( الصفحه 235 )
حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حقّ الله ثمّ ليتطوّع ما شاء إلاّ أن يخاف (الأمر) موسع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل إلاّ أن يخاف فوت الفريضة ، الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت . وهذه الرواية صريحة في جواز التطوّع ، ما دام لم يتضيّق وقت الفريضة واحتمال أن يكون المراد من النوافل هي الرواتب سخيف جدّاً لوضوح حالها عند كلّ أحد لأنّه يعرف كلّ عامّي إنّه يستحبّ الإتيان بها قبل الفريضة إلى أوقات معيّنة كما عرفت .
وامّا ما ذكره صاحب الحدائق في تفسير الرواية من أنّ الأمر موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة أي أوّل دخول وقت الاجزاء كالزوال في الظهرين بناء على أنّ وقت فضيلتهما بعد الذراع أو الذراعين ونحوهما إلاّ أن يخاف فوت الفريضة فيترك النافلة ولكن الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى آخر الوقت أي الوقت الذي يدخل بعده وقت الفضيلة للفريضة . فمخالف لظاهر الرواية بل صريحها فإنّ حمل قوله : آخر الوقت على آخر الوقت الذي يدخل بعده وقت الفضيلة ممّا لا وجه له أصلاً .
والجمع بين الروايات الدالّة على الجواز ومثل صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على المنع هو الحمل على الكراهة لو لم نقل بعدم ثبوت كراهة أيضاً ، بل النهي إنّما هو للإرشاد إلى الأخذ بما هو أولى بالمراعاة من النافلة وهي الفريضة وانّه ينبغي لمن تكون ذمّته مشغولة أن يسعى أوّلاً في حصول الفراغ لها ثمّ الإتيان بالنافلة
( الصفحه 236 )
فتدبّر .
المقام الثاني : في التطوّع لمن عليه قضاء الفريضة وقد نسب إلى الأكثر الجواز وإن ذكر صاحب الحدائق أن المعروف هو المنع هو المنع ، وكيف كان فقد ذهب جماعة إلى المنع كالعلاّمة وجمع من المتأخّرين واختاره صاحب الحدائق وعلى تقدير القول بالجواز في المقام المتقدّم يكون الجواز هنا بطريق أولى ، نعم يمكن التفكيك بين المقامين بالقول بالجواز هنا وبعدمه في المقام المتقدّم ، وعليه فلا تبقى لنا حاجة إلى البحث في هذا المقام ولكنّه لا بأس بالإشارة إلى بعض ما استدلّ به للمنع من الوجوه والجواب عنه فنقول :
منها : قوله (عليه السلام) : لا صلاة لمن عليه صلاة فإنّ ظاهره نفي صحّة الصلاة ممّن تكون ذمّته مشغولة بصلاة فالنافلة لمن عليه قضاء غير مشروعة وحمله على نفي الكمال خلاف الظاهر لا يصار إليه إلاّ مع قيام دليل كما في قوله (عليه السلام) : لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد .
ومنها : الروايات الدالّة على ترتّب الحاضرة على الفائتة وإن فراغ الذمّة عن القضاء معتبر في صحّة الادائية إلاّ مع ضيق وقتها بدعوى انّ الفائتة إذا كانت متقدّمة على الحاضرة لكانت نوافل الحاضرة أيضاً مترتّبة على الفائتة بطريق أولى لأنّها من توابع الفريضة وأولى من النوافل الراتبة غيرها من النوافل المبتدئة لكونها أهمّ منها فإذا كانت الفائتة متقدّمة عليها فغيرها أولى بذلك .
وجوابه واضح; لأنّ ترتّب الحاضرة على الفائتة لا يكون مستلزماً لترتّب النافلة عليها وعدم جواز تقديمها بوجه لكون النافلة صلاة مستقلّة تدور مدار دليلها ولذا نرى عدم اعتبار بعض شرائط الفريضة فيها كالاستقبال والطمأنينة ونحوهما ولم يعلم انّ الوجه في ترتّب الحاضرة على الفائتة هو ثبوت التزاحم
( الصفحه 237 )
وأهمّية الثاني; لأنّ الترتّب بمجرّده لا يلازم ذلك فانّ العصر مترتّبة على الظهر وليس مرجعها إلى ذلك أصلاً .
ومنها : انّ القضاء واجب مضيق فلابدّ من الإتيان به فوراً ففوراً والتنفل يستلزم التأخير وهو غير جائز .
والجواب : انّ مورد البحث في مسألة التطوّع في وقت الفريضة هو وقوع التطوّع بما هو تطوّع في مقابل الفريضة بما هي كذلك ، وامّا إذا اقترنت الفريضة بخصوصية اُخرى موجبة لصرف الوقت في الإتيان بها كما إذا صارت مضيقة أو كانت من الأوّل كذلك فهو خارج عن محلّ البحث لأنّ عدم جواز التطوّع ـ حينئذ ـ ليس لأجل كونه تطوّعاً ، بل لأجل استلزامه الإخلال بالوقت المضيّق ولذا يكون غير النافلة أيضاً على هذا الحكم فهذا الدليل خارج عن محلّ الكلام .
ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس أيصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال : يصلّي حين يستيقظ ، قلت : يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال : بل يبدأ بالفريضة .
والجواب : انّها معارضة في نفس موردها بموثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال : يصلّي ركعتين ثمّ يصلّي الغداة . وحمل الموثقة على صورة انتظار الجماعة أعني من يريد أن يصلّي بقوم وينتظر اجتماعهم وحمل الصحيحة على من يصلّي بالانفراد كما عن الشيخ (قدس سره) فهو ممّا لا شاهد له أصلاً ، كما انّ احتمال كون الصحيحة مقيّدة لإطلاق الموثقة نظراً إلى أنّ مورد السؤال فيها هو النوم عن الغداة حتى طلعت الشمس وهو أعمّ من الانبساط ، وعليه فالحكم قبل أن تنبسط الشمس هو الابتداء بالفريضة وبعد
( الصفحه 238 )
الانبساط الابتداء بالنافلة ويؤيّده كراهة النافلة المبتدئة بعد الطلوع وقبل الانبساط مطلقاً مدفوع بأنّ ظاهر الصحيحة انّ لزوم البدئة بالفريضة إنّما هو لأجل كونها فريضة لا لتحقّق الانبساط وعليه فالموثقة دليل على العدم فيتحقّق بينهما التعارض كما هو ظاهر .
ومنها : وهو العمدة صحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في باب القضاء المشتملة على قوله (عليه السلام) : ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها .
وفيه مضافاً إلى كونها معارضة بما تقدّم في المقام الأوّل من الدليل على الجواز معارضة بما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال : فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة (عيينة) وأصحابه فقبلوا ذلك منّي فلمّا كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السلام) فحدّثني انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرس ـ نزل للاستراحة ـ في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا؟ فقال بلال : أنا فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس فقال : يا بلال : ما أرقدك؟ فقال : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قوموا فحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة وقال : يا بلال اذّن فأذّن فصلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر ثمّ قام فصلّى بهم الصبح وقال : من نسى شيئاً من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإنّ الله عزّوجلّ يقول : }وأقم الصلاة لذكري{ قال زرارة : فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقالوا : نقضت حديثك الأوّل فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم فقال : يا زرارة ألا أخبرتهم انّه قد فات الوقتان جميعاً وانّ ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وقد مرّ انّ توصيف الشهيد (قدس سره)الرواية بالصحّة يكفي في الاعتبار والحجّية فلا إشكال في السند ، وامّا من
( الصفحه 239 )
جهة الدلالة فمفادها التفصيل بين الحاضرة والفائتة وانّه لا يجوز التطوّع في وقت الاُولى دون الثانية واحتمال كون الجواز في الثانية إنّما هو لأجل انتظار الجماعة مدفوع بأنّ أمر الجماعة في مورد الرواية كان بيد النبي (صلى الله عليه وآله) ولو لم يكن التقديم جائزاً لقدم الجماعة في الفائتة على التطوّع والتنفّل .
ولكن الذي يوهن الرواية مخالفتها لاُصول المذهب ودلالتها على القدح في مقامه (صلى الله عليه وآله) وعصمته فإنّه كيف يمكن أن يغلبه النوم ويمنعه عن الإتيان بالفريضة الإلهية والتفكيك في مفادها من جهة عدم قبولها في الدلالة على نومه (صلى الله عليه وآله) وقبولها في الدلالة على تقديم النافلة على الفريضة القضائية واضح البطلان لعدم اشتمالها على دلالتين بل لها دلالة واحدة فقط وهي وقوع ذلك العمل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا لم يمكن الالتزام بنومه حتّى يجب عليه القضاء فكيف يمكن الالتزام بتطوّعه قبل الفائتة كما لا يخفى ، وعليه فما يعارض الرواية إنّما هو ما تقدّم في الأمر الأوّل .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن سائر ما استدلّ به على المنع في هذا المقام فتدبّر جيّداً .