(الصفحة 52)
قال: و قد وقع اجره على الله، و لكن يوصي، فان قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده، فعل.(1) وجه المعارضة: ظهور هذه الرواية في وجوب الايصاء و تفويض الزاد و الراحلة الى الغير، ليأتي بالحجّ و يتم المناسك، و هذا يلازم عدم الاجزاء، لانه لا مجال مع الاجزاء لوجوب الايصاء، كما لا يخفى.
و اللازم بعد عدم ارتباط المرسلة بالمقام ملاحظة هاتين الموثقين اللتين هماالعمدة، لا في خصوص موت النائب بعد الاحرام و دخول الحرم، بل في جميع صور المسألة، مثل موت النائب بعد الاحرام و قبل دخول الحرم، و موت النائب في الطريق قبلهما، فنقول: ذكر بعض الاعلام في مقام الجمع بينهما: ان قوله (عليه السلام) في موثقة اسحقاق بن عمّار: قبل ان يقضي مناسكه. ظاهر في الرجوع الى امرين: و هما الموت في الطريق او بمكة و بعد الدخول في الحرم، نظير ما إذا قيل: جئني بزيد او عمر و يوم الجمعة، حيث ان القيد يرجع الى الامرين معا، و لا يختص بالرجوع الى الأخيرة فقط، كما ان معنى القيد بملاحظة كلمة «القضاء» قبل الانتهاء من مناسكه و اتمام اعماله، فانّ القضاء بمعنى الاتمام و الانتهاء، و منه اطلاق «القاضي» على من يحكم بين المتخاصمين لانهائه النزاع بينهما.
و من الظاهر ان هذا التعبير انّما هو في خصوص ما إذا تحقق الشروع في العمل، فانه قبل الشروع لا يصدق قبل الانتهاء و قبل الاتمام. و عليه، فالرواية تختص بما إذا تحقق موت النائب بعد الشروع في الحج، سواء كان في الطريق اوبمكة، و الشروع في الحج انما يتحقق بالاحرام. فالرواية تدل على الاجزاء فيما إذا
- 1 ـ وسائل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح ـ 5.
(الصفحة 53)
عرض الموت بعد تحقق الاحرام، سواء دخل في الحرم ام لم يدخل، و النسبة ـ حينئذ ـ بينها و بين موثقة عمّار، الظاهرة في عدم الاجزاء مطلقا، هي الاطلاق و التقييد، لان اطلاق موثقة عمار يقيّد بمورد ثبوت الاجزاء، الذي تدل عليه موثقة اسحق، فيكون الحكم في النائب ـ حينئذ ـ اوسع من الحكم في الحاجّ عن نفسه مع استقرار الحج عليه، حيث انه يختص الحكم بالاجزاء فيه بخصوص ما إذامات بعد الاحرام و دخول الحرم، و لا يشمل الموت بعد الاحرام و قبل دخول الحرم.
هذا، و يرد عليه منع كلا الامرين، فان الظاهر ان المراد بقضاء المناسك هو الاتيان بها و ايجادها في الخارج، و المراد بقبله هو قبل الاتيان بها، و لا فرق فيه بين صورتي الشروع و عدمه، فانه كما يصدق على من مات بعد الاحرام، انه مات قبل ان يقضي مناسكه، كذلك يصدق على من مات في المدينة ـ مثلا ـ قبل ان يحرم من مسجد الشجرة، انه مات قبل ان يقضي مناسكه، و لو فرض عدم كونه كذلك بحسب اللغة، لكنه بحسب ما هو المتفاهم عند العرف لا يكون كذلك، بل يعمّ الصورة المذكورة، و يؤيده ان الجمع بين حمل القيد على المعنى المذكور و بين ارجاعه الى الموت في الطريق، الظاهر في نفسه في الموت قبل الشروع في الاعمال، و لا اقل من كونه الفرد الظاهر منه، لا يكاد يستقيم لعدم ملائمة الموت في الطريق، مع كونه قبل اتمام المناسك و انتهاء الاعمال.
و عليه، فالظاهر ان المراد بقضاء المناسك مجرد اتيانها و ايجادها في الخارج لا خصوص اتمامها و انتهائها، و منه يظهر رجوع القيد الى خصوص ما إذا مات بمكّة لا الى الامرين، و الغرض من التقييد اخراج ما إذا تحقق الموت بمكة بعدتمامية الاعمال و الاتيان بالمناسك، فانّ الاجزاء فيه امر واضح لا يحتاج الى البيان، لوضوح عدم مدخلية عود النائب الى الوطن في تحقق الاجزاء، فالجمع بالكيفية المذكورة خلاف الظاهر جدّا.
(الصفحة 54)
ثم انه قد جمع بين الموثقين بوجوه اخرى:
منها: حمل موثقة عمار، الظاهرة في وجوب الايصاء و عدم الاجزاء عن المنوب عنه، على الاستحباب، و ان كانت الجملة خبرية و دلالتها على الوجوب اظهر من دلالة مثل هيئة افعل. وجه الحمل: صراحة موثقة اسحق في الاجزاء و عدم وجوب الايصاء، فيحمل الظاهر على النّص. ذكره السّيد ـ في العروة ـ و يبعدّه، مضافا الى ما ذكر، من: ان الجملة الخبرية اظهر في الدلالة على الوجوب من هيئة افعل، ان تكرار الجملة المزبورة تارة بصيغة المضارع، و اخرى بصيغة الماضي، يمنع عن الحمل المذكور و لا يلائمه.
و منها: انه لا منافاة بين الموثقين، لان احديهما تدل على الاجزاء عن المنوب عنه، و الاخرى على وجوب الايضاء على النائب، و لا منافاة بين الامرين، فان الاجزاء عن المنوب عنه انّما يكون مرتبطا به و راجعا اليه، و معناه فراغ ذمته عن الحج بعد الاشتغال به، و وجوب الايصاء امر يرتبط بالنائب و يكون وظيفة له، و لا ينافي الاجزاء فهو نظير ما إذا اتى النائب بالحج و لكنّه اتى بشيء يوجب فسادهو لزوم الاتيان به في العام القابل، فمات قبل العام الثاني، فانه يجب على ورثة النائب القضاء عنه في ذلك العام.
و يدفعه: ان وجوب الاتيان بالحج على النائب في العالم القابل انّما هو لأجل افساده له في العام الاوّل، و امّا في المقام فلا مجال لوجوب الايصاء على النائب بعد تحقق الاجزاء بالنسبة الى المنوب عنه، كما هو المفروض، و احتمال كون الوجه في الاجزاء هو انتقال اشتغال ذمّة المنوب عنه الى النائب بمجرد حدوث امارات الموت و شواهده، مما لا سبيل اليه اصلا. فهذا الوجه ايضا غير تامّ.
و منها: ان مورد موثّقة عمّار مطلق يشمل النيابة بالاجرة و النيابة بالتبرع، و مورد موثقة اسحاق خصوص النيابة بالاجرة، فيحمل المطلق على المقيد، و يقال
(الصفحة 55)
بالتفصيل بين صورتي النيابة.
و يدفعه: ان لازم التفصيل المزبور الالتزام بالاجزاء فيما إذا كانت النيابة بالاجرة، و بوجوب الايصاء إذا كانت النيابة بالتبرع، مع انه على فرض التفصيل يكون مقتضي القاعدة عكس ذلك، فانه إذا كانت النيابة بالاجرة موجبة للاجزاء في صورة الموت، مع فرض اخذ الاجرة، ففيما إذا كانت تبرعية يكون الاجزاء و عدم وجوب الايصاء بطريق اولى نعم، لو كان مقتضى التفصيل العكس، لكان للالتزام به وجه، كما لا يخفى.
و الحقّ في المقام، ان يقال: انه لو كان للاجماع المدّعى في صورتي المسألة: احدهما: الاجماع على الاجزاء، فيما إذامات النائب بعد الاحرام و دخول الحرم. و ثانيهما: الاجماع على عدم الاجزاء، فيما إذا مات قبل الاحرام و قبل دخول الحرم اصالة، و لم يكن مستندا الى الرواية، لا مانع من طرح الرّوايتين، لتعارضهما و عدم امكان الجمع بينهما، لما عرفت، من: عدم تمامية شيء من وجوه الجمع و الرجوع في الفرض الثالث، و هو الموت بعد الاحرام و قبل دخول الحرم، الى القاعدة التي مقتضاها عدم الاجزاء لعدم تحقق الحج من النائب، خلافا لما عن الشيخ و ابن ادريس و بعض اخر، من القول بالاجزاء في هذه الصورة ايضا.
و امّا إذا لم يكن للاجماع اصالة، كما هو الظاهر، فاللازم الاخذ بكلتا الموثقتين، بالاضافة الى القدر المتيقن من كل منهما، فان القدر المتيقن من دليل الاجزاء هو الموت بعد الاحرام و دخول الحرم، و من دليل عدم الاجزاء هو الموت قبل الاحرام و قبل دخول الحرم، و الرجوع في مورد الشك من كل منهما، و هي الصورة الثالثة المذكورة، الى القاعدة، و هي تقتضي عدم الاجزاء كما عرفت. و مما ذكرنا يظهر الوجه في الحكم الماتن ـ قدس سرّه الشريف ـ بعدم الاجزاء في هذه الصّورة.
(الصفحة 56)مسألة 5 ـ لو مات الاجير بعد الاحرام و دخول الحرم، يستحقّ تمام الاجرة ان كان اجيرا على تفريغ الذّمة، كيف كان، و بالنسبة الى ما اتى به من الاعمال إذا كان اجيرا على نفس الاعمال المخصوصة، و لم تكن المقدمات داخلة في الاجارة، و لم يستحقّ شيئا حينئذ إذا مات قبل الاحرام، و امّا الاحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه، و الذهاب الى مكّة بعد الاحرام و الى منى و عرفات غير داخل فيه و لا يستحقّ به شيئا، و لو كان المشي و المقدمات داخلا في الاجارة فيستحق بالنسبة اليه مطلقا و لو كان مطلوبا من باب المقدّمة، هذا مع التصريح بكيفيّة الاجارة، و مع الاطلاق كذلك ايضا، كما انه معه يستحقّ تمام الاجرة لو اتى بالمصداق الصحيح العرفي و لو كان فيه نقض ممّا لا يضرّ بالاسم، نعم، لو كان النقض شيئا يجب قضائه، فالظاهر انه عليه لا على المستأجر1 .
ثمّ ان شمول الحكم بالاجزاء لصورة التبرع بالنيابة مع كون اصل الحكم على خلاف القاعدة، محلّ اشكال، سواء كان المستند هو الاجماع او موثقة اسحق، لان القدر المتيقّن من الاجماع و مورد الموثقة هي النيابة بالاجرة، و لا دليل على الشمول لغيرها، و ما ذكرناه من الاولوية انّما هو بالاضافة الى عدم وجوب الايصاء لا بالنسبة الى اصل الاجزاء. فتدبّر.
و كذا شمول الحكم لغير حجة الاسلام لا يخلو عن الاشكال، و ان كان يمكن الاستناد له باطلاق قوله في الموثقة: فيوصي بحجّة. الاّ ان الظاهر انصرافها الى حجة الاسلام، و يويده الاختصاص بها في الحاجّ عن نفسه، كما مرّ بحثه.
1 - هذه المسألة ناظرة الى صورة استحقاق النائب الذي عرض له الموت للاجرة ـ كلاّ او بعضا ـ و عدمه، كما ان المسألة السابقة كانت متعرضة لصور الاجزاء عن المنوب عنه و عدمه، و لا بد في المقام قبل التعرض لبيان احكام الصورمن بيان: انّ متعلق الاجارة في النيابة في الحج يتصور فيه صور:
احداها: ان يكون المتعلق هو تفريغ ذمة المنوب عنه و رفع اشتغالها، و لا مجال للاشكال في صحّة هذا النحو من الاجارة بعد كون المتعلق مقدورا للنائب و لوبالواسطة، كما ادا كان المتعلق هو التطهير و نحوه من الافعال التوليديّة.