( الصفحه 445 )
ضرورة اختلاف الأشياء في ذلك اختلافاً بيّناً وكذلك الحال فيما لبس ، أو يكون بلحاظ اعداد الناس إيّاه للأكل أو اللبس سواء كان مستعدّاً في نفسه لذلك أم لا . والظهور الأوّلي للجملة المذكورة إرادة الشخص المتلبّس بالمبدأ لكن حيث عرفت امتناعه يدور الأمر بين إرادة الفعلية بالمعنيين الأخيرين وبين إرادة الاستعداد والثاني منهما أيضاً أظهر ، كما انّ الأظهر الحمل على الاستعداد الذاتي لا العرضي لاحتياج الثاني إلى عناية زائدة لا قرينة عليها ، نعم يساعده التعليل في صحيح هشام; لأنّ أهل الدنيا إنّما يعبدون ما أعدوه لأكلهم ولبسهم ، ولا يكفي في كون الشيء معبوداً لهم كونه مستعدّاً للأكل أو اللبس في نفسه» .
وما أفاده وإن كان حسناً إلاّ انّ الأحسن منه أن يراد بالمأكول ما أعدّه الله سبحانه لأكل الإنسان حتّى يشمل مثل العقاقير والأدوية المأكولة في حال المرض وإن كانت خالية عمّا يحسن لأجله أن يؤكل من خصوصيات الطعم والرائحة ، وعليه فالضابط هو اعداد الله تعالى إيّاه لأن يأكله الإنسان ولو في حال المرض الذي يطرأ الإنسان نوعاً ولابدّ لرفعه من التداوي ، نعم لا يشمل مثل العلف الذي تأكله الدواب إذا اتفق أكله للإنسان لأجل الضرورة الباعثة على أكله حفظاً للنفس كالمخمصة ونحوها كما انّه لا يشمل مثله إذا صار مأكولا لبعض الأفراد النادرة على خلاف الطبيعة لأنّ ذلك لا يوجب صدق اعداد الله تعالى إيّاه لأكل الإنسان كما لايخفى .
نعم لو كان مأكولا لبعض الأصناف كما إذا كان الشيء مأكولا في بعض البلاد دون بعض فالظاهر صدق ذلك وكونه مأكولا .
وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز السجود على الثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل لأنّها ممّا أعدّه الله تعالى لأكل الناس وإن كان أكله متوقّفاً على مرور
( الصفحه 446 )
زمان فهي تكون مثل الحنطة والشعير الذي يتوقّف أكله على العلاج لعدم الفرق بين العلاج وبين مرور الزمان بوجه . وامّا قشور الثمار فقد فصل فيها في المتن بين ما إذا كانت منفصلة عنها وبين ما إذا كانت متّصلة بها بالحكم بجواز السجود في الأوّل دون الثاني ، والوجه في العدم مع الاتصال انّها في هذه الصورة تعدّ جزءً للثمرة المأكولة ويصدق على السجود عليها انّه سجود على المأكول وهذا بخلاف صورة الانفصال الذي يكون القشر معه شيئاً مستقلاًّ غير معدود جزء من الثمرة والمفروض عدم كونه مأكولا فلا مانع من السجود عليه وقد استثنى منه مثل قشر التفاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً أو يأكله بعض الناس فإنّ المأكولية ـ تبعاً أو أحياناً أو عند بعض ـ تدخله في المأكول بالمعنى المذكور ولا ينافيه كون الحكمة من خلقه إنّما هي صيانة الثمرة وحفظها من الآفات فإنّ ذلك لا ينافي كونه مأكولا أيضاً .
وامّا قشور الحبوب التي تؤكل معها تبعاً فقد احتاط فيها في المتن وجوباً والوجه فيه ما ذكرنا في مثل قشر التفاح والفرق انّ قشر التفاح ربّما يؤكل أحياناً مستقلاًّ أو يأكله بعض الناس بخلاف قشر الحبّ الذي لا يؤكل إلاّ تبعاً فتدبّر .
وامّا قشر نوى الأثمار فإن كان متّصلا به فالظاهر عدم جواز السجود عليه إذا كان اللب مأكولا لصدق السجود على المأكول عليه وكونه معدوداً جزء له ، وامّا إذا لم يكن اللب مأكولا ولو بعلاج أو في حال المرض للتداوي فلا مانع من السجود عليه أصلا كما انّه إذا كان منفصلا عنه ولو في الصورة الاُولى يجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا وعدم كونه جزء من المأكول بوجه .
وامّا مثل الحنظل والخرنوب من الثمار غير المأكولة فيجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا ، نعم في بعض الروايات استثناء مطلق الثمرة من دون تقييد بكونها
( الصفحه 447 )
مأكولة كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكلّ نبات إلاّ الثمرة . بناء على ما في الفقيه المطبوع ، وامّا في التهذيب فالثمرة بدل الثمرة ، نعم في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : اسجد على الزفت يعني القير؟ فقال : لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شيء من الحيوان ولا على طعام ولا على شيء من ثمار الأرض ولا على شيء من الرياش .
ولكن الظاهر لزوم التقييد بالمأكول كما هو مقتضى النص والإجماع فيخرج مثل الحنظل والخرنوب ، نعم لو تداول استعمالهما في الأدوية لشفاء بعض الأمراض كما لا تبعد دعواه فالظاهر ـ حينئذ ـ عدم الجواز لما عرفت من شمول المأكول لما يتداوى به في حال المرض .
وامّا التبن والقصيل ونحوهما فيجوز السجود عليها لأنّ المتبادر عند العرف من المأكول المستثنى في الروايات هو المأكول للإنسان ولا يعمّ مأكول الحيوان وقد عرفت انّ الأكل في حال المخمصة والاضطرار لا يوجب صدق المأكولية .
وامّا التتن فيجوز السجود عليه وإن كان لفظ الشرب يضاف إليه والمأكول في الدليل يكون أعمّ من المشروب وذلك لأنّ إطلاق ذلك اللفظ عليه لا يوجب صدق كونه مأكولا كما لا يخفى .
وامّا نخالة الحنطة والشعير وقشر البطيخ ونحوه فقد احتاط في المتن بترك السجود عليها والوجه فيه تعلّق الأكل بها أحياناً أو بالتبع وإن لم تكن في هذه الجهة مثل قشر التفاح والخيار الذي لا يكون أكله خروجاً عن المتعارف .
وامّا قشر الأرز والرمان بعد الانفصال فلا يبعد جواز السجود عليه كما في المتن لعدم كونه مأكولا ولا جزء من المأكول بعد فرض الانفصال .
( الصفحه 448 )
الرابع : انّه قد وقع الخلاف في جواز السجود على القطن والكتّان والمشهور شهرة عظيمة بل عن التذكرة والمهذب البارع والمقتصر نسبته إلى علمائنا ، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه هو المنع وقد جعله المحقّق في الشرائع هو الأشهر عن السيّد في بعض رسائله الجواز ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب .
امّا ما يدلّ على المنع ـ فمضافاً إلى ما يدلّ على المنع عن السجود على الملبوس بعد كون المراد منه ما أعدّ للّبس لا ما يكون ملبوساً فعلا ، ومن المعلوم انّ القطن والكتّان معدّان لذلك لو لم نقل بندرة الملبوس من غيرهما ـ خبر الأعمش المتقدّم في صدر المسألة المروي في الخصال عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان . وخبر أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان .
وامّا ما يدلّ على الجواز فمنها رواية ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسن (عليه السلام)وأنا اُصلّي على الطبرى وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه فقال لي : ما لك لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض . بناء على أن يكون الطبرى شيئاً معهوداً متّخذاً من القطن والكتّان كما يظهر من كلمات جماعة ولكنّه حكى عن بعض انّه الحصير الذي يعمله أهل طبرستان وعليه فلا ترتبط بالمقام .
ومنها : رواية داود الصرمي قال : سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة؟ فقال : جائز .
ومنها : رواية الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقية ولا ضرورة فكتب
( الصفحه 449 )
إليّ : ذلك جائز .
ومنها : رواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : انّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً .
ويمكن المناقشة في روايات الجواز بكون الطبرى في رواية الياسر مجملا كما عرفت وداود الصرمي لم يثبت اعتبار حديثه لعدم النص على توثيقه ، بل ولا على مدحه بنحو يعتدّ به والصنعاني مهمل ورواية منصور مشتملة على الضعف من حيث الدلالة لورودها في مورد الضرورة وسيأتي الكلام فيها فروايات الجواز فاقدة لوصف الاعتبار ولا تصلح للمعارضة لأدلّة المنع .
ومع قطع النظر عن هذه المناقشة يجمع بين الطائفتين بوجوه :
الأوّل : حمل الطائفة الثانية على أصل الجواز والأولى المانعة على الكراهة لأنّه مقتضى حمل الظاهر على النصّ أو الأظهر .
ويدفعه انّ حمل الطائفة المانعة على الكراهة لا يناسب عطفهما على المأكول كما في حديث شرائع الدين لوحدة السياق .
الثاني : حمل الطائفة الثانية على حال الضرورة أو التقية والأولى على حال الاختيار .
ويرد عليه منافاة ذلك مع وقوع التقييد بغير تقية أو بغيرها ولا ضرورة في السؤال فيها كما لا يخفى .
الثالث : حملها على ما قبل النسج وحمل الطائفة المانعة على ما بعده .
ويبعده انّ المأخوذ في كلتا الطائفتين هو عنوان القطن والكتّان ولا شاهد على هذا الحمل بعد كون المأخوذ عنواناً واحداً .