( الصفحه 530 )
عنه بل انّما سئل عن زمان صرف فيه الرسول إلى الكعبة .
ورواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث قال : قلت له : إنّ الله أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس قال : نعم ألا ترى انّ الله يقول : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرسول) الآية ثمّ قال : إنّ بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم : إنّ نبيّكم صرف إلى الكعبة فتحوّل النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين .
ورواية عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث انّ الله بعث جبرئيل إلى آدم فنزل غمام من السماء فأظلّ مكان البيت فقال جبرئيل : يا آدم خطّ برجلك حيث أظل الغمام فإنّه قبلة لك ولآخر عقبك من ولدك الحديث . وغير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة عليه ، مع أنّه ربّما يقال كما في محكي حاشية المدارك : انّ كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين والمذهب حتّى انّ الإقرار به يلقن الأموات فضلا عن الأحياء كالإقرار بالله تعالى . وفي الجواهر : يعرفه الخارج عن الإسلام فضلا عن أهله .
ولكنّه هنا روايات تدلّ على مذهب الشيخين ومن تبعهما بل عقد في الوسائل باباً لذلك كمرسلة عبدالله بن محمد الحجّال عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا .
ورواية بشر بن جعفر الجعفي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : سمعته يقول : البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس جميعاً . ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : إنّ الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل
( الصفحه 531 )
المسجد وجعل المسجد قبلة لأهر الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا . ورواية أبي غرّة قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : البيت قبلة المسجد والمسجد قبلة مكّة ومكّة قبلة الحرم والحرم قبلة الدنيا . ولكنّها ـ مضافاً إلى ثبوت الضعف أو الإرسال في جميعها عدى مرسلة الصدوق حيث إنّها معتبرة كما مرّ مراراً ـ تكون بينها المعارضة أيضاً لدلالة ما عدى الأخيرة على ثبوت التثليث في القبلة وقد زيدت عليها في الأخيرة واحدة وهي نفس بلد مكّة لمن كان خارجاً عنه وداخلا في الحرم .
وكيف كان فالظاهر انّه لا مجال للأخذ بهذه الروايات مع معارضتها للروايات المتكثّرة المتقدّمة بل للآية الشريفة على ما عرفت خصوصاً مع ملاحظة ثبوت الشهرة من حيث الفتوى على خلافها ، بل يمكن ادّعاء الإجماع على خلاف مضمونها لاستبعاد أن يفتي مثل الشيخ (قدس سره) الذي عمل بمضمونها في أكثر كتبه بجواز أن يصلّى في الحرم متوجّهاً إلى المسجد على نحو لا يكون مستقبلا للكعبة بوجه كان صلّى متوجّهاً إلى زواوية من المسجد فاللاّزم امّا طرحها وامّا حملها على كون المراد هو اتساع جهة المحاذاة للبعيد وثبوت الفرق بينه وبين القريب كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
الثاني : انّ المراد بالكعبة ليس خصوص البناء وما أحاطه من الفضاء بل المراد به هو البيت وكلّ ما هو مسامت له من تحت الأرض إلى فوق السماء وعن المنتهى : لا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم ، وعن كشف اللثام انّه إجماع من المسلمين ويشهد له مضافاً إلى ذلك روايات كرواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله رجل قال : صلّيت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال : نعم إنّها قبلة من موضعها إلى السماء . ورواية خالد بن أبي إسماعيل قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يصلّي على أبي قبيس مستقبل القبلة فقال : لا بأس .
( الصفحه 532 )
ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا . والظاهر انّه ليس المراد ثبوت القسمين للأرض العليا والسفلى وانقسام كلّ واحدة إلى السبع بل العنوانان إنّما يلاحظان بالإضافة إلى الأرضين السبع التي يظهر ثبوتها من بعض الأدعية والروايات بل من الكتاب ، وعليه فالمراد بالأرض السابعة العليا هي التي نمشي على مناكبها ونستقرّ فيها ، والرواية ـ حينئذ ـ تكون ناظرة إلى أساس البيت وامتداده من التخوم إلى ما نحن فيه ولا تعرّض لها لامتداده إلى عنان السماء كما لا يخفى .
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا لزوم التوجّه إلى نفس الكعبة وما هو مسامت له من الفوق أو التحت فالصلاة في قعر الأرض أو قعر البحار ممّا لا مانع منه ، كما انّ الصلاة في الطائرات وإن بعدت عن الأرض كثيراً لا مانع عنها أيضاً مع مراعاة الاستقبال ، نعم لو خرج عن كرة الأرض ودخل في كرة اُخرى كالقمر ونحوه فالاستقبال إنّما يتحقّق بالتوجّه إلى كرة الأرض ولا يقدح فيه الاختلاف باعتبار اختلاف جهة كرة الأرض; لأنّ الملاك هو التوجّه إلى الكعبة وهو لا يتحقّق إلاّ بذلك كما لايخفى .
ثمّ الظاهر خروج حجر إسماعيل من الكعبة وانّه لا يكفي التوجّه نحوه وإن وجب إدخاله في الطواف لكنّه لا ملازمة بين المقام وبين الطواف وجه الخروج دلالة رواية صحيحة صريحة على ذلك وهي رواية معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحجر أمن البيت هو أم فيه شيء من البيت؟ قال (عليه السلام) : لا ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن اُمّه فيه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجراً وفيه قبور أنبياء . ويظهر من الروايات الكثيرة الاُخر التي جمعها في الوسائل في الباب الثلاثين من أبواب الطواف انّ خصوصية الحجر إنّما هي لأن فيه قبر اُمّ إسماعيل وكذا قبر
( الصفحه 533 )
نفسه وكذا قبور عذارى بنات إسماعيل وقبور أنبياء ، ويظهر منها عدم كونها من البيت بوجه ولا خصوصية له غير ما ذكره فالتوجّه إليه لا يجدي ، ولكن المحكي عن الذكرى انّ ظاهر الأصحاب انّ الحجر من الكعبة بأسره وانّه قد دلّ النقل على أنّه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل إلى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بخلافه وكذلك كان في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ونقل عنه (صلى الله عليه وآله) الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة وبذلك احتجّ ابن الزبير حيث أدخله فيها ثمّ أخرجه الحجّاج بعده إلى ما كان ، ولأنّ الطواف يجب خارجه ، وللعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أو ليس منها وفي الطواف خارجه وبعض الأصحاب له فيه كلام أيضاً مع ءخجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف . ولكن حكي عن كشف اللثام انّه قال : وما حكاه إنّما رأيناه في كتب العامّة وتخالفه أخبارنا .
وكيف كان لا يبقى مجال لما ذكر مع ثبوت رواية صحيحة صريحة على خلافه خصوصاً مع التعبير بقوله (عليه السلام) : ولا قلامة ظفر كما هو ظاهر .
الثالث : ظاهر الآيات الواردة في الاستقبال انّ اللاّزم هو تولية الوجه جانب الكعبة وهل المراد به هو خصوص الوجه بحيث لو كان جميع مقاديم البدن متوجّهاً إلى غير القبلة وكان الوجه وحده متوجّهاً إليها لكفى ذلك في حصول ما هو المأمور به في تلك الآيات أو انّ المراد به هو جميع مقاديم البدن كما يشهد به قوله تعالى : (فلنولينك قبلة ترضاها)(1) حيث نسب التولية إلى المخاطب وظاهره التولية بجميع المقاديم أو انّ المراد به هو الوجه وما يحاذيه من مقاديم البدن فلا يكفي توجه الوجه وحده ولا يلزم توجّه ما هو أوسع من الوجه ممّا لا يحاذيه من المقاديم كالكتف
( الصفحه 534 )
الأيمن أو الأيسر وجوه واحتمالات ، ولا يبعد أن يقال برجحان الوجه الثالث; لأنّ المتفاهم عند العرف من توجّه الوجه إلى شيء هو توجّهه بوضعه الطبيعي غير المائل إلى اليمين واليسار ، ومن الواضح انّ توجّهه في هذه الحالة ملازم لتوجّه المقاديم التي تحاذيه فالمستفاد من الآيات لزوم التوجّه بهذا المقدار كما هو ظاهر .
الرابع : انّه لا خفاء في أنّ سطح الوجه الذي أمر بتوليته جانب الكعبة يكون له انحناء لأنّه على التقريب يكون ربع الدائرة المحيطة بالرأس ومن الواضح انّ السطح الذي يكون منحنياً ليس على نحو يخرج من جميع أجزائه خطوط متوازية لاقتضاء الانحناء ذلك فالخطوط الخارجة من أجزاء الوجه على نحو يكون كلّما كان طوله أكثر كان الفصل بينها أزيد كما هو الشأن في هذا النوع من الخطوط غير المتوازية وـ حينئذ ـ فالشخص المتوجّه إلى الكعبة قد يخرج جزء من أجزاء وجهه خط مستقيم واقع إلى الكعبة دون الجزء الآخر و ـ حينئذ ـ يقع الكلام والإشكال في أنّ العبرة في توجّه الوجه إلى شيء هل هو بأن يخرج من جزء من أجزاء وجهه خط مستقيم إلى ذلك الشيء ولو لم يكن ذلك الجزء وسط الوجه بل في يمينه أو يساره أو انّ اللاّزم في صدق هذا العنوان هو أن يكون الخط الخارج من خصوص وسط الوجه واقعاً إليه وإن كانت الخطوط الخارجة من غيره من أجزاء الوجه واقعة إلى غيره؟ الظاهر هو الوجه الثاني; لعدم تحقّق هذا المفهوم عند العرف بمجرّد خروج خط من جزء من الأجزاء ولو كان في منتهى اليمين أو اليسار فاللاّزم هو وقع خصوص الخط الخارج من وسط الوجه ، نعم لا مجال لاحتمال اعتبار وقوع جميع الخطوط الخارجة من أجزاء الوجه لما عرفت من عدم كونها متوازية ومع فرض عدم التوازي يستحيل وقوع الجميع إلاّ إذا كان في غاية القرب إلى الكعبة فتدبّر .
هذا بالنسبة إلى القريب ، وامّا بالإضافة إلى البعيد فسيأتي الكلام فيه .