( الصفحه 467 )
السجود عليه بمجرّد قطع الصلاة ورفع اليد عنها لا يتحقّق عنوان الاضطرار بوجه فالصحيحة تدلّ على الجواز في خصوص الصورة الثانية فتدبّر .
( الصفحه 468 )
مسألة 15 ـ يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قاراً غير مضطرب ، فلو صلّى اختياراً في سفينة أو على سرير أو بيدر فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته ، وإن حصل بحيث يصدق انّه مستقرّ مطمئن صحّت صلاته وإن كانت في سفينة سائرة وشبهها كالطيارة والقطار ونحوهما لكن تجب المحافظة على بقية ما يعتبر فيها من الاستقبال ونحوه ، هذا كلّه مع الاختيار ، وامّا مع الاضطرار فيصلّي ماشياً وعلى الدابة وفي السفينة غير المستقرّة ونحوها مراعياً للاستقبال بما أمكنه من صلاته ، وينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان ، فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلاّ في تكبيرة الاحرام اقتصر عليه ، وإن لم يتمكّن منه أصلا سقط لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب ، وكذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله ، ويسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه 1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في صورة الاختيار ويستفاد من المتن اعتبار الاستقرار في هذه الصورة من جهة المكان الذي يصلّى فيه الفريضة ومنشأ ذلك الروايات الواردة في الصلاة على الدابة أو في السفينة أو على الرفّ المعلّق بين نخلتين ولابدّ من ملاحظتها والتحقيق في مفادها .
فنقول : امّا ما ور في الصلاة على الدابة الدالّ على النهي عنها في حال الاختيار فمنها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يصلّى على الدابة الفريضة إلاّ مريض يستقبل به القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء ويؤمى في النافلة إيماء .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أيصلّي الرجل شيئاً
( الصفحه 469 )
من المفروض راكباً ؟ فقال : لا إلاّ من ضرورة .
ومنها : غير ذلك ممّا ورد بهذا المضمون .
وهل المستفاد من هذه الروايات انّ المنع عن الصلاة على الدابّة في حال الاختيار إنّما هو لاستلزامها الإخلال بالاستقرار بمعنى الطمأنينة وعدم التحرّك أو انّ المنع عنها في تلك الحال إنّما هو لأجل انّ عدم الكون على الدابة من جملة شرائط الصلاة تعبّداً في مقابل سائر الشرائط أو انّ المنع عنها إنّما هو لأجل استلزامها نوعاً للاخلال بالقبلة أو القيام أو السجود على المساجد السبعة ، وبعبارة اُخرى لأجل استلزامها فقدان بعض ما يعتبر فيها من الاُمور المذكورة؟
والاستدلال بها على اعتبار كون المكان قاراً إنّما يبتني على الاحتمال الأوّل ولا مجال لدعوى تعيّنه إلاّ القول بأنّ المتفاهم عند العرف من النهي عن الصلاة على الدابة هو استلزامها للإخلال بالاستقرار خصوصاً مع ملاحظة معنى الدابة بحسب اللغة المساوق للتحرّك وعدم الاستقرار .
وامّا ما ورد في السفينة فظاهر بعضها الجواز مطلقاً وظاهر البعض الآخر عدم الجواز إلاّ في حال الضرورة .
امّا ما يدلّ على الجواز مطلقاً فكصحيحة جميل بن دراج انّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : تكون السفينة قريبة من الجد (الجدد) فأخرج واُصلّي؟ قال : صلِّ فيها أما ترضى بصلاة نوح (عليه السلام) .
وموثقة المفضل بن صالح قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة قال : إن صلّيت فحسن وإن خرجت فحسن . وغيرهما من الروايات الظاهرة في الجواز كذلك .
وامّا ما يدلّ على المنع في حال الاختيار فكصحيحة حمّاد بن عيسى قال : سمعت
( الصفحه 470 )
أبا عبدالله (عليه السلام) يسئل عن الصلاة في السفينة فيقول : إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا ، فإن لم يقدروا فصلّوا قياماً ، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً وتحروا القبلة .
ورواية علي بن إبراهيم قال : سألته عن الصلاة في السفينة قال : يصلّي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ولا يصلّي في السفينة وهو يقدر على الشط وقال : يصلّي في السفينة يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يصلّي كيف ما دارت . وغيرهما ممّا هو بهذا المضمون .
والجمع بينهما بحمل الطائفة الثانية على الاستحباب مخالف للترغيب الذي يدلّ عليه الاُولى بقوله (عليه السلام) : أما ترضى بصلاة نوح الذي لا يخلو من الإشعار باستحباب الصلاة في السفينة في حال الاختيار .
والمتعيّن هو حمل أدلّة المنع على صورة عدم إمكان الصلاة تامّة بالإتيان بها بجميع الخصوصيات المعتبرة فيها من القيام والقبلة وغيرهما وحمل أدلّة الجواز على صورة الإمكان ، وعليه فالمستفاد من مجموع الروايات الواردة في السفينة انّ المنع عن الصلاة فيها إنّما هو لأجل استلزامها الإخلال ببعض الخصوصيات المعتبرة فيها ، وامّا انّ من جملة تلك الخصوصيات هو الاستقرار بعد فرض عدم دليل على اعتباره غير هذه الروايات فلا . وبعبارة اُخرى الكلام في استفادة اعتبار الاستقرار من نفس هذه الروايات ولا دلالة فيها عليه والمفروض انّه لم يقم دليل عليه غيرها وليس هو مثل القيام والقبلة والسجود على المواضع السبعة وغيرها ممّا دلّ على اعتباره أدلّة اُخرى .
وامّا ما ورد في الرفّ المعلّق بين نخلتين فهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي على الرفّ
( الصفحه 471 )
المعلّق بين نخلتين؟ فقال : إن كان مستوياً يقدر على الصلاة فيه فلا بأس . ولا دلالة فيها أيضاً إلاّ على كون الحكم بالجواز معلّقاً على القدرة على الصلاة فيه تامّة بجميع الخصوصيات المعتبرة فيها ، وامّا انّ من جملة تلك الخصوصيات هو الاستقرار أيضاً فلا دلالة له عليه خصوصاً بعد استلزام الصلاة على الرف الكذائي لعدم الاستقرار نوعاً .
والتحقيق أن يقال : إنّ الاستقرار تارة يستعمل في مقابل المشي والحركة واُخرى في مقابل الاضطراب وعدم الطمأنينة وقد وقع البحث عن اعتباره في الصلاة في مقامين هما مكان المصلّي واعتبار كونه قاراً والقيام في حال الصلاة واعتبار كونه في حال الاستقرار والدليل في كلا المقامين إنّما ينحصر بالروايات المذكورة الواردة في الدابة والسفينة والرفّ المذكور وقد عرفت انّه لا دلالة لشيء منها على اعتبار الاستقرار في الصلاة زائداً على سائر الخصوصيات المعتبرة فيها من القيام ونحوه ، بل لها دلالة على عدم اعتباره بالمعنى الأوّل المقابل للمشي والحركة ضرورة ثبوت الحركة في الصلاة على الدابة وفي السفينة ولو تبعاً لهما ، وامّا بالمعنى الثاني الذي هو مراد المتن ـ للتعبير بالاطمئنان فيه ـ فلا دلالة لها عليه نفياً وإثباتاً .
نعم استدلّوا على اعتبار الاستقرار بهذا المعنى في باب القيام الذي هو من أفعال الصلاة برواية هارون بن حمزة الغنوي التي رواها المشايخ الثلاثة انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة فقال : إن كانت محمّلة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرّك فصلِّ قائماً ، وإن كانت خفيفة تكفأ فصلِّ قاعداً . ولكن الظاهر انّ التفصيل إنّما هو من جهة القدرة على القيام في الصورة الاُولى وعدمها في الصورة الثانية لا من جهة الاستقرار وعدمه فتدبّر .