(الصفحة 47)
ابي عمير كمسانيده، لانه لا يروي و لا يرسل الاّ عن ثقة، ممّا لم يثبت، و كون الرجل من اصحاب الاجماع، لا يرجع الاّ الى مجرّد الاجماع على وثاقته لا وثاقة من يروي عنه ايضا.
و امّا الدلالة، فظاهرها اجزاء حجة النائب التي اتى بها قبل النيابة لنفسه عن المنوب عنه، و كفايتها في فراغ ذمّته، و امّا في صورة عدم تحقق الحج منه قبلا، فمجرد كتابة ثواب الحج لصاحب المال، اي المنوب عنه، لا دلالة له على الاجزاء، فان ثبوت الثواب امر و فراغ الذمة امر اخر. و امّا الاستشكال في دلالتها، كما عن بعض الاعلام، بان ظاهرها كون المنوب عنه رجلا حيّا، و هو لا يجتمع مع كون الحج حجة الاسلام، لانه لا يجوز للحيّ الاستنابة فيها الاّ مع الهرم او المرض الذي لا يرجى زواله. فيدفعه: ان ثبوت مورد للجواز لاستنابة الحيّ يكفي في عدم اختصاص الرواية بغير حجة الاسلام، كما هو ظاهر.
و منها: مرسلة الصدوق، قال: قيل لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا. فقال: اجزأت عن الميت، و ان كان له عند الله حجّة اثبتت لصاحبه.(1) و قد مرّ غير مرّة ان هذا النحو من الارسال، الذي يسند القول الى الامام (عليه السلام) دون الرواية بمثل «روى» يكون حجة، بل لعلّه يكون اولى من الرواية المسندة التي تكون رواتها ثقة، لان الاسناد الى الامام (عليه السلام) مع ثبوت الواسطة، بل الوسائط لا يقع الاّ مع الاطمينان و الوثوق الكامل بالصدور، كما نراه في تعابيرنا و استعمالاتنا. و امّا الدلالة: فالظاهر تماميتها و ثبوت الاجزاء عن المنوب عنه مطلقا، من دون فرق بين ما إذا اتى النائب بحجة لنفسه قبل النيابة، و ما إذا لم يأت بها، غاية الامر، انه في صورة
- 1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح ـ 2.
(الصفحة 48)
الاتيان اثبتت تلك الحجة للمنوب عنه، صاحب المال.
و منها: موثقة عمار بن موسى عن ابي عبد الله (عليه السلام)، عن رجل اخذ دراهم رجل (ليحج عنه ـ في التهذيب المطبوع) فانفقها، فلمّا حضر اوان الحج لم يقدر الرجل على شيء. قال: يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن، سئل ان لم يقدر؟ قال: ان كانت له عند الله حجة اخذها عنه فجعلها للذي اخذ منه الحجة.(1) و دلالتها على الاجزاء في صورة ما كان له عند الله حجة ظاهرة، و لم يقع فيها التعرض لغير هذه الصورة، بل يمكن ان يقال بدلالتها على عدم الاجزاء، كمالا يخفى.
هذا، و لكن في مقابلها روايات ظاهرة في عدم الاجزاء قبل شروع النائب في الحج، و لو بقطع بعض الطريق، مثل: موثقة اسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطي رجل دراهم يحجّ بها عنه فيموت قبل ان يحج، ثم اعطى الدراهم غيره. فقال: ان مات في الطريق او بمكة قبل ان يقضي مناسكه فانه يجزي عن الاوّل، قلت: فان ابتلي بشيء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل، أيجزي عن الاوّل؟ قال: نعم. قلت: لان الاجير ضامن للحج، قال: نعم.(2) فان تعليق الاجزاء عن الميت على موت النائب في الطريق او بمكة، ظاهر في عدم الاجزاء بمجرد الاستنابة و لو مع اخذ مال الاجارة او الجعالة. و امّا قول السائل: لان الاجير ضامن للحج الذي قرّره الامام (عليه السلام)، فيحتمل فيه في نفسه وجوه ثلاثة:
- 1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الثالث و العشرون ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 1.
(الصفحة 49)
احدها: ان يكون المراد من ضمان الاجير انتقال ذمة المنوب عنه الى النائب، و ثبوت الحج في ذمته بعد ما كان في ذمة المنوب عنه.
ثانيها: ان يكون المراد هو الضمان الحاصل بمقتضى عقد الاجارة، و مرجعه الى اشتغال ذمة الاجير بالعمل من دون ان يكون هناك انتقال، كما في الضمان في الموثقة المتقدمة.
ثالثها: ان يكون المراد هو الضمان للحج من قابل، لاجل افساده للحج في العام الاوّل، كثبوت الكفارة عليه إذا اتى بموجبها. و حمله على الوجه الاوّل ينافي صدر الرواية الظاهر في التعليق المذكور، فلا بد ان يكون المراد احد الاخيرين، و الظاهر هو الوجه الاخير، كما لا يخفى.
و مرسلة الحسين بن عثمان، عمن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام)في رجل اعطى رجلا ما يحجّه فحدث بالرجل حدث، فقال: ان كان خرج فاصابه في بعض الطريق فقد اجزأت عن الاوّل، و الاّ فلا.(1) و مرسلة الحسين بن يحيى (عثمان) عمّن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام)، في رجل اعطى رجلا مالا يحج عنه فمات. قال: فان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزي عنه، و ان مات في الطريق فقد اجزأ عنه.(2) و لو كان الراوي هوالحسين بن عثمان، لا تكون هذه رواية اخرى، بل تكون متحدة مع الرواية السابقة، و ان جعلهما في الوسائل متعددا.
هذا، و مقتضى القاعدة بعد تعارض الطائفتين و تمامية دلالتهما و سندهما في الجملة ترجيح الطائفة الثانية، لموافقتها للشهرة الفتوائية المحقّقة، و هي اوّل
- 1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 4.
(الصفحة 50)
المرجحات، كما حققناه في محلّه.
و على ما ذكرنا لا تصل النوبة الى ما قيل، من: انّ اعراض المشهور عن الطائفة الاولى يوجب القدح فيها و سقوطها عن الحجيّة و الاعتبار، كما لا يخفي.
الثاني: موت النائب بعد الشروع في السّفر و طىّ بعض الطريق، و فيه صور: الاولى: موته بعد الاحرام و دخول الحرم، و الحكم فيه: الاجزاء عن المنوب عنه اجماعا، كما في الجواهر و المستند، و قد عرفت: ثبوت الاجزاء في الحاجّ عن نفسه إذا استقر عليه الحج و مات بعد الاحرام و دخول الحرم، لدلالة الروايات المعتبرة عليه، و لكن الوجه في المقام ليس هو اقتضاء النيابة لجريان حكم المنوب عنه في النائب، بحيث كان مقتضى ادلة مشروعية النيابة بضميمة تلك الروايات ثبوت ذلك الحكم في النائب، و ان كان المستفاد من المدارك و الجواهر ذلك، حيث ذكرا: ان فعله كفعل المنوب عنه، و ذكر الثاني ايضا: ان الظاهر و لو بمعونة فهم الاصحاب كون ذلك كيفية خاصّة في الحج نفسه، سواء كان عن نفسه او عن الغير، و سواء كان واجبا بالنذر او غيره.
و ذلك ـ اي عدم كون الوجه ما ذكر ـ: ان النيابة لا تقتضى ازيد من اشتراكهما في الافعال و المناسك و الاجزاء و الشرائط و نحوهما، و مما هو داخل في المنوب فيه، و لا تقتضي الاشتراك في الاحكام اصلا، فنفس النيابة لا تقتضى ذلك، بل لا بدّ من اقامة الدليل في النائب مستقلا. و عمدة الدليل عليه موثقة اسحق بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله: ان مات في الطريق او بمكة قبل ان يقضي مناسكه، فانّه يجزي عن الاوّل، فان القدر المتيقن من الموت في الطريق اوبمكّة هي هذه الصورة، التي مات النائب بعد الاحرام و دخول الحرم، و تؤيدها
(الصفحة 51)
المرسلتان المتقدمتان.
و امّا ما افاده السيد (قدس سره) في العروة، مما ظاهره: ان الاستدلال بالموثقة انّمايتوقف على ملاحظة تقييدها بمرسلة المفيد (قدس سره)في المقنعة. قال: قال الصادق (عليه السلام): من خرج حاجّا فمات في الطريق فانّه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، و ليقض عنهوليّه(1). نظرا الى ان اطلاقها يشمل الحاج عن غيره ايضا، و ضعفها منجبر بالشهرة و الاجماعات المنقولة، فيرد عليه:
اوّلا: ان هذه المرسلة من قبيل المراسيل المعتبرة، كمرسلة الصدوق المتقدمة في الفرع الاول، فلا تحتاج الى الانجبار بوجه.
و ثانيا: ان المرسلة لا اطلاق لها تشمل النائب الذي يحجّ عن غيره، بقرينة قوله (عليه السلام) في الذيل: و ليقض عنه وليه. الظاهر في الحاج لنفسه، لانه الذي يقضي عنه وليّه، كما عرفت، و لا يجب القضاء عن النائب.
و ثالثا: و هو العمدة: ان الاستدلال بالموثقة للاجزاء في هذه الصورة لا يتوقف على تقييدها بالمرسلة، لما عرفت، من: ان الموثّقة تدل على الاجزاء في المقام، لانه القدر المتيقن من الموت في الطريق او بمكة، فلا حاجة في هذه الجهة الى التقييد بوجه، كما لا يخفى، و بعبارة اخرى: الاجزاء في هذه الصورة لا يحتاج في جهة الاثبات الى شيء اخر غير الموثقة. و امّا في جهة النفي الراجعة الى غير هذه الصورة، فاللازم ملاحظة المقيّد، كما هو ظاهر.
نعم، اللازم في المقام ملاحظة ما يمكن ان يكون معارضا للموثقة، و هي موثقة عمار السّاباطي عن ابي عبد الله (عليه السلام)، في رجل حجّ عن اخر و مات في الطريق.
- 1 ـ وسائل ابواب وجوب الحج الباب السادس و العشرون ح ـ 4.