(الصفحة 409)
و امّا القول الثالث: و هو التخيير بين العدول الى حج الافراد و بين اتمام العمرة و قضاء الطواف: فقد اجاب عنه في العروة بقوله: ان كان المراد منه الواقعي، بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين، ففيه: انهما يعدان من المتعارضين، و العرف لا يفهم التخيير منهما، و الجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين، ذلك، و ان كان المراد التخيير الظاهري العملي، فهو فرع مكافاة الفرقتين، و المفروض ان الفرقة الاولى ارجح، من حيث شهرة العمل بها.
و لكنه ذكر بعض الاعلام، في خصوص ما إذا طرأ الحيض بعد الاحرام: انه يتحقق التعارض بين الطائفتين الواردتين في خصوص هذه الصورة، و القاعدة تقتضي رفع اليد عن ظهور. كل منهما في التعيين، لان الوجوب التعييني لا يستفادمن الظهور اللفظي، بل يستفاد من الاطلاق و عدم ذكر العدل الواجب بحرف «او» و نحو ذلك، فلا بد من رفع اليد عن اطلاق كل منهما في التعيين بصراحة الاخر في الوجوب. و نتيجة ذلك: هي التخيير بين الامرين بمقتضى الجمع العرفي بين الروايات، كما هو الحال في نظائر المقام.
و يرد عليه: اوّلا: انا قد حققنا في المباحث الاصوليّة: ان ما افاده المحقق الخراساني (قدس سره) في الكفاية، من ان مقتضى الاطلاق و مقدمات الحكمة في دوران الامر بين الوجوب التعييني، و التخييري هو الوجوب التعييني، محلّ نظر، بل منع، لانّ كون الوجوب التعييني قسما من مطلق الوجوب و قسيما للوجوب التخييري، يقتضي اعتبار امر زائد على اصل الوجوب و مطلقه فيه، لانه لا يعقل ان يكون القسم عين المقسم. و عليه، فكيف يقتضي الاطلاق الثابت بسبب مقدمات الحكمة، خصوص قسم من المطلق و نوع من الجنس، و من المعلوم: ان كلام بعض الاعلام مبني على ما في الكفاية، فلا يبقى له مجال اصلا.
و ثانيا: ان صحيحة ابن بزيع المتقدمة في مسألة حدّ الضيق، مشتملة على نفي
(الصفحة 410)
رواية عجلان ابي صالح، الدالة على اتمام العمرة و قضاء الطواف، بعد سؤال الرّاوي عنها و ايرادها اعتراضا على الرّضا (عليه السلام)، و مع تعرض الرواية المتأخرة لنفي الرواية المتقدمة، لا يبقى وجه لجعل كل واحدة منها في طرف و ملاحظة الجمع الدلالي بينهما، او اجراء قواعد المتعارضين من المرجحات و غيرها، فان الرواية المتأخرة تكون بمنزلة الدليل الحاكم الناظر الى الدليل المحكوم و المتعرض له، و مع تصريحها بنفي الرواية المقابلة، لا وجه لطرح هذه المباحث.
و لا مجال لتوهم كون المنفي خصوص رواية عجلان، بعد كون النفي راجعا الى مفادها، و هو الاتمام، الذي يدل عليه بعض الروايات الاخر ايضا، ففي الحقيقة يكون المنفي جميع ما يدل على هذا المضمون.
كما ان اشتمال رواية ابن بزيع على كون حدّ الضيق زوال الشمس يوم التروية، و قد رجحنا خلافه، لا يقدح في صحة التمسك به، لنفي ما يدل على الاتمام و عدم العدول.
و عليه، فاللازم مراعاة خصوص ما يدل على العدول الى حجّ الافراد، و لا وجه لملاحظة ما يدل على خلافه، خصوصا مع ان التعبير بذهاب المتعة و السؤال عن وقته، كما في هذه الرواية، و وقوعه في الجواب في بعض الروايات لا يجتمع مع الحكم بالتخيير، لعدم اجتماع الذهاب مع التخيير بوجه. فالانصاف: انّ الالتزام بالتخيير ـ و لو في خصوص ما إذا طرأ الحيض بعد الاحرام ـ لا سبيل اليه اصلا.
و امّا القول الرابع: و هو التفصيل بين الحيض حال الاحرام و الحيض بعده، بالعدول في الاوّل، و الاتمام و قضاء الطواف في الثاني. فقد قال السيد (قدس سره) في العروة في وجهه: «اختاره بعض بدعوى انه مقتضى الجمع بين الطائفتين، بشهادة خبر ابي بصير: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول في المرأة المتمتعة إذا
(الصفحة 411)
احرمت و هي طاهر، ثم حاضت قبل ان تقضي متعتها: سعت و لم تطف حتى تطهر، ثم تقضي طوافها، و قد قضت عمرتها، و ان احرمت و هي حائض، لم تسع و لم تطف حتى تطهر.(1) و في الرضوي: إذا حاضت المرأة من قبل ان تحرم الى قوله (عليه السلام): و ان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها، فتجعلها حجة مفردة، و ان حاضت بعد ما احرمت، سعت بين الصفا و المروة، و فرغت من المناسك كلّها الاّ الطواف بالبيت، فاذا طهرت قضت الطواف بالبيت، و هي متمتعة بالعمرة الى الحج، و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء.
و قيل في توجيه الفرق بين الصورتين: ان في الصورة الاولى لم تدرك شيئا من افعال العمرة طاهرا، فعليها العدول الى الافراد بخلاف الصورة الثانية، فانها ادركت بعض افعالها طاهرا، فتبني عليها و تقضي الطواف بعد الحج، و عن المجلسي (قدس سره) في وجه الفرق ما محصله: ان في الصورة الاولى لا تقدر على نيّة العمرة، لانها تعلم انّها لا تطهر للطواف و ادراك الحج، بخلاف الصورة الثانية، فانها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية و الدخول فيها».
اقول: امّا دعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين، فهي غريبة جدّا، لان كلتا الطائفتين واردتان في الحيض بعد الاحرام، و جعل التفصيل مقتضى الجمع، انما يكون مورده ما إذا كان كلا الدليلين المتقابلين مطلقين، فيجمع بينهما بحمل احدهما على صورة و الاخر على صورة اخرى، و امّا مثل المقام، مما ورد الدليلان المتعارضان في خصوص صورة واحدة، فلا مجال للجمع بينهما بهذا النحو.
و امّا خبر ابي بصير، فمضافا الى ضعف سنده، فهو ايضا لا يكون شاهدا للجمع،
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الرابع و الثمانون ح ـ 5. و فيها بدل: و قد قضت عمرتها: و قد تمت متعتها.
(الصفحة 412)
بل هو من جملة الطائفة الدالة على عدم العدول، و مثله ما عن الفقه الرّضوي.
و أمّا القول الاوّل، في توجيه الفرق، فيرد عليه: ان عدم ادراكها في الصورة الاولى شيئا من افعال العمرة طاهرا، لا يستلزم العدول بعد عدم اشتراط الاحرام بالطهارة و صحة وقوعه من الحائض و شبهها، كما ان ادراكها في الصورة الثانية بعض الافعال طاهرا، لا يستلزم البناء على العمرة، بعد عدم صحة الطواف و صلاته منها، كما لا يخفى.
و أمّا ما عن المجلسي (قدس سره)فيرد عليه: منع عدم القدرة على نيّة العمرة، في الصورة الاولى، لانه يحتمل ان تكون الوظيفة من الاوّل نيّة العمرة و اتمامها بدون الطواف، و قضائه بعد مناسك منى، كما ان وقوع نية العمرة منها، في الصورة الثانية، لا يستلزم امكان اتمامها و صحته مع عدم امكان وقوع الطواف و صلاته منها، فهذا القول مما لا سبيل اليه اصلا.
و امّا القول الخامس: و هي الاستنابة في الطواف و صلاته مطلقا، سواء كان حائضا حال الاحرام او طاهرا، و عرض الحيض بعده: فلم يدل عليه دليل، لكنه يمكن توجيهه بان تعارض الروايات في المقام يوجب تساقطها و خروجها عن الحجيّة رأسا، و حينئذ، فمقتضى كون الوظيفة عمرة التمتع و الطواف قابل للاستنابة، مع عدم امكان صدوره ممّن هو وظيفته، و لذا تستنيب الحائض بعد مناسك منى إذا ضاق الوقت عن الطهر و الاتيان به، لاجل عود الرفقة و عدم امكان البقاء في مكّة لها، هي الاستنابة في عمرة التمتع ايضا.
و يرد عليه: انه لا مجال لدعوى تساقط النصوص و الروايات الواردة في المقام، بل اللازم الاخذ بما يدل على العدول، لما يأتي ان شاء الله تعالى و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا: ان الروايات الواردة في المقام على اربعة اقسام:
القسم الاوّل: ما يدل على العدول الى حج الافراد مطلقا، من دون فرق بين
(الصفحة 413)
صورتي الاحرام حال الحيض و الحيض بعد الاحرام، كصحيحة جميل بن دراج المتقدمة.
الثاني: ما ورد في الحيض بعد الاحرام، و يدلّ على العدول الى حجّ الافراد، كموثقة اسحق بن عمار و صحيحة ابن بزيع المتقدمتين.
الثالث: ما ورد في هذه الصورة، و يدل على اتمام العمرة و قضاء طوافها بعد مناسك منى، كرواية عجلان ابي صالح و غيرها.
الرّابع: ما يدل على التفصيل بين الصورتين، و العدول في الحيض حال الاحرام و الاتمام في الحيض بعده، كخبر ابي بصير.
و امّا ما ورد في قصة اسماء بنت عميس، فقد عرفت عدم ارتباطه بالمقام، لان الكلام فيمن وظيفته حج التمتع، و قد كانت مشروعيته في حجة الوداع بعد قدوم النبي (صلى الله عليه وآله) مكّة المكرمة، فلم يكن في البين عدول عن التمتع الى غيره، كما هو واضح.
ثم ان خبر ابي بصير، مضافا الى ضعف سنده، يكون صدره مطابقا للقسم الاول و ذيله مطابقا للقسم الثالث، و قد عرفت: انه لا يكون شاهدا للجمع بوجه.
و عليه، فالعمدة في المقام ملاحظة القسمين المتوسطين، و لا مجال للجمع الدّلالي بينهما بالتخيير او غيره، بعد كون عنوان الاختلاف و التعارض الواقع في موضوع الاخبار العلاجية يكون كسائر العناوين الواقعة في ألسنة الادلة الشرعية، التي يجب الرجوع فيها الى العرف و استفهام مفادها منه، و من الواضح ثبوت التعارض بين هذين القسمين عند العرف، ضرورة ثبوت الاختلاف بين ما يدل على لزوم العدول و بين ما يدل على لزوم اتمام العمرة، بالنحو الذي ذكرنا.
و حينئذ، ان قلنا بما تقدم، من: انّ تعرض صحيحة ابن بزيع المتأخرة عن رواية عجلان لنفيها، و التصريح بعدم كونها الحكم الواقعي، امّا لعدم الصدور و امّا لكون صدورها لغرض اخر غير بيان الحكم الواقعي، يخرج الروايتين عن