( الصفحه 450 )
نعم الأنسب بمعنى العنوانين هو ما قبل النسج لأنّ المنسوج منهما إنّما يطلق عليه الثوب ونحوه ، ولكنّك عرفت وحدة التعبير في الدليلين إلاّ أن يقال : إنّ الطائفة المجوّزة تصير قرينة على التصرّف في خصوص المانعة بحملها على ما بعد النسج فيكون التصرّف في أحد الدليلين بمقتضى حمل الآخر على معناه الحقيقي أو الأنسب .
وذكر بعض المحقّقين من المعاصرين في كتاب صلاته في مقام الجمع بين الطائفتين ما ملخّصه :
«انّه يمكن أن يقال : إنّ القطن والكتّان ليسا ممّا يطلق عليه الملبوس بقول مطلق فإنّ الظاهر من الملبوس في الأخبار المتضمّنة لمنع السجود عليه هو ما أعدّ للّبس ، ومجرّد قابلية الشيء لأن يكون ملبوساً لا يوجب صدق عنوان الملبوس عليه فعلى هذا يكون كلّ من القطن والكتّان على قسمين : قسم يكون معدّاً للّبس وقسم يكون معدّاً للافتراش ونحوه وحينئذ فنقول : إنّ الأخبار المجوّزة للسجود على مطلق القطن والكتّان تخصّصها الأخبار المانعة عن السجود على الملبوس فإنّ إخراج الملبوس من خصوص القطن والكتّان عن تحت أدلّة المنع يوجب تقييد موردها بالفرد النادر وهو الملبوس من غيرهما من جنس النباتات بل لعلّه لم يكن موجوداً في زمن صدور الأدلّة فلابدّ من حفظ الملبوس من جنسهما تحت أدلّة المنع وتقييد مورد أدلّة الجواز بغير ما يكون معدّاً للّبس كالفراش ونحوه وحينئذ فلو قلنا بأنّ العام المخصّص بالتخصيص المنفصل في حكم الخاص يخصّص بأدلّة الجواز عموم الأخبار الناهية عن السجود على القطن والكتّان ويقيد موردها بما يكون ملبوساً» .
ولكنّه مبني على ما أفاده من صيرورة العام المخصّص بالتخصيص المنفصل في
( الصفحه 451 )
حكم الخاص وهو خلاف ما هو التحقيق المقرّر في محلّه فإنّ ذلك لا يوجب صيرورته في حكم الخاص بل هو باق على عمومه وحاله مع عام آخر قبل خروج فرد من أحدهما وبعده سواء .
ثمّ إنّه على تقدير التعارض وعدم إمكان الجمع وثبوت الحجّية في كلتا الطائفتين من حيث أنفسهما فالترجيح مع الطائفة المانعة لموافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات ـ على ما قرّر في محلّه ـ .
وقد انقدح ممّا ذكر عدم جواز السجود على القطن والكتّان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل ، نعم لا بأس على خشبتهما وغيرها كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتخاذ الملابس المعتادة منها فلا بأس بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها .
وامّا القنب فربّما يقال بكونه من الملبوس لإمكان لبسه في هذا الزمان باعمال الصنعة والعلاج ، كما انّه ربّما يقال : بأنّ ما يسمّى في زماننا بالشعرى متّخذ منه ، وعلى أيّ حال فإن ثبت كونه ملبوساً ولو في بعض البلدان أو في هذا الزمان فلا يجوز السجود عليه فتدبّر .
الخامس : يجوز السجود على القرطاس ولا إشكال ولا خلاف فيه في الجملة ويدلّ عليه روايات :
منها : صحيحة صفوان الجمّال قال : رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يؤمى ايماءاً .
ومنها : صحيحة علي بن مهزيار قال : سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب : يجوز .
ومنها : صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه كره أن يسجد على
( الصفحه 452 )
قرطاس عليه كتابة .
ولا إشكال في دلالتها على جواز السجود على القرطاس ، وإنّما الإشكال في أمرين :
أحدهما : انّه هل يستفاد منها إطلاق جواز السجود على القرطاس فيشمل القرطاس المأخوذ من غير النبات كالحرير والابريسم أو لا يشمل مثله لعدم ثبوت الإطلاق في الروايات والظاهر هو الوجه الثاني; لأنّه مضافاً إلى أنّ القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة في المدينة وغيرها كانت معمولة من الخشب وشيء من النورة لأنّها كانت هي القراطيس المصنوعة في بلد مصر المحمولة منه إليها ، بل الظاهر كما يشهد به التاريخ انّ القراطيس المعمولة في الصين الذي كان أهله متقدّماً في هذه الصنعة على أهل سائر البلاد كان أصلها من الخشب نقول : لا دلالة لشيء منها على الإطلاق بوجه .
امّا صحيحة صفوان فلأنّها مشتملة على حكاية فعل الإمام (عليه السلام) ومن المعلوم انّ الفعل لا إطلاق له ، نعم لو كان الحاكي هو الإمام الآخر وكان غرضه من الحكاية بيان الحكم يمكن الاستدلال بإطلاق كلامه مع عدم أخذ قيد فيه لكن الحاكي في الرواية هو الراوي دون الإمام (عليه السلام) .
وامّا صحيحة ابن مهزيار فمفادها انّ الكتابة لا تمنع عن جواز السجود على القرطاس ، وامّا انّ القرطاس الذي يجوز السجود عليه فهو مطلق القرطاس أو خصوص نوع منه فلا دلالة لها عليه .
وبعبارة اُخرى مرجع السؤال إلى انّ القرطاس الذي يجوز السجود عليه من دون كتابة إذا كان مكتوباً عليها هل يجوز السجود عليه أم لا ولم يعلم ذلك القرطاس كما لا يخفى .
( الصفحه 453 )
وامّا صحيحة جميل فمفادها انّه لا كراهة أو لا منع في قرطاس ليس عليه كتابة ولكنّها ليست بصدد إفادة هذا الحكم حتّى يستدلّ بإطلاقها ، بل بصدد بيان كون الكتابة موجبة للكراهة الاصطلاحية أو المنع بناء على كون الكراهة بمعنى الحرمة .
وبالجملة لم يظهر من شيء من الروايات إطلاق الحكم بجواز السجود على القرطاس والقدر المتيقّن خصوص القرطاس المتّخذ ممّا يصحّ السجود عليه كالنبات غير المأكول والملبوس .
ثانيهما : انّه لابدّ من ملاحظة دليل جواز السجود على القرطاس مع الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم جواز السجود على الأرض أو نباتها لأنّ مقتضى تلك الروايات انّ ما يصحّ السجود عليه لا يتجاوز عن العنوانين ومقتضى روايات القرطاس انّ هنا عنواناً ثالثاً غير الأرض ونباتها وهذا من دون فرق بين أن يكون الحكم بجواز السجود على القرطاس مطلقاً أو مختصّاً بما إذا كان متّخذاً من خصوص ما يصحّ السجود عليه امّا على الفرض الأوّل فواضح ، وامّا على التقدير الثاني فلأنّ الحكم بالجواز وإن كان منحصراً فيما ذكر إلاّ انّ الظاهر انّ القرطاس المتّخذ من النبات لا يطلق عليه النبات بوجه لزوال الروح النباتي وكذا الجسم النباتي عنه ولا يكون في العرف من مصاديق النبات بوجه فعلي كلا التقديرين يكون في البين عنون ثالث ولا مانع من الالتزام به بعد كون مقتضى التوفيق العرفي بين روايات القرطاس والروايات الظاهرة في انحصار جواز السجود بالعنوانين هو التصرّف في ذلك الظهور والالتزام بثبوت عنوان آخر لنصوصية هذه الروايات في انّ عنوان القرطاس له دخل في جواز السجود كما لا يخفى .
( الصفحه 454 )
مسألة 11 ـ يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه فلا يجوز على الوحل غير المتماسك ، بل ولا على التراب الذي لا يتمكّن الجبهة عليه . ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين وإن لصق بجبهته لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً ولو لم يكن إلاّ الطين غير المتماسك سجد عليه بالوضع من غير اعتماد 1 .
1 ـ الوجه في اعتبار كون ما يسجد علهى بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه مضافاً إلى اعتبار ذلك في السجود على الشيء كما يأتي البحث عنه في بابه إن شاء الله تعالى موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال : إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض . فإنّ مفادها انّ الطين إذا كان غير متماسك بحيث يوجب غرق الجبهة فيه وعدم استقرارها عليه لا يجوز السجود عليه فتدلّ على اعتبار إمكان تمكين الجبهة فيما يسجد عليه ، وعليه فلو كان التراب أيضاً بهذه الكيفية لا يجوز السجود عليه ، كما انّه إذا أمكن التمكين في الطين بأن كان متماسكاً يجوز السجود عليه وإن كان ملازماً للصوق بعض أجزائه بالجبهة لكنّه اخذا كان حاجباً تجب إزالته للسجدة الثانية هذا كلّه مع الاختيار .
وامّا في صورة الاضطرار بأن لم يكن عنده إلاّ الطين غير المتماسك فقد ذكر في المتن انّه يسجد عليه بالوضع من غير اعتماد والوجه فيه قاعدة الميسور التي يظهر منهم التسالم على العمل بها في أمثال المقام نظراً إلى اعتبار أمرين في السجود وهما الوضع والتمكين فإذا لم يمكن التمكين يتعيّن خصوص الوضع .