( الصفحه 527 )
غير القبلة إذا كانت متعلّقة للنذر وغيره وانّه هل لا يكون الاستقبال معتبراً فيها كذلك ، وكذا في اعتبار الاستقبال فيما إذا صارت الفريضة مستحبّة كصلاة المعادة جماعة بعد الإتيان بها فرادى ومنشأ الإشكال انّ عنوان الفريضة المأخوذ في الأدلّة هل يكون المراد به ما هو واجب بالفعل ويلزم على المكلّف الإتيان به كذلك أو انّ التعبير به إنّما هو للإشارة إلى العناوين المفروضة بالذات وكذا عنوان النافلة المأخوذ في دليل عدم اعتبار الاستقبال هل المراد به ما هو مستحبّ بالفعل ولو كان بحسب عنوانه واجباً أو أنّه إشارة إلى العناوين المستحبّة كصلاة الليل ونحوها ، فعلى الأوّل تلزم رعاية الاستقبال في النافلة لامنذورة لوجوبها بالفعل ولزوم الإتيان بها على المكلّف كذلك كما انّه لا تلزم رعايته في الصلاة المعادة لعدم وجوبها فعلا ، وعلى الثاني ينعكس الحكم فيعتبر في الثاني دون الأوّل كما لا يخفى ، هذا ما يستفاد من كلماتهم .
ولكن الظاهر انّه لا مجال لهذا البحث أصلا لعدم صيرورة النافلة واجبة أصلا ولو كانت متعلّقة للنذر ونحوه وذلك لما مرّ سابقاً من أنّ تعلّق النذر بالنافلة لا يوجب صيرورة النافلة واجبة فإنّ الوجوب الجائي من قبل النذر إنّما يكون متعلّقاً بالوفاء بالنذر الذي هو عنوان خاصّ ، ومجرّد تحقّق الوفاء بالنذر خارجاً بسبب الإتيان بالمنذور لا يوجب تغيّر حكمه لعدم سراية الحكم من متعلّقه إلى شيء آخر ولو كان متّحداً معه وجوداً بل لا يعقل التغيّر فإنّ اتصاف صلاة الليل ـ مثلا ـ بالاستحباب إنّما يكون له دخل في صحّة النذر وانعقاده ووجوب الوفاء به وذلك لاعتبار الرجحان في متعلّقه الذي هو ملازم لثبوت الاستحباب في المقام ، وعليه فكيف يمكن أن يكون الوجوب المتفرّع على الاستحباب موجباً لزواله وقيامه مقامه واجتماعهما أيضاً مستحيل بداهة ، وعليه فلا يعقل أن يكون النذر مغيّراً
( الصفحه 528 )
للاستحباب الثابت للمنذور قبل تعلّق النذر ، فكما انّ تعلّق النذر بالفعل الواجب لا يوجب زوال وجوبه وقيام الوجوب النذري مقامه فكذلك إذا كان المنذور مستحبّاً فإنّه لا يتغيّر حكمه الاستحبابي بسبب تعلّق النذر .
فانقدح انّ النافلة لا تصير واجبة بوجه حتّى يبحث في اعتبار الاستقبال فيها مطلقاً أو في حال عدم الاستقرار ووجوب صلاة الليل أو خصوص الوتر على النبي (صلى الله عليه وآله) لا دلالة له على صيرورة النافلة واجبة فإنّ صلاة الليل عنوان خاص يختلف حكمه باختلاف الافراد فبالاضافة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يكون واجباً وبالنسبة إلى غيره يكون مستحبّاً فالنافلة لم تصر واجبة بل ما كانت نافلة في حقّنا تكون واجبة في حقّه (صلى الله عليه وآله) وهو غير ما نحن فيه ، هذا والظاهر انّ الفريضة أيضاً لا تصير مستحبّة حتّى يبحث فيها كذلك وصلاة المعادة جماعة لا تكون شاهدة على هذا أمر وذلك لأنّ متعلّق الاستحباب ليس هي نفس صلاة الظهر ـ مثلا ـ الفريضة التي أتى بها فرادى بل متعلّقه هو عنوان الإعادة جماعة وهذا يغاير عنوان الصلاة التي هي فريضة كعنوان الجماعة المستحبّ فيها .
وبعبارة اُخرى الصلاة المعادة لها حيثيتان فباعتبار كونها صلاة الظهر فريضة واجبة وباعتبار كونها تكراراً لصلاة الظهر وإعادة لها جماعة مستحبّة ولا يلزم من ذلك وجوب الإتيان بها ثانياً فإنّ متعلّق الوجوب هي نفس العنوان من دون مدخلية التعدّد والتكرّر فلا وجه للزوم الإتيان بها كذلك فصلاة الفريضة لا تصير مستحبّة بوجه فلا مجال للبحث المذكور أصلا .
ثمّ إنّه لم يقع التعرّض في المتن للقبلة وانّها أيّ شيء وكذا للخصوصيات المعتبرة في الاستقبال وكذا للبحث عن المستقبل بالكسر وانّه هل يكون فرق بين القريب والبعيد أم لا ونحن نتعرّض لها في ضمن اُمور :
( الصفحه 529 )
الأوّل : انّه لا شكّ في أنّ قبلة المسلمين هي الكعبة المشرّفة والظاهر انّه لا فرق في ذلك بين من كان في المسجد ومن كان في الحرم خارجاً عن المسجد ومن كان خارجاً عنهما وقد حكى ذلك عن السيّد وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن إدريس والمحقّق في بعض كتبه ونسب إلى المتأخّرين بل إلى الأكثر والمشهور ، ولكنه حكى عن الشيخين وجماعة من القدماء وبعض المتأخّرين انّ الكعبة قبلة لمن في المسجد والمسجد قبلة لمن في الحرم والحرم قبلة لمن خرج عنه ، وفي الشرائع انّه الأظهر ، وفي الذكرى نسبه إلى أصحابنا ، وعن الخلاف الإجماع عليه ونقول :
امّا الآيات الواردة في القبلة فمفاد جميعها هو وجوب تولية الوجه شطر المسجد الحرام ومحلّ نزولها إنّما هي المدينة المنوّرة التي تكون خارجة عن الحرم فمن جهة دلالتها على وجوب التوجّه شطر المسجد يدلّ على أنّ الحرم لا يكون قبلة بوجه والظاهر انّ المراد بالمسجد الحرام فيها هي نفس البيت شرّفه الله تعالى والتعبير عنه به إنّما هو لأجل قلّة التفاوت بينهما من حيث المقدار لأنّ عدم دلالتها على حكم من يصلّي في نفس المسجد بل كانت الصلاة ـ حينئذ ـ في المسجد كالصلاة في جوف الكعبة كما هو ظاهر . فانقدح انّ المراد من المسجد في الآيات الواردة إنّما هي الكعبة ويؤيّده انّ تولية الوجه شطره في مثل المدينة يوجب التولية شطر الكعبة فتدبّر .
وامّا الروايات فكثيرة منها تدلّ على المشهور بل ربّما تبلغ عشرين رواية مثل رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : متى صرف رسول الله (صلى الله عليه وآله)إلى الكعبة؟ قال : بعد رجوعه من بدر . وفي نقل آخر عنه ـ الذي جعله في الوسائل رواية مستقلّة مع أنّها لا تكون كذلك ـ زيادة : وكان يصلّي في المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً ثمّ اُعيد إلى الكعبة . فإنّ دلالتها على انّه (صلى الله عليه وآله) قد صرف إلى الكعبة مع كونه في المدينة واضحة وكان ذلك مسلّماً عند الراوي ولذا لم يسئل
( الصفحه 530 )
عنه بل انّما سئل عن زمان صرف فيه الرسول إلى الكعبة .
ورواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث قال : قلت له : إنّ الله أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس قال : نعم ألا ترى انّ الله يقول : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرسول) الآية ثمّ قال : إنّ بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم : إنّ نبيّكم صرف إلى الكعبة فتحوّل النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين .
ورواية عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث انّ الله بعث جبرئيل إلى آدم فنزل غمام من السماء فأظلّ مكان البيت فقال جبرئيل : يا آدم خطّ برجلك حيث أظل الغمام فإنّه قبلة لك ولآخر عقبك من ولدك الحديث . وغير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة عليه ، مع أنّه ربّما يقال كما في محكي حاشية المدارك : انّ كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين والمذهب حتّى انّ الإقرار به يلقن الأموات فضلا عن الأحياء كالإقرار بالله تعالى . وفي الجواهر : يعرفه الخارج عن الإسلام فضلا عن أهله .
ولكنّه هنا روايات تدلّ على مذهب الشيخين ومن تبعهما بل عقد في الوسائل باباً لذلك كمرسلة عبدالله بن محمد الحجّال عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا .
ورواية بشر بن جعفر الجعفي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : سمعته يقول : البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس جميعاً . ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : إنّ الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل
( الصفحه 531 )
المسجد وجعل المسجد قبلة لأهر الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا . ورواية أبي غرّة قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : البيت قبلة المسجد والمسجد قبلة مكّة ومكّة قبلة الحرم والحرم قبلة الدنيا . ولكنّها ـ مضافاً إلى ثبوت الضعف أو الإرسال في جميعها عدى مرسلة الصدوق حيث إنّها معتبرة كما مرّ مراراً ـ تكون بينها المعارضة أيضاً لدلالة ما عدى الأخيرة على ثبوت التثليث في القبلة وقد زيدت عليها في الأخيرة واحدة وهي نفس بلد مكّة لمن كان خارجاً عنه وداخلا في الحرم .
وكيف كان فالظاهر انّه لا مجال للأخذ بهذه الروايات مع معارضتها للروايات المتكثّرة المتقدّمة بل للآية الشريفة على ما عرفت خصوصاً مع ملاحظة ثبوت الشهرة من حيث الفتوى على خلافها ، بل يمكن ادّعاء الإجماع على خلاف مضمونها لاستبعاد أن يفتي مثل الشيخ (قدس سره) الذي عمل بمضمونها في أكثر كتبه بجواز أن يصلّى في الحرم متوجّهاً إلى المسجد على نحو لا يكون مستقبلا للكعبة بوجه كان صلّى متوجّهاً إلى زواوية من المسجد فاللاّزم امّا طرحها وامّا حملها على كون المراد هو اتساع جهة المحاذاة للبعيد وثبوت الفرق بينه وبين القريب كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
الثاني : انّ المراد بالكعبة ليس خصوص البناء وما أحاطه من الفضاء بل المراد به هو البيت وكلّ ما هو مسامت له من تحت الأرض إلى فوق السماء وعن المنتهى : لا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم ، وعن كشف اللثام انّه إجماع من المسلمين ويشهد له مضافاً إلى ذلك روايات كرواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله رجل قال : صلّيت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال : نعم إنّها قبلة من موضعها إلى السماء . ورواية خالد بن أبي إسماعيل قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يصلّي على أبي قبيس مستقبل القبلة فقال : لا بأس .