذيب الثاني، لانه ذكر بعد نقل هذه الرواية و رواية اخرى مشابهة لها: انّه ليس في هاتين الروايتين ما ينافي ما ذكرناه، لانه ليس فيهما انه قد تم متعتها، و يجوز ان يكون من هذه حاله يجب عليه العمل على ما تضمنه الخبران، و يكون حجه مفردة دون ان يكون متعة، الا ترى الى الخبر الاوّل ـ يعني رواية عجلان ـ و قوله: إذا قدمت مكّة و طافت طوافين قلو كان المراد تمام المتعة لكان عليها ثلاثة اطواف و سعيان، و انما كان عليها طوافان و سعي، لان حجتها صارت مفردة، و إذا حملناها على هذا الوجه يكون قوله: تهلّ بالحج، تأكيدا لتجديد التلبية بالحج دون ان يكون ذلك فرضا واجبا.
و يؤيد ما ذكره، من: عدم كون الاهلال بالحج واجبا، كونه معطوفا على قوله: افاضت عليها الماء، مع وضوح عدم كون الافاضة المذكورة واجبة، لعدم اشتراط شيء من الوقوفين و مناسك منى بالطهارة مطلقا، لا عن الحدث و لا عن الخبث.
و لكنه يرد على اصل ما حمله الروايتين عليه من الدلالة على التبدل الى حج الافراد، مضافا الى انه لو كان المراد منهما ذلك لم يكن وجه لايراد رواية عجلان اعتراضا على الرضا (عليه السلام) في رواية ابن بزيع، لانه لو كان المراد منها التبدل الى حج الافراد لا يكون مفادها منافيا لما افاده الرضا (عليه السلام) من ذهاب المتعة بزوال الشمس يوم التروية، فلا مجال لايرادها بعنوان الاعتراض اصلا. و دعوى: ان ايرادها كذلك، انّما هو لاجل وقوع عنوان يوم التروية فيها لا خصوص زوال الشمس منها، مدفوعة: بان هذه الدعوى، و ان ذكرها بعض الاجلّة في شرحه على العروة ـ المسمّى بمصباح الهدى ـ الاّ انه لا مجال لها، بعد عدم تحقق المنافاة بين المطلق و المقيّد عند العقلاء في مقام التقنين و جعل الاحكام، فلا يمكن الايراد على المولى
(الصفحة 391)
الامر بعتق الرقبة، بانه لا يجتمع مع النهي عن عتق الرقبة الكافرة، كما هوواضح. انّ ظاهر قوله: «و اهلت بالحج من بيتها، » هو تماميّة العمرة و الشروع في الحج باحرام جديد، و امّا ما ذكره، من: انه لو كان المراد تمام المتعة لكان عليها ثلاثة اطواف و سعيان. فيرد عليه: ان ثبوت ثلاثة اطواف مسلم، و الرواية تدل عليه، غاية الامر، ان الطواف الثالث يستفاد من قوله: فقد حل لها كل شيء ما خلا فراش زوجها. ضرورة ان حلية الفراش لا يتحقق الاّ بطواف النساء، لانه لا طريق لها غيره، و امّا السّعي فبعد وقوعه في العمرة بامر الامام (عليه السلام) لا مجال لاحتمال بطلانه، بل ظاهر الرواية صحته، فلا يبقى عليه الاّ سعي واحد لخصوص الحج.
و بالجملة: لا ينبغي الاشكال في دلالة رواية عجلان في نفسها في تمامية العمرة، و عدم ذهابها بدخول يوم التروية او زوال شمسه، و لكن الرّضا (عليه السلام) قد نفى مفادها، و انّ زوال الشمس يوم التروية يوجب ذهاب عمرة المتمتعة، التي صارت حائضا و لم تطهر قبله.
ثم انه لم يعلم الوجه في اختلاف ما حكاه الرّضا عن ابيه و ما حكاه عن جدّه (عليهم السلام)، كما انه لم يعلم وجه نقل هذا الاختلاف مع اختياره ما حكاه عن جدّه، و حمل احدهما على التقية، لا يكاد يجتمع مع الحكاية و النقل، كما انه لا يجتمع مع التعبير ب «كان» الظاهر في التكرر و التعدّد، المنافي مع التقيّة.
و امّا ما في ذيل الرواية من قوله (عليه السلام): امّا نحن فاذا رأينا... فيمكن ان يكون ذلك من خصائص الائمّة (عليهم السلام) و يؤيده ما ورد، من: انّ افضل افراد عمرة التمتع ما وقعت قبل ذي الحجّة. و لا مانع من الالتزام بذلك، كما ان للنبي (صلى الله عليه وآله)خصائص متعددة مذكورة في محلّها، و لبعض الائمّة (عليه السلام) على بعضهم ايضا بعض الخصائص، كما ورد في وصية على (عليه السلام) من: انه يكبّر في الصلاة عليه