(الصفحة 414)
عنوان المتعارضين الواقع موضوعا للاخبار العلاجية، بل الرواية المتأخرة ـ النافية للرواية المتقدمة ـ هي المعتبرة فقط، شبيه الدليل الحاكم، فاللاّزم الاخذ بما يدلّ على العدول، المعبّر عنه في نفس الرواية بذهاب المتعة.
و ان لم نقل بذلك، بل قلنا بثبوت التعارض، و كون المورد من موارد الاخبار العلاجية، فمقتضى كون اوّل المرجحات، هي الشهرة الفتوائية على ما استظهرناه، من مقبولة ابن حنظلة المعروفة، الاخذ بما يدل على العدول ايضا، لان المشهور شهرة عظيمة، كما عرفت من الجواهر، هو العدول بنحو الاطلاق.
و حينئذ فالحقّ مع المشهور، كما في المتن و العروة.
«تتمة»
قد وقع التعرض في العروة لفرع لم يتعرض له الماتن (قدس سره)، و حيث انه من المسائل التي يكثر الابتلاء بها، ينبغي البحث فيه، فنقول: قال فيها: «إذا حدث الحيض و هي في اثناء طواف عمرة التمتع، فان كان قبل اتمام اربعة اشواط بطل طوافها على الاقوى، و حينئذ فان كان الوقت موسّعا اتمّت عمرتها بعد الطهر، و الافتعدل الى حج الافراد و تأتي بعمرة مفردة بعده، و ان كان بعد تمام اربعة اشواط فتقطع الطواف، و بعد الطّهر تأتي بالثلاثة الاخرى، و تسعى و تقصر مع سعة الوقت، و مع ضيقه تأتي بالسعي و تقصر ثم تحرم للحج، و تأتي بافعاله، ثم تقضي بقية طوافها قبل طواف الحج او بعده، ثم تأتي ببقية اعمال الحج، و حجها صحيح تمتعا، و كذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف و قبل صلاته» و يظهر من الماتن (قدس سره)الموافقة له، حيث انه لم يخالف العروة في التعليقة عليها.
و التحقيق: ان لهذا الفرع صورا متعددة، لا بد من التعرض لكل واحدة منهامستقلا:
(الصفحة 415)
الاولى: ان يحدث الحيض قبل اتمام اربعة اشواط مع سعة الوقت للاستيناف و اتمام عمرة التمتع، و المشهور فيها البطلان، لكن المحكي عن الصّدوق: الصحة و جواز اتمام الطواف بعد الطهر و الاغتسال، لانه بعد ايراده رواية حريز عن محمد بن مسلم الآتية، الدالة على ذلك، قال: و بهذا الحديث افتى دون غيره، و عللّ بان فيه رخصة و رحمة، و اسناده متصل.
و قد استدل للمشهور بروايات:
منها: ما رواه الصدوق باسناده عن ابن مسكان عن ابراهيم بن اسحاق، عمّن سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت اربعة اشواط، و هي معتمرة ثم طمثت. قال: تمّ طوافها و ليس عليها غيره، و متعتها تامّة، و لها ان تطوف بين الصفا و المروة، لانّها زادت على النصف و قد قضت متعتها، فلتستأنف بعد الحج، و ان هي لم تطف الاّ ثلاثة اشواط فلتستأنف الحج، فان اقام بها جمالها بعد الحج، فلتخرج الى الجعرانة او الى التنعيم فلتعتمر.(1) و رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن ابراهيم بن ابي اسحاق عن سعيد الاعرج، قال: سئل ابو عبد الله (عليه السلام) الى قوله: و لتستأنف بعد الحج.(2) و اورد على الطريق الاوّل بالارسال، و على الطريق الثاني بضعف محمد بن سنان، و على الطّريقين بتردد ابراهيم بين الضعيف و المجهول. و لكن الظاهر عدمورود الايراد بالارسال، لان ابراهيم انما ينقله عمّن سأله (عليه السلام) جزما، و من الظاهر وجود الفرق بين ان يروي عمن يقول: سألته (عليه السلام) و بين ان يروي عمّن سأله (عليه السلام)،
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح ـ 4.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب السادس و الثمانون ح ـ 1.
(الصفحة 416)
الظاهر في ثبوت السؤال و الجواب جزما عند الرّاوي، و الاّ يلزم الارسال في الثاني ايضا، لعدم معلومية السائل، فتدبّر.
و امّا الدلالة: فالمراد من قوله (عليه السلام): تمّ طوافها. هي تمامية اربعة اشواطه، التي طافتها، لا تمامية الطواف بجميع اشواطه. و المراد من قوله: ليس عليها غيره، اي غير ما بقي من الطواف، و قوله: فلتستأنف بعد الحج. يجري فيه احتمالان: احدهما: ان يكون المراد قضاء ما بقي من الطواف، بان تكون كلمة «بعد» مضافة الى الحج. و ثانيهما: ان يكون المراد الشروع في الحج بعد تمامية العمرة، و يكون الحج مفعولا، و كلمة «بعد» مضمومة، غير مضافة الى الحج.
و كيف كان، فموردها صورة عدم سعة الوقت لاتمام الطواف قبل الشروع في الحج، كما ان مورد صورة الطواف ثلاثة اشواط، عدم السّعة، خصوصا مع الامر بالعمرة المفردة بعده، فيما إذا قام بها جمالها بعد الحج، و من هنا يستشكل في الاستدلال بالرواية لصورة سعة الوقت، التي هي محلّ البحث فعلا، لان البطلان مع الضيق لا يستلزم البطلان مع السعة، كما هو المدعى.
و منها: ما رواه الشيخ باسناده، عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان، عن ابي اسحق صاحب اللؤلوء، قال: حدثني من سمع ابا عبد الله (عليه السلام) يقول في المرأة المتمتعة: إذا طافت بالبيت اربعة اشواط ثم حاضت فمتعتها تامّة، و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة، و تخرج الى منى قبل ان تطوف الطواف الاخر(1).
قال في الوسائل، بعد نقلها عن الشيخ: و رواه الكليني عن ابي علي الاشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان، عن اسحاق بيّاع اللّولوء، نحوه، الى قوله: فمتعتها تامّة.
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب السادس و الثمانون ح ـ 2.
(الصفحة 417)
و الظاهر ان المراد من الطواف الاخر، هي بقية الاشواط التي منع الحيض من الاتيان بها. و يرد على الاستدلال بها، مضافا الى ما ذكرنا، من: ان موردها صورة الضيق، و الكلام فعلا في صورة السعة: ان دلالتها انّما هي بالمفهوم، لعدم التعرض لما إذا طافت اقلّ من اربعة اشواط.
ثم انه يغلب على الظن اتّحاد جميع هذه الرّوايات، و ان وقع التعبير في احداهابابراهيم بن اسحق، و في الثانية بابراهيم بن ابي اسحق، و في الثالثة بابي اسحق صاحب اللؤلوء، و في الرابعة باسحاق بيّاع اللؤلؤ، لرواية ابن مسكان عنه، و كون الجميع حاكيا لجوابه (عليه السلام)، و ان الحاكي له غير مشخص، و اختلاف العناوين انما يكون ناشيا عن اختلاف الناسخين او الرواة في مقام التعبير، و عليه، فالظاهر انه لا يكون في هذه القضية الارواية واحدة، و ان لم يقع التعرض للطواف ثلاثة اشواط، الذي هو محل الكلام، الاّ في بعض الروايات، و هي الرواية الاولى فقطّ، لكن الامر سهل بعد عدم صحة الاستدلال بها لهذه الصورة، التي هي محلّ البحث فعلا.
و منها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن عليّ بن الحسن عن عليّ بن ابي حمزة و محمد بن زياد عن ابي بصير، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت او بين الصفا و المروة فجاوزت النصف، فعلمت ذلك الموضع، فاذا طهرت رجعت فاتمّت بقيّة طوافهامن الموضع الذي علمته، فان هي قطعت طوافها في اقلّ من النصف، فعليها ان تستأنف الطواف من اوّله.(1) و سلمة بن الخطاب قد ضعفه النجاشي.
و منها: مرسلة احمد بن عمر الحلال، عن ابي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح ـ 1.
(الصفحة 418)
عن المرأة طافت خمسة اشواط ثم اعتلّت، قال: إذا حاضت امرأة و هي في الطواف بالبيت او بالصفا و المروة، و جاوزت النصف، علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فاذا هي قطعت طوافها في اقلّ من النصف، فعليها ان تستأنف الطواف من اوّله.(1) و ضعف السندين مجبور باستناد المشهور اليهما، كما ان اشتمالهما على بطلان السعي مع حدوث الحيض في اقلّ من النصف، و على اشتراط صحة الاتمام في غيره بالطهارة، مع ان السعي لا يشترط فيه الطهارة بوجه، لا يقدح في الاستدلال بهما لحكم الطواف بالبيت، كما لا يخفى، فالرّوايتان دليلان على البطلان، كما ذهب اليه المشهور.
لكن في مقابلهما صحيحة محمد بن مسلم، التي رواها الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمان عن حمّاد بن عيسى عن حريز عنه، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن امراة طافت ثلاثة اشواط او اقل من ذلك، ثم رأت دما.
قال: تحفظ مكانها، فاذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى.(2) و لكن مقتضى ما ذكرناه، من: ان اوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية، ترجيح الاوليين على الاخيرة، و الفتوى على طبقهما، لوجود المعارضة و عدم وجودالجمع الدلالى في البين.
و لكنّه افاد بعض الاعلام: ان هذه الرواية، و ان كانت صحيحة، الاّ انها لم ترد في طواف الفريضة، و انما هي مطلقة، فترفع اليد عن اطلاقها و تحمل على النافلة.
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الخامس و الثمانون ح ـ 3.