(الصفحة 404)
التفصيل بين: ما إذا كانت حائضا قبل الاحرام، فتعدل، و بين ما إذا كانت طاهرا حال الشروع فيه ثم طرأ الحيض في الاثناء، فتترك الطواف و تتم العمرة و تقضي بعد الحج، حكى ذلك عن الكاشاني في الوافي و المفاتيح، و عن صاحب الحدائق.
5 ـ انّها تستنبب للطواف ثمّ تتم العمرة و تأتي بالحج. حكاه في الجواهر عن بعض الناس من دون ان يعرف قائله. و منش
أالاختلاف ما ورد في هذا الباب من الروايات المتعددة المختلفة، و اللازم ملاحظتها، فنقول:
امّا القول الاوّل: الذي يشتمل على خصوصيتين: احديهما: اصل العدول الى حج الافراد في مقابل من يقول: بانه لا مجال للعدول. و ثانيتهما: اطلاق العدول، الذي مرجعه الى عدم الفرق بين ما إذا كانت في حال الاحرام حائضا، و بين ما إذا اطرأ الحيض بعد الاحرام بعد ان كانت طاهرا حاله، فيدل عليه روايات متعددة، بعضها دالة على العدول مطلقا، و بعضها واردة في النفاس حال الاحرام، الذي يشترك مع الحيض في الحكم، و بعضها في الحيض العارض بعد الاحرام.
امّا الاوّل: فمثل صحيحة جميل بن درّاج، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية. قال: تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجّة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج الى التنعيم فتجعلها عمرة. قال ابن ابي عمير: كما صنعت عائشة.(1) فان مقتضى اطلاق السؤال و ترك الاستفصال، عدم الفرق بين كون الحيض متحققا حال الاحرام و بين ما إذا كان طارئا بعده، فتدل الرواية على العدول مطلقا.
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح ـ 2.
(الصفحة 405)
و امّا الثاني: فمثل صحيحة معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: ان اسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر بالبيداء، لاربع بقين من ذي القعدة، في حجة الوداع، فامرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاغتسلت و احتشت و احرمت، و لبّت مع النبي (صلى الله عليه وآله) و اصحابه، فلما قدموا مكّة لم تطهر حتى نفروا من منى، و قد شهدت المواقف كلّها، عرفات و جمعا، و رمت الجمار، و لكن لم تطف بالبيت و لم تسع بين الصفا و المروة، فلمّا نفروا من منى امرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاغتسلت، و طافت بالبيت و بالصّفا و المروة، و كان جلوسها في اربع بقين من ذي القعدة و عشر من ذي الحجة و ثلاث ايّام التشريق.(1) و صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام): ان اسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر، فامرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين ارادت الاحرام من ذي الحليفة ان تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّ بالحج، فلمّا قدموا و قد نسكوا المناسك، و قد اتى لها ثمانية عشر يوما، فامرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان تطوف بالبيت و تصلّي، و لم ينقطع عنها الدم، ففعلت ذلك.(2) و قد ذكر بعض الاعلام ما يرجع الى ان الروايتين صريحتان في الدلالة على العدول الى الافراد، و المفروض فيهما حدوث النفاس قبل الاحرام، و اشتمالها على ان اكثر مدة النفاس ثمانية عشر يوما، الذي هو احد الاقوال في المسألة، يقدح في الاستدلال بهما للمقام، من الجهة التي هي مورد الكلام، و هو العدول الى حجّ الافراد.
هذا، و يرد عليه: ان محل الكلام هو العدول، عن عمرة التمتع، و قد مرّ ان
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب التاسع و الاربعون ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الواحد و التسعون ح ـ 1.
(الصفحة 406)
مشروعية التمتع انّما نزل بها جبرئيل في حجة الوداع، بعد قدوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكّة المكرّمة، و ان من لم يسق الهدي يجب عليه العمرة و الاحلال بعدها. و عليه، فحجّ اسماء بنت عميس لم يكن حج التمتّع، بل الظاهر كونه حجّ الافراد، و ان الاهلال كان بنيّته. و عليه، فالروايتان لا ترتبطان بالمقام الاّ ان يقال: انّ حكمه (صلى الله عليه وآله) ببقائها على حج الافراد بعد نزول شرعية التمتّع، يستفاد منه العدول الى حج الافراد لو كان الحيض مقارنا لاحرام عمرة التمتع ايضا، و لكن هذه الاستفادة، مضافا الى انّها محل نظر، بل منع، لكان لازمها الاستناد الى ما صنعت عائشة بعد اهلالها بحج الافراد، و عروض الحيص لها، المانع من العدول الى عمرة التمتع و الاتيان بحج التمتع، كسائر نساء النبي (صلى الله عليه وآله). غاية الامر، الاستناد، بالاضافة الى الحيض الطاري، مع ان الظاهر انه لا مجال له، فتدبّر.
و التشبيه في بعض روايات العدول من الامام (عليه السلام) او الراوي بما صنعت عائشة، ليس بلحاظ العدول، لانها لم تعدل الى شيء، بل انّما هو بلحاظ وقوع العمرة المفردة بعد بقائها على حج الافراد، كما لا يخفى.
و امّا الثالث: فمثل موثقة اسحاق بن عمّار، عن ابي الحسن (عليه السلام)قال: سألته عن المرأة تجيء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات. قال: تصير حجة مفردة، قلت: عليها شيء؟ قال: دم تهريقه، و هي اضحيتها(1).
و قد حمل الشيخ (قدس سره) الامر بالدم، على الاستحباب، لعدم وجوب الهدي في حجّ الافراد.
و صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع ـ المتقدمة في المسألة السابقة ـ المشتملة على قوله: سألت ابا الحسن الرضا (عليه السلام)عن المرأة تدخل مكّة متمتعة،
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح ـ 13.
(الصفحة 407)
فتحيض قبل ان تحلّ، متى تذهب متعتها...(1) و هذه الرواية تدل على مفروغية ذهاب المتعة بعروض الحيض، عند السائل. غاية الامر. ان سؤاله كان عن وقت الذهاب و زمانه، و ترجيح سائر الروايات الواردة في حدّ الضيق على هذه الرواية، من هذه الجهة، لا يقدح في الاستدلال بها، لما نحن فيه من مسألة العدول، كمالا يخفى.
و مفهوم مرسلة ابي بصير، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): المرأة تجيءمتمتّعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت، فيكون طهرها يوم عرفة. فقال: ان كانت تعلم انها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من احرامها و تلحق بالناس فلتفعل.(2) بناء على ان مفهومها العدول، مع عدم العلم المزبور.
و امّا القول الثاني. الذي يقابل المشهور في اصل العدول، فيدل عليه روايات:
منها: صحيحة العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد الله بن صالح، كلّهم يروونه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكّة ثم حاضت، تقيم ما بينها و بين التروية، فان طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصّفا و المروة، ثم خرجت الى منى، فاذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فاذا فعلت ذلك فقد احلّت من كل شيء يحلّ منه المحرم الاّ فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر، حلّ لها فراش زوجها.(3)
و منها: صحيحة عجلان ابي صالح، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام)عن امرأة متمتعة، قدمت مكّة فرأت الدم. قال: تطوف بين الصفا و المروة، ثم تجلس
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح ـ 14.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 4.
- 3 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 1.
(الصفحة 408)
في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت، و ان لم تطهر، فاذا كان يوم التروية افاضت عليها الماء و اهلّت بالحج من بيتها، و خرجت الى منى و قضت المناسك كلّها، فاذاقدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا و المروة، فاذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شيء ما خلا فراش زوجها.(1) و العجب من صاحب الوسائل، حيث اورد هذه الرواية في باب واحد، و جعلها اربع روايات، مع ان الراوي في الجميع هو عجلان، و الراوي عن عجلان، هو درست بن ابي منصور و المروي عنه هو الصادق (عليه السلام)، و قد تبعه الفقهاء المتأخرون عنه. و قد عرفت البحث في مفاد الرواية في المسألة المتقدمة، الواردة في حدّ الضيق، في شرح رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع، التي اشير فيها الى رواية عجلان، و عرفت: انه ليس مفادها العدول الى حج الافراد، كما زعمه الشيخ الطوسي (قدس سره)، بل مفادها اتمام العمرة من دون طواف و قضائه بعد القدوم من منى الى مكّة، و يدل عليه نقل هذه الرواية بطريق اخر، عن عجلان ابي صالح، انه سمع ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلّت قبل ان تطوف، قدمّت السعي و شهدت المناسك، فاذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء، ثمّ احلّت من كل شيء.(2) فانها صريحة في الاتمام و عدم العدول.
و منها: مرسلة يونس بن يعقوب، عن رجل انه سمع ابا عبد الله (عليه السلام) يقول، و سئل عن امرأة متمتعة طمثت قبل ان تطوف، فخرجت مع الناس الى منى: او ليس هي على عمرتها و حجّها، فلتطف طوافا للعمرة و طوافا للحج(3).
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 8.