( الصفحه 334 )
والمحكي عن الصدوق ووالده والشيخ في الخلاف المنع وكذا حكى عن الحلّي في السرائر وجماعة من المتأخّرين ومتأخّريهم بل عن الروض نسبته إلى الأكثر .
ويشهد للأوّل طائفة من الروايات كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعاب وأشباهه قال : لا بأس بالصلاة فيه . وقد نقلها في الوسائل في باب آخر أيضاً بهذه الكيفية : عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام)انّه سأله عن أشياء منها الفراء والسنجاب فقال : لا بأس بالصلاة فيه . فتوهّم انّهما روايتان كما في المستمسك وانّ اشتمال الاُولى على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب ـ مثلاً ـ لا يمنع عن الاستدلال بالثانية الخالية عن ذكره مع أنّه من الواضح انّهما رواية واحدة وانّ الأشياء المسؤول عنها في الرواية الثانية هي التي صرّح بها في الرواية الاُولى .
والمراد بالفراء امّا ما يظهر من بعض اللغويين من أنّه الحمار الوحشي وفي المثل السائر : «كلّ الصيد في جوف الفراء» وامّا ما يقال له بالفارسية «پوستين» وعلى الأوّل لا يكون من افراد غير المأكول وعلى الثاني الذي هو خلاف ظاهر السياق يمكن أن يكون المراد به هو الفرو المتّخذ من المأكول كما هو الغالب والشائع في الفراء ويمكن أن يكون المراد به مطلق الفراء ، وعليه فتكون الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له . والمراد بكلمة «أشباهه» امّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل وامّا ما يكون مشابهاً لها من حيث إنّه يؤخذ الثوب من وبره .
وبالجملة دلالة الرواية على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيه .
ومنها : صحيحة أبي عليّ بن راشد قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في الفراء أيّ شيء يصلّى فيه؟ قال : أيّ الفراء؟ قلت : الفنك والسنجاب والسّمور قال : فصلِّ
( الصفحه 335 )
في الفنك والسنجاب ، فأمّا السمور فلا تصلِّ فيه . قال في الوافي : «الفنك بالفاء والنون المفتوحتين حيوان غير مأكول اللحم يتّخذ من جلده الفراء فروته أطيب أنواع الفراء» وقيل : نوع من الثعلب الرومي وقيل : نوع من جراء الثعلب التركي ، وعن بعض انّه يطلق على فرخ ابن آوى . والسمور كتنوّر حيوان ببلاد الروس وبلاد الترك يشبه الّنمس ومنه أسود لامع وأشقر .
ومنها : مرسلة مقاتل بن مقاتل قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال : لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم .
ومنها : مكاتبة يحيى بن أبي عمران قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب والفنك والخزّ وقلت : جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطّه إليّ : صلِّ فيها .
ومنها : رواية بشير بن بشار قال : سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن اُصلّي فيه لغير تقية قال فقال : صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصلِّ في الثعالب ولا السمور . والحواصل طيور ببلاد خوارزم يعمل من جلودها بعد نزع الريش مع بقاء الوبر ويتّخذ منه الفراء وقد ينسج من أوبارها الثياب .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز في السنجاب ويدلّ على الجواز في خصوصه رواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام)عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال : لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً ، قلت : أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال : لا بأس بالسنجاب فإنّه دابة لا تأكل اللحم وليس هو ممّا نهى
( الصفحه 336 )
عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب . وقد تقدّم اختلاف النقل في جملة «وما لا يؤكل لحمه . . .» في أصل البحث عن مانعية غير المأكول فراجع .
وربما يناقش في الاستدلال بهذه الروايات بأنّ ما يدلّ منها على جواز الصلاة في خصوص السنجاب كالرواية الأخيرة لا يخلو من الضعف والجهالة والإرسال وما يدلّ منها على جوازها فيه وفي غيره مشتمل على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب حيث إنّه لا تجوز الصلاة فيها نصّاً وإجماعاً مضافاً إلى أنّ موثقة ابن بكير المتقدّمة الواردة في أصل بحث مانعية غير المأكول قد ورد في موردها خصوص السنجاب وغيره من الوبر وقد ورد في جوابه عموم الحكم بالمنع عن الصلاة في أجزاء كلّ ما لا يحلّ أكله ومن الواضح انّ تخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب بهذه الأخبار الدالّة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن .
ومضافاً إلى دلالة بعض الروايات بعمومها على عدم جواز الصلاة في السنجاب أيضاً كمكاتبة محمد بن علي بن عيسى قال : كتبت إلى الشيخ يعني الهادي (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح؟ فأجاب : لا أحبّ الصلاة في شيء منه قال : فرددت الجواب أنا مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحداً أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره وليس يمكن لنا ما يمكن للأئمّة فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب؟ قال : فرجع الجواب إليّ : تلبس الفنك والسمّور .
وتندفع المناقشة بأنّ اشتمال الرواية الصحيحة على غير السنجاب لا يقدح في العمل بها بالإضافة إليه لأنّ قيام الدليل على عدم العمل برواية بالنسبة إلى بعض مواردها لا يوجب طرحها رأساً مع أنّ صحيحة أبي علي المتقدّمة تشتمل على الفنك فقط زائداً على السنجاب وقد أفتى بجواز الصلاة فيه جماعة ، ورواية بشير بن بشار تدلّ على جوازه في خصوص السنجاب والحواصل الخوارزمية وقد
( الصفحه 337 )
عرفت من الشيخ (قدس سره) في المبسوط نفي الخلاف عن جواز الصلاة فيهما .
كما انّ المناقشة الأخيرة مندفعة بعدم ورود الدليل على عدم الجواز في خصوص السنجاب والعموم الشامل له كما في المكاتبة قابل للتخصيص كما انّه لابدّ من تخصيصه بالخزّ لتطابق النصّ والفتوى على الجواز فيه كما عرفت وإباء سياقها عن التخصيص يوجب طرحها لا العمل بعمومها كما لا يخفى .
إنّما المهمّ ملاحظة موثقة ابن بكير المتقدّمة وربّما يجاب بأنّ التخصيص المستهجن إنّما هو فيما إذا اُريد إخراج جميع الأسباب الخاصّة الوارد في موردها العموم عن تحته كما إذا كان السبب واحداً واُريد إخراجه عن تحت العام أو أزيد من واحد واُريد إخراج الجميع ، وامّا إذا اُريد إخراج بعضه كما في مثل المقام فلا نسلّم استهجان التخصيص .
وأورد على هذا الجواب بما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) من أنّ ورود بعض الأفراد في مورد العموم يوجب أن يكون شمول العموم له ودلالته عليه بالنصوصية من دون فرق بين ما إذا كان الفرد واحداً أو أزيد وعلى الثاني بين ما إذا اُريد إخراج الجميع أو البعض ، وعليه فاللاّزم أن يعامل مع الموثقة ومع أدلّة التخصيص معاملة المتعارضين .
هذا ولكن التحقيق تبعاً لسيّدنا الاستاذ (قدس سره) انّ ورود العام في مورد بعض الافراد لا يوجب النصوصية في مثل المقام; لأنّ غرض الإمام (عليه السلام) في مقام الجواب عن سؤال الراوي إنّما هو بيان أصل الحكم والفرق بين الحيوانات المحلّلة والمحرّمة في مقابل العامّة القائلين بصحّة الصلاة في أجزاء جميع الحيوانات ولذا أخرج لبيانه كتاباً زعم انّه املاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) للاستشهاد عليه في مقابلهم مضافاً إلى أنّ غرض السائل أيضاً لم يكن هو السؤال عن حكم الأفراد الخاصّة بل مقصوده هو السؤال
( الصفحه 338 )
عن حكم الحيوانات التي لم يكن أخذ الثوب منها متعارفاً ومعمولاً كالغنم والإبل وغيرهما ممّا تعارف أخذ اللباس منه ولأجله كان حكمها معلوماً لكلّ أحد من زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
وبالجملة لما كان التفصيل بين الحيوانات في جواز الصلاة في أجزائها وعدمه والحكم بالفرق بينهما غير معلوم للناس قبل ذلك أراد الإمام (عليه السلام) في مقام الجواب أن يبيّن ذلك بقانون كلّي مذكور في كتاب الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو لا ينافي خروج بعض الافراد المذكورة في السؤال عن تحت هذا الحكم الكلّي كما لا ينافي خروج بعض الأفراد غير المذكورة .
فالإنصاف انّ النسبة بين الموثقة وبين الأدلّة المجوّزة للصلاة في السنجاب هي نسبة الدليل العام مع الدليل المخصّص لا المتعارضين فاللاّزم التخصيص من دون استلزام للاستهجان بوجه .
نعم على تقدير التعارض يشكل الحكم بالجواز في السنجاب لعدم ثبوت الشهرة الفتوائية بالإضافة إليه ومخالفة العامّة وإن كانت متحقّقة في مثل الموثقة إلاّ انّ الروايات المجوّزة لأجل اشتمالها على المنع في مثل الثعالب الذي يجوز الصلاة فيه عند الناس لا مجال لحملها على التقية وقد عرفت انّ الدليل المجوّز الوارد في خصوص السنجاب لا يكون معتبراً من حيث السند .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ الجواز في السنجاب هو الأقوى بلحاظ الأدلّة ورعاية قواعد العمل بها إلاّ انّه مع ذلك لا تكون المسألة صافية خصوصاً مع عدم بناء أكثر القدماء عليه فتدبّر .