( الصفحه 435 )
وشماله ويبعده الفصل بينه وبين حكم التقدّم بالتعليل مضافاً إلى خلوّه عن التعليل مع أنّه أحوج إليه من التقدّم فتدبّر .
ثالثها : أن يكون قوله : يصلّي مبنياً للمفعول معطوفاً على قوله : يتقدّم فيكون من تتمّة التعليل ومرجعه إلى أنّ الإمام كما لا يتقدّم عليه كذلك لا يصلّي عن يمينه وشماله ويبعده عدم المناسبة بين كونه من تتمّة التعليل وبين كون الحكم المعلّل عدم جواز خصوص الصلاة بين يديه فانقدح انّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل المعارض لرواية الطبرسي .
ثمّ إنّه لو قلنا بكونهما روايتين وقع بينهما التعارض فالظاهر رجحان رواية الشيخ لصحّة سندها ونحن وإن نفينا الإرسال في رواية الطبرسي إلاّ انّها لا تبلغ مرتبة الصحيحة بحيث يمكن أن تكون معارضة لها مع أنّ رواية الشيخ يمكن أن تصير قرينة على حمل الاُخرى على الكراهة فتدبّر .
وإن قلنا : بكونهما رواية واحدة كما استظهرناه في أوّل المسألة فاللاّزم الالتزام بتردّد ما هو الصادر من الإمام (عليه السلام) بين أن يكون هو الجواز أو العدم وحيث لا معين للثاني يبقى إطلاق ما دلّ على الصلاة في كلّ مكان بلا معارض خصوصاً مع كون الرواية الدالّة على الجواز صحيحة من حيث السند كما عرفت .
وامّا الحصر في قوله : فإنّها خلفه فالظاهر انّه حصر إضافي في مقابل التقدّم ويمكن أن يكون المراد منه هو الفضل والكمال بالإضافة إلى سائر الجهات الثلاثة .
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ الظاهر هو الجواز في اليمين واليسار ويؤيّده الروايات الكثيرة الدالّة على استحباب الصلاة عند رأس الإمام الظاهرة في جواز الصلاة مع التساوي ولا مجال لحملها على التأخّر بمقدار لا يصدق المحاذاة والمساواة بعد عدم الدليل على المنع فيها .
( الصفحه 436 )
ثمّ إنّ الظاهر صدق عنوان القبر على الصندوق المنصوب عليه فإنّه بمنزلة الحجر المنصوب عليه الذي يصدق على وضع اليد عليه انّه وضع اليد على القبر وعلى تقبيله انّه تقبيله ، وامّا الشباك المنصوب عليه فالظاهر انّه لا يصدق عليه القبر وقيام السيرة على معاملتهم معه معاملة القبر في آداب الزيارة كوضع الخدّ عليه ليس لأجل كونه قبراً بل إنّما هو لأجل المجاورة القريبة معه مع عدم تمكّنهم من الوصول إليه نوعاً .
ثمّ إنّ الحائل والبعد المفرط المخرج عن صدق التقدّم والمحاذاة عرفاً يكفي في رفع المنع والكراهة والظاهر انّ الشباك على تقدير عدم كونه قبراً لا يعدّ حائلا أيضاً عرفاً كما لايخفى .
( الصفحه 437 )
مسألة 10 ـ لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي إلاّ مع تعدّي النجاسة غير المعفو عنها إلى الثوب أو البدن ، نعم تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ ، كما يعتبر فيه أيضاً مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً ، والأفضل التربة الحسينية التي تخرق الحجب السبع وتنور إلى الأرضين السبع على ما في الحديث ، ولا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضة والزجاج والقير ونحو ذلك ، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد ، والأقوى جوازه على الخزف والاجر والنورة والجص ولو بعد الطبخ ، وكذا الفحم ، وكذا يجوز على طين الأرمني وحجر الرحى وجميع أصناف المرمر إلاّ ما هو مصنوع ولم يعلم انّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها ، ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما والفواكه والبقول المأكولة ، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل ، ولا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها دون المتصل بها إلاّ مثل قشر التفاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً ، أو يأكله بعض الناس ، وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط ، نعم لا بأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللب المأكول ، ومع عدم مأكولية لبّه ولو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقاً كما لا بأس بغير المأكول كالنظل والخرنوب ونحوهما ، كما لا بأس بالتبن والقصيل ونحوهما ، ولا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه ، والأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة والشعير وكذا على قشر البطيخ ونحوه ، ولايبعد الجواز على قشر الارز والرمّان بعد النفصال .
( الصفحه 438 )
والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول فلا يجوز على القطن والكتان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل ، نعم لا بأس على خشبتهما وغيرها كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتخاذ الملابس المعتادة منها ، فلا بأس حينئذ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص مثلا فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها ، والأحوط ترك السجود على القنب ، كما انّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات كالمتخذ من الحرير والابريسم وإن كان الأقوى الجواز مطلقاً 1 .
1 ـ امّا عدم اعتبار الطهارة في مكان المصلّي غير مسجد الجبهة فيأتي البحث فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ في باب السجود . وامّا اعتبار كون ما يسجد عليه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً فهو المقصود بالبحث هنا ، وتفصيل الكلام فيه انّ اعتبار هذا الشرط فيما يسجد عليه المصلّي يكون ممّا تفرّدت به علمائنا الإمامية من غير خلاف بينهم خلافاً لسائر فرق المسلمين حيث لم يعتبروا فيما يسجد عليه شيئاً ومقتضى ذلك جواز السجود على كلّ شيء ولو كان من الأعيان النجسة .
ومنشأ الاعتبار ، الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب الدالّة عليه عموماً أو خصوصاً بمعنى النهي عن السجود على بعض ما ليس من الأرض وكذا عن بعض المأكولات والملبوسات .
وممّا يدلّ على ذلك ـ بنحو العموم ـ صحيحة هشام بن الحكم انّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : اخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز قال : السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس ، فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال : لأنّ السجود خضوع لله ـ عزّوجلّ ـ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في
( الصفحه 439 )
عبادة الله ـ عزّوجلّ ـ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (الحديث) .
وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس . وعدم التعرّض لنفس الأرض امّا لأجل كونها مستفادة من طريق الأولوية وامّا لأجل كون الرواية مسوقة لبيان الاستثناء المتحقّق في خصوص النبات دون الأرض لعدم استثناء شيء منه ، ويحتمل أن يكون «ما أنبتت الأرض» كناية عن الأرض ونباتها وتؤيّده الرواية الآتية الواردة في الزجاج .
ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب الدالّة على اعتبار ما ذكر فيما يسجد عليه المذكورة في «الوسائل» فلا إشكال في الحكم في الجملة ، نعم لابدّ من التكلّم في الفروع في ضمن اُمور :
الأوّل : لا خفاء في أنّ المراد بالأرض التي يجوز السجدة عليها ليس هو الأرض في مقابل السماء الذي هو عبارة عن مجموع هذه الكرة من بسائطها ومركباتها ، بل المراد بها هي الأرض بمعنى المواد الأوّلية القابلة للتغيير إلى المعادن والنباتات والحيوانات وهي عبارة عن التراب والحجر والرمل والحصى فيجوز السجود على التراب من دون فرق بين أن يكون تراباً خالصاً أو تراباً معدنياً مشتملا على ذرّات الذهب أو الفضّة أو غيرهما من المعدنيات لعدم خروجه عن صدق التراب وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزية ولذا لا يجوز السجود على مثل الذهب والفضّة وغيرهما من المعادن الخارجة عن صدق الأرض .