( الصفحه 329 )
وبره حلّ جلده . فالحيوان البريّ الذي يطلق عليه الخز إن كان غير مأكول اللحم لا دليل على جواز الصلاة في أجزائه وإن كان مشكوكاً فالحكم فيه هو حكم الصلاة في اللباس المشكوك على تقدير عدم جريان أصالة الحلّية بالإضافة إلى لحمه .
وكيف كان فقد عرفت انّ جواز الصلاة في وبر الخز ممّا تطابق عليه النصّ والفتوى ، وامّا جلده فمحلّ خلاف والمنسوب إلى المشهور هو الجواز ولابدّ من ملاحظة الروايات فنقول : امّا رواية ابن أبي يعفور فهي وإن كانت ظاهرة في جواز الصلاة في جلد الخزّ أيضاً باعتبار الإطلاق وترك الاستفصال ، بل السؤال الثاني الظاهر في الاعتراض يوجب انحصار محط السؤال في السؤال الأوّل بالجلد لأنّ الوبر من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة بخلاف الجلد فكون الخز ميّتاً إنّما يوجب المنع عن الصلاة في الثاني دون الأوّل .
وبالجملة دلالة الرواية على جواز الصلاة في جلد الخز وإن كانت ظاهرة إلاّ انّ ضعف سندها كما عرفت يقدح في الاعتماد عليها .
وامّا صحيحة ابن الحجّاج فظاهرة في السؤال عن جلود الخزّ لا عن الصلاة فيها ومن المعلوم انصرافه إلى السؤال عن جواز استعمالها في اللبس والانتفاع بها فيه وهو لا يستلزم جواز الصلاة فيها ومنشأ الشبهة الموجبة للسؤال امّا كون الخز ميتة بنظر السائل والمنع عن استعمال جلود الميتة واضح ، وامّا النهي عن ركوب الخزّ والجلوس عليه كما عرفت في محكي كلام ابن الأثير وقد رواه عن علي (عليه السلام) ويؤيّده استشهاد الإمام (عليه السلام) في بعض الروايات بعد شرائه ثوب الخزّ بقوله تعالى : }قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده{ الآية فلا دلالة لمثل هذا السؤال عن كون مورده حكم الصلاة أيضاً .
( الصفحه 330 )
ومنه يظهر عدم دلالة رواية سعد المتقدّمة أيضاً على ذلك لظهور سؤالها أيضاً في اللبس وجواز الانتفاع بها فيه ودعوى كون كلمة «هوذا» كلمة واحدة مفادها الاستمرار والدوام وظاهرها الشمول لحال الصلاة أيضاً . مدفوعة بأنّه على تقدير ظهور الكلمة فيما ذكر يكون موردها الوبر دون الجلد والملازمة بين الحليتين كما في ذيل الرواية لا إطلاق لها يشمل الصلاة بعد كون السؤال ظاهراً بنفسه في السؤال عن الحكم التكليفي وظهور قوله (عليه السلام) في الجواب : نحن نلبس في هذا الحكم أيضاً فالملازمة أيضاً تنطبق على ذلك .
نعم يدلّ على شمول الحكم بالجواز للجلد أيضاً إطلاق رواية معمّر بن خلاّد قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الصلاة في الخزّ فقال : صلِّ فيه . فإنّ إطلاق السؤال وترك الاستفصال ظاهر في كون مورده الصلاة في جلد الخزّ أيضاً والإشكال فيه بأنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان المراد من الخزّ فيه الحيوان وهو غير ظاهر ، بل من المحتمل إرادة المنسوج من وبره فإنّه من معانيه أيضاً كما يظهر من مكاتبة جعفر بن عيسى إلى الرضا (عليه السلام) يسأله عن الدواب التي يعمل الخزّ من وبرها . . .
مندفع بوضوح انّ إطلاق الخزّ على المنسوج من وبر الحيوان الخاصّ المسمّى بالخزّ ليس في عرض إطلاقه على نفس الحيوان بحيث كان له معنيان ، بل الإطلاق عليه إنّما هو بلحاظه وكون المنسوج منه وبره مع أنّه على تقديره يكفي الإطلاق في رفع هذا الاحتمال أيضاً فتدبّر .
ثمّ إنّه ربّما يقال : إنّ الشبهة في جواز الصلاة في جلد الخزّ إن كانت من جهة كونه من أجزاء غير المأكول فلا يبعد أن يقال بأنّه بعد قيام الدليل على النصّ والإجماع على استثناء الوبر تكون خصوصية الوبرية ملغاة بنظر العرف لأنّ الظاهر انّ أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر إلاّ استثناء الحيوان المسمّى بالخزّ وانّه تصحّ
( الصفحه 331 )
الصلاة في أجزائه وبراً كان أو جلداً أو غيرهما .
وإن كانت من جهة كونه ميتة امّا لأجل انّه لم يعلم وقوع التذكية وثبوتها فيما عدى السمك من الحيوانات المائية ، وامّا لأجل احتمال عدم كون خروجه من الماء علّة لموته كما يظهر من بعض الروايات حيث إنّه أجاب الإمام (عليه السلام) فيه عن السؤال عن الخزّ بأنّه سبع يرعى في البرّ ويأوى الماء فالحكم بجواز الصلاة في جلده محلّ إشكال ولا ينفع في ذلك إطلاق رواية معمّر بن خلاّد المتقدّمة; لأنّ النسبة بينها وبين ما يدلّ على المنع عن الصلاة في الميتة عموم من وجه ولا دلاليل على ترجيحها عليه في مورد الاجتماع وهي الصلاة في جلد الخزّ .
أقول : امّا إلغاء الخصوصية في الفرض الأوّل فمحلّ نظر ، بل منع; لأنّ استثناء الوبر لا دلالة له بوجه على استثناء الحيوان بجميع أجزائه حتى عظمه ولحمه وروثه وأشباهه ، نعم لو كان الوبر متّصلاً بالجلد وملصقاً به نوعاً يكون استثنائه دالاًّ بالملازمة العرفية على استثناء الجلد أيضاً ، وامّا مع استقلاله وجواز أخذ الثوب من خصوصه كما عرفت انّه يستفاد ذلك من رواية سعد المتقدّمة فلا ملازمة بين الاستثنائين .
وامّا احتمال كونه ميتة فعلى تقدير كونه حيواناً مائياً لا يعيش في خارج الماء فالظاهر انّه ـ حينئذ ـ لا يكون ممّا له نفس سائلة وقد مرّ في مبحث مانعية الميتة استظهار عدم كون الميتة من غير ذي النفس مانعة وإن احتاط فيها الماتن ـ دام ظلّه ـ .
وعلى تقدير احتمال تعيّشه في خارج الماء نقول يدفع هذا الاحتمال صريح رواية ابن الحجّاج المتقدّمة ولا يبقى مجال له معها والجمع بينها وبين الرواية المذكورة ـ كما في الجواهر ـ بحملها على إرادة انّه لا يعيش خارج الماء زماناً طويلاً على تقدير
( الصفحه 332 )
صحّته والغضّ عن عدم الشاهد عليه لا ينافي كون هذا المقدار الذي يعيش في خارج الماء غير قادح في ثبوت التذكية فيه وموته خارج الماء وإن كان متأخّراً عن الخروج بمقدار قصير كما لا يخفى .
مع أنّ تعارض الدليلين في مورد الاجتماع وإن كان يمنع عن الأخذ بأحدهما فيه بعد عدم ثبوت المرجح إلاّ انّ تساقطهما فيه يوجب جواز الرجوع إلى الأصل العملي وهو يقتضي البراءة عن المانعية في جلد الخزّ فيصير الحكم هو جواز الصلاة فيه .
فانقدح من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى استثناء الجلد كالوبر وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه .
ثمّ إنّك عرفت انّ ظاهر عبارة القدماء من الأصحاب تقييد الخزّ المستثنى بكونه خالصاً في مقابل المغشوش بوبر الأرانب والثعالب وأشباههما وقد وقع هذا التقييد في بعض الروايات وهي مرفوعة أيّوب بن نوح قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به فامّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلِّ فيه .
وعن المحقّق في المعتبر انّه حكى عن جماعة من علمائنا انعقاد الإجماع على العمل بمضمونه . ولأجله لا يبقى موقع لرواية بشير بن بشّار قال : سألته عن الصلاة في الخزّ يغش بوبر الأرانب فكتب : يجوز ذلك . وقد حملها الشيخ (قدس سره) على التقية ويمكن حملها على محامل آخر وعلى تقدير عدمه لابدّ من أن تطرح .
وبالجملة فاعتبار هذا القيد في المستثنى ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في تشخيص معناه وانّه هل يقدح في تحقّقه ما إذا كان المغشوش به شيئاً يسيراً غير معتدّ به ، بل وما إذا كان مستهلكاً بحيث زالت حقيقته واستهلك في وبر الخز أو لا
( الصفحه 333 )
يقدح فيه ذلك أو يكون بين الصورتين فرق؟ وجوه واحتمالات وقبل ترجيح أحد الوجوه لابدّ من ملاحظة انّ مقتضى كون الخطابات الشرعية واردة على طبق المفاهيم العرفية وانّه يجب الرجوع في تشخيص معاني العناوين المأخوذة في الأدلّة إلى العرف هل هو الرجوع إليهم في المفاهيم ولو مع التسامح في مصاديقها أو انّ مقتضاه الرجوع إليهم في تعيين المفاهيم والدقّة في التطبيق على المصاديق ولو كان على خلاف العرف فإذا ورد لفظ «المد» مثلاً في دليل فاللاّزم الرجوع إلى العرف في استكشاف معناه فإذا فسّره بمقدار معيّن فالواجب مراعاة ذلك المقدار من دون نقص وإن كان العرف يتسامح في مقام التطبيق ويحكم بتحقّقه مع النقص عن ذلك المقدار بقليل؟ غير خفي انّ الظاهر هو الوجه الثاني وانّه لا اعتبار في المسامحات العرفية أصلاً .
إذا عرفت ذلك فنقول : الظاهر انّ لفظ «الخالص» المأخوذ في لسان النصّ والفتوى يكون المتفاهم منه عند العرف خلوّ الشيء عن غير حقيقته رأساً بحيث إذا كان الخليط شيئاً يسيراً غير معتدّ به أيضاً لا ينطبق عليه هذا المفهوم العرفي بالنظر الدقّي وإن كان يتحقّق بالنظر المسامحي ، بل لا يبعد أن يقال بعدم التحقّق في صورة الاستهلاك أيضاً فإنّ الاستهلاك وإن كان موجباً لانعدام حقيقة المستهلك ولا يتبيّن ولا يتميّز نوعاً إلاّ انّه لا يوجب بقاء المستهلك فيه على وصف الخلوص بليوجب زواله فتدبّر . هذا تمام الكلام في الخزّ .
وامّا السنجاب فقد وقع فيه الخلاف والإشكال وقد نسب الجواز إلى الأكثر خصوصاً بين المتأخّرين تارة وإلى المشهور اُخرى وإلى عامّتهم ثالثة ، بل في محكي الذكرى عن المبسوط : لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل الخوارزمية .