(الصفحة 433)
بثبوت الكفارة في هذه الرواية يدل على صحة المتعة و تماميتها، فلا اشكال من هذه الجهة.
و امّا من الجهة الثانية: فموضع خلاف، فالمحكي عن سلار و ابن ادريسو القواعد: عدم ثبوت الكفارة بوجه، لكن عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة: الثبوت، و العمل على طبق الرواية الاخيرة، و لكن قال في الوسائل بعد نقلها: حمله جماعة من الاصحاب على الاستحباب، لما سبق ـ يعني صحيحة معاوية بن عمّار ـ و لما يأتي، من: ان الناسي في غير الصيد ليس عليه كفارة.
أقول: ان كان المراد من قوله (عليه السلام): لا شيء عليه، هو نفي العقاب، بقرينة المسبوقية بلزوم لاستغفار. فالصحيحة الدالة على الكفارة لا معارض لها اصلا، و ان كان المراد هو الاعم من العقاب الاخروي و الدنيوي، الذي هو الكفارة، فغايته الدلالة بنحو العموم، و الصحيحة الدالة على الكفارة مخصصة لها، و لا تعارض بين العام و الخاص بوجه، و لا وجه للحمل على الاستحباب بعد كون التعبير بكلمة «على» التي لا تلائم الاستحباب اصلا، فالظاهر انه لا محيص عن الحكم بثبوت الكفارة.
و امّا الصورة الثانية: فالمنسوب في محكي الدروس الى المشهور: بطلان متعتهو صيرورة حجته مبتولة، نظرا الى دلالة بعض الروايات عليه، و ان كان ذلك على خلاف القاعدة، كما تأتي الاشارة اليه، و هي صحيحة ابي بصير، عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبىّ بالحج قبل ان يقصّر، فليس له ان يقصّر، و ليس عليه متعة.(1) و ظاهرها ان موردها صورة العمد.
و رواية العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم اهلّ بالحج
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 5.
(الصفحة 434)
قبل ان يقصّر. قال: بطلت متعته، هي حجّة مبتولة.(1) لكنها ضعيفة بمحمد بن سنان.
لكن المحكي عن ابن ادريس: بطلان الحج، لانه لم يتحلّل من عمرته، و الاجماع قائم على عدم جواز ادخال الحج على العمرة قبل اتمام مناسكها، التي من جملتها التقصير، فهو حج منهى عنه، و يكون فاسدا، خصوصا مع انه نوى التمتع به دون الافراد.
و لازم كلامه: انه إذا كان في سعة الوقت يجب عليه التقصير، ليخرج من احرام العمرة ثم يهلّ للحج ثانيا، و إذا كان في الضيق، بحيث لا يدرك الوقوف مع الاحرام للحج بعد التقصير، تكون عمرته باطلة، لعدم امكان وقوعها بعنوان عمرة التمتع، بعد لزوم كون عمرته و حجّه واقعين في عام واحد، فترك التقصير عمدا يوجب البطلان في هذه الصورة.
لكن كلامه مبني على القاعدة، و لا يبقى لها مجال بعد دلالة الرواية الصحيحة على خلافها، خصوصا مع فتوى المشهور على طبقها، و لا اعتراض على ابن ادريس على مبناه، و هو عدم حجية خبر الواحد و لو كان صحيحا، انما الاعتراض على من وافقه في المقام مع مخالفته له في المبنى، كالعلامة و الشهيد على ما حكى عنهما.
ثم انّ الظاهر ان صيرورة حجته مبتولة ـ اي مفردة ـ انّما ترجع الى صحة حجّهو عدم بطلانه، و امّا كفايته عن التمتع إذا كان واجبا عليه، فلا دليل عليه، بل مقتضى القاعدة العدم، كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في المقام الاوّل.
المقام الثاني: في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع، و وجوبه في العمرة المفردة: و قد
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 4.
(الصفحة 435)
مرّ البحث في الاوّل في ذيل صورة حج التمتع بنحو الاجمال، و اللازم هنا البحث في الثاني، فنقول: المشهور بين الاصحاب هو الوجوب، و حكي عن ظاهر العماني الخلاف. و يدل على الوجوب روايات متعددة:
منها: صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب ابو القاسم مخلّد بن موسى الرّازي الى الرّجل يسأله عن العمرة المبتولة: هل على صاحبها طواف النّساء، و العمرة التي يتمتع بها الى الحج؟ فكتب: امّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و امّا التي يتمتع بها الى الحج، فليس على صاحبها طواف النساء.(1)
و منها: ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد عن عمر او غيره، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، قال: و لا بد له بعد الحلق من طواف اخر.(2) و ظاهر ان المراد بالطواف الاخر هو طواف النساء، كما ان الظاهر من اطلاق «المعتمر» هو من يريد العمرة المفردة، مع ان قوله: يحلق. ايضا قرينة عليه لتعين التقصير في عمرة التمتع، لكن الاشكال في سند الرّواية.
و منها: رواية ابراهيم بن ابي البلاد الصحيحة، التي نقلها في الوسائل عن الشيخ (قدس سره) بنحو الاختصار، و لكن الموجود في التهذيب، كما حكاه في حاشية الوسائل ـ المطبوعة طباعة حديثة ـ هكذا: قال: قلت لابراهيم بن عبد الحميد ـ و قدهيّأنا نحوا من ثلاثين مسألة نبعث بها الى ابي الحسن موسى (عليه السلام)ادخل لي في هذه المسألة و لا تسمني له، سله عن العمرة المفردة، على صاحبها طواف النساء؟ فقال: فجاءه الجواب في المسائل كلها، غيرها، فقلت له: اعدها في مسائل اخر، فجاءه الجواب فيها كلّها غير مسألتي، فقلت لابراهيم بن عبد الحميد:
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 2.
(الصفحة 436)
ان هاهنا (هذا خ ل) لشيئا!افرد المسألة باسمي، فقد عرفت مقامي بحوائجك.
فكتب بها اليه، فجاء الجواب: نعم، هو واجب لا بدّ منه. فلقي ابراهيم بن عبد الحميد اسماعيل بن حميد الارزق و معه المسألة و الجواب، فقال: لقد فتق عليكم ابراهيم بن ابي البلاد فتقا، و هذه مسألته و الجواب عنها، فدخل عليه اسماعيل بن حميد فسأله عنها، فقال: نعم، هو واجب. فلقي اسماعيل بن حميد بشر بن اسماعيل بن عمّار الصيرفي فاخبره، فدخل فسأله عنها. فقال: نعم، هو واجب.(1) و الرواية ظاهرة في شدة التقية في هذه الجهة.
و منها: رواية اسماعيل بن رياح، قال سألت ابا الحسن (عليه السلام)عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء قال: نعم.(2) و في مقابلها ـ ايضا ـ روايات متعددة.
منها: رواية ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العمرة المبتولة يطوف بالبيت و بالصفا و المروة ثم يحلّ، فان شاء ان يرتحل من ساعته ارتحل.(3) و فيها، مضافا الى ضعف السند بمحمد بن سنان، انه يمكن ان يكون المراد ما يقابل الحج المشتمل على اعمال كثيرة و مناسك متعددة، لا ان يكون المراد عدم وجوب طواف النساء فيها، و يؤيده عدم التعرض للتقصير و الحلق ايضا، فتدبّر.
و منها: صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأله ابو حارث عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انما طواف النساء بعد الرجوع من منى.(4) لكن الظاهر ان الحصر فيها اضافي في مقابل عمرة
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 5.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 8.
- 3 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 4.
- 4 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 6.
(الصفحة 437)
التمتع، و لا يشمل العمرة المفردة.
و منها: رواية ابي خالد، مولى علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء.(1) و لكن الظاهر انه لم يوثق ابو خالد.
و منها: موقوفة يونس، رواها، قال: ليس طواف النساء الاّ على الحاج.(2) و فيها، مضافا الى ضعف السند، انه يمكن ان يكون الحصر فيها ـ ايضا ـ اضافيّا.
ثمّ انه لو فرض وقوع التعارض بين الطائفتين يكون الترجيح مع الاولى، لموافقتها للشهرة الفتوائية، التي هي اوّل المرجحات، فلا محيص عن الحكم بوجوب طواف النساء في العمرة المفردة، كما في الحج.
المقام الثالث: في الفرق بين العمرتين من جهة الميقات.
فنقول: لا اشكال في ان عمرة التمتع ميقاتها احد المواقيت الخمسة المعروفة اوما بحكمها، من المحاذات ـ على ما سيأتي البحث فيها ـ و يدل على ذلك، مضافا الى الروايات المتعددة المتكثرة، ما تقدم، من: انّ حج التمتع فرض النائي و الافاقي، الذي يكون الميقات واقعا في مسيره الى مكّة، بضميمة انه لا يجوز الدخول في مكة بغير احرام، و لا يجوز المرور على الميقات لمن يكون قاصدا لدخول مكة من دون احرام. و من الواضح: انّ اعمال العمرة بعد الاحرام لا بد و ان تقع في مكة في المسجد و المسعى او غيرهما. و عليه، فيستفاد من جميع ذلك ـ مع ملاحظة تقدم
- 1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 9.
- 2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 10.