(الصفحة 438)
عمرة التمتع على حجه ـ لزوم الاحرام لها من احد المواقيت، لكن هذا الدليل انمايجري فيمن تكون وظيفته بعنوان حجة الاسلام هو حج التمتع، و امّا من اراد الاتيان به بعنوان الاستحباب، كالمكي الذي اراد ان يحج تمتعا كذلك، فالدليل لا يقتضي اعتبار كون احرامه من احد المواقيت المعهودة الاّ ان يستند في حكمه الى عدم القول بالفصل، فتدبر. و سيأتي البحث في ذلك تفصيلا ان شاء الله تعالى.
و امّا العمرة المفردة: فقد ذكر السيد (قدس سره) في العروة: انّ ادنى الحلّ ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران او الافراد، ثم قال: بل لكلّ عمرة مفردة. و مقتضى عمومه، كاطلاق المتن: ان ادنى الحل، ميقات العمرة المفردة في جميع الموارد، من دون فرق بين ما إذا كان قبلها حج القران او الافراد، و بين ما إذا لم يكن كذلك، و من دون فرق بين المكي و غيره، و من دون فرق في الافاقي بين ما إذا كان مريدا للعمرة من اوّل الامر، و ما إذا لم يكن كذلك.
و لكنه ذكر في المسألة السّادسة: ان ميقات عمرتهما ـ يعني القران و الافراد ـ ادنى الحلّ إذا كان في مكة، قال: و يجوز من احد المواقيت ايضا، و إذا لم يكن في مكة فيتعين احدها ـ يعني المواقيت المعهودة ـ و كذا الحكم في العمرة المفردة، مستحبة كانت او واجبة.
فالمستفاد منه: انه إذا لم يكن في مكة يجب ان تكون العمرة المفردة من تلك المواقيت، و مقتضاه عدم كفاية الاحرام من ادنى الحلّ.
و كيف كان، فالظاهر انه لا خلاف في كون ادنى الحلّ ميقاتا للعمرة المفردة، إذا كانت مسبوقة بحج القران او الافراد، كما انه لا اشكال في كونه ميقاتا لها، بالاضافة الى من كان في مكة، سواء كان من اهلها او مقيما فيها او غيرهما، فالكلام يقع في النائي الخارج عن مكة إذا قصد الاتيان بالعمرة المفردة، و ان
(الصفحة 439)
ميقاتها بالاضافة اليه، هل هو ادني الحل او احد المواقيت المعهودة؟ و المراد بادنى الحلّ هو المحلّ الخارج عن الحرم المتصل به، بحيث لم يكن بينهمافصل، و هو متحقق في جميع الجوانب الاربعة لمكّة، لكن الافضل الحديبية او الجعرانة او التنعيم، لانها منصوصة، و بينها اختلاف في القرب و البعد، فان الحديبية ـ بالتخفيف او التشديد ـ: بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة، ثم اطلق على الموضع، و يقال: نصفه في الحلّ و نصفه في الحرم، و الجعرانة ـ بكسر الجيمو تشديد الراء او بكسر الجيم و سكون العين و تخفيف الراء ـ: موضع بين مكة و الطائف على سبعة اميال، و التنعيم: موضع قريب من مكة، و هو اقرب اطراف الحلّ الى مكّة، و يقال: بينه و بين مكة اربعة اميال، و يعرف بمسجد عائشة، كمافي مجمع البحرين.
اقول: التنعيم في زماننا هذا واقع في مكة، بلحاظ سعتها العظيمة التي طرأت عليها مؤخرا و لا يكون خارجا عنها، لكنه من الواضح: ان عنوان الحرم غير عنوان مكّة.
و كيف كان، فالروايات الواردة في هذا الحكم متعددة: منها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: تمضي كما هي الى عرفات، فتجعلهاحجّة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة، قال ابن ابي عمير: كما صنعت عائشة.(1) و الظاهر ان ذكر التنعيم ليس لاجل اختصاص الحكم به، بل لاجل كونه اقرب الاماكن من حدود الحرم، فلا دلالة للرواية على الاختصاص. نعم،
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح ـ 2.
(الصفحة 440)
لا مجال للاستدلال بها على كون ميقات العمرة المفردة هو ادنى الحل مطلقا، لان موردها المسبوقية بحج الافراد، و ان كان متحققا بالعدول عن التمتع اليه لاجل الحيض و ضيق الوقت، و التشبيه بفعل عائشة، كما في كلام ابن ابي عمير، انّما هوفي الاتيان بالعمرة بعد حج الافراد لا في العدول، لعدم تحقق العدول، بالاضافة اليها، كما مرّ.
و منها: صحيحة عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: من ارادان يخرج من مكّة ليعتمر احرم من الجعرانة او الحديبيّة او ما اشبهها (اشبههما ظ).(1) و مفاد هذه الرواية اوسع من الرواية المتقدمة، لانه ـ مضافا الى التصريح بالموضعين ـ عمم الحكم لكل ما اشبههما، مثل التنعيم و غيره و يكون موردها مطلق من اراد ان يخرج من مكة للاعتمار، الذي يكون اطلاقه ظاهرا في العمرة المفردة، و لا يشمل عمرة التمتع من دون فرق بين ان تكون العمرة مسبوقة بحج القران او الافراد، و ما لا تكون كذلك، كما ان مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين من كان متوطنا في مكة او مقيما و مجاورا فيها او افاقيّا، اراد الخروج من مكة للاعتمار، كما إذا حج متمتعا ثم اراد الاتيان بالعمرة المفرده، و امّا من كان خارجا عن مكّة، كالافاقي الذي يريد العمرة المفردة و لا يمرّ على شيء من المواقيت، كالايرانين الذين يدخلون جدّة ابتداء ـ في زماننا الحاضر ـ فلا دلالة للرواية على جواز احرامه للعمرة المفردة من ادنى الحلّ.
و منها: مرسلة الصّدوق، قال: و ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعتمر ثلاث عمرمتفرقات، كلّها في ذي القعدة، عمرة اهل فيها من عسفان، و هي عمرة الحديبيّة،
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح ـ 1.
(الصفحة 441)
و عمرة القضاء، احرم فيها من الجحفة، و عمرة اهلّ فيها من الجعرانة، و هي بعد ان رجع من الطائف من غزاة حنين.(1)و هذه الرواية و ان كانت مرسلة، لكنّا قد اشرنا مرارا الى حجيّة هذا النحو من المرسلات، و مع ذلك فقد رواها الكليني مسندة عن معاوية بن عمّار ـ مع اختلاف يسير ـ عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث عمر متفرقات، عمرة ذي القعدة، اهلّ من عسفان، و هي عمرة الحديبيّة، و عمرة اهل من الجحفة و هي عمرة القضاءه، و عمرة من الجعرانة، بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين.(2) و هنا بعض الروايات الاخر، الدالة على انه (صلى الله عليه وآله) اعتمر ثلاث عمر من دون التعرض لموضع احرامه في الاوليين، كصحيحة ابان، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمرة الحديبية، و قضى الحديبيّة من قابل، و من الجعرانة، حين اقبل من الطائف، ثلاث عمر، كلهنّ في ذي القعدة.(3) و البحث في هذه الروايات المتعرضة لاعتمار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد وضوح كون المراد من جميعها، هو الاعتمار بعد الهجرة من مكة الى المدينة و في زمنها، بداهة ان اعتماره (صلى الله عليه وآله) حين اقامته في مكة كان كثيرا جدا، على ما هو مقتضى القاعدة، و استحباب العمرة المفردة في كل شهر، كما تقدم البحث فيه: يقع تارة: من جهة عددها، و اخرى: في المراد منها، و ثالثة: في الاشكال عليها، و انه يمكن الجواب عنه ام لا؟ و رابعة: فيما يمكن ان يستفاد منها و يستدل بها عليه، فنقول:
امّا من الجهة الاولى: فقد روى الصدوق في الفقيه ايضا: انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الثاني ح ـ 2.
- 3 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الثاني ح ـ 3.
(الصفحة 442)
اعتمر تسع عمر، و لكن المذكور في شرح الفقيه للمولى المجلسي الاوّل (قدس سره) انه من سهو النساخ، ثم قال: «و ان احتمل ان يأول هذا الخبر ـ يعني ما يدل على الثلاث ـ و غيره من الاخبار: بان العمرة التي وقعت في ذي القعدة كانت ثلاث، لكن خبر التسع لم يوجد الاّ في هذا الكتاب، و السّهو و التصحيف فيه غير عزيز».
و عليه، فالظاهر انّها كانت ثلاث، و التأويل المذكور لا يلائم ظاهر الروايات المتقدمة، كما لا يخفى.
و امّا من الجهة الثانية: فالمراد بعمرة الحديبية، هي العمرة التي اعتمر لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و جمع كثير من اصحابه، و لكنّهم لما وصلوا الى الحديبية منعهم المشركون من الدخول الى مكّة لقضاء مناسكها، و وقع بينهم عقد الصلح، الذي اشتهر بصلح الحديبية، و من جملة موادّها: ان يرجعوا الى المدينة و يعتمروا في السنّة اللاحقة، و لا يبقوا في مكة ازيد من ثلاثة ايام، فرجعوا الى المدينة من دون ان يدخلوا مكة و يتمّوا العمرة، و في بعض الروايات: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين صدّ بالحديبية، قصّر و احلّ و نحر ثم انصرف منها. ثم انه في السنة التالية اعتمر رسول الله و جماعة من اصحابه، و دخلوا مكّة و لم يبقوا فيها ازيد من ثلاثة ايام، و اشتهرت هذه العمرة بعمرة القضاء، لكونها قضاء عما فات في السنة السّابقة، ثم انه وقع فتح مكّة في السنّة الثامنة، في شهر رمضان، ثم بعد فتح مكّة وقعت غزوة حنين ـ و هو واد بين مكّة و الطائف ـ و بعد غلبة النبي (صلى الله عليه وآله)فيها و الرجوع عنه، احرم من الجعرانة فدخل مكة معتمرا، بعد ان لم يكن محرما اثناء فتح مكة لدخولها، لكون مثله من الموارد، التي يجوز الدخول بمكة من غير احرام.
و امّا الحج فلم يتحقق من النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الهجرة الاّ مرة واحدة، و هي حجة الوداع، و قد ظهر مما تقدم ان حجه (صلى الله عليه وآله) كان حج القران، لاشتماله على سوق الهدي، كما انه مرّ: ان التمتع صار مشروعا بعد قدوم النبي (صلى الله عليه وآله) مكّة في