( الصفحه 641 )
مع ستر العورة .
أقول : ويمكن الاستدلال على ذلك بما ورد من أنّ الطواف بالبيت صلاة كما استدلّ به أيضاً على اعتبار إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في الطواف أيضاً .
وقد أجبنا عن ذلك هناك بأنّ الظاهر انّ هذه الرواية النبوية لا دلالة لها على كون التنزيل بلحاظ الأحكام المترتّبة على الصلاة بأجمعها أو الظاهرة منها ، بل الظاهر انّ المراد منه هو التشبيه في الفضيلة والثواب نظراً إلى أنّه حيث يكون المغروس في أذهان المتشرّعة انّ تحية المسجد عبارة عن الصلاة فيه فالنبوي مسوق لبيان انّ مسجد الحرام له خصوصية وهي انّ اطواف بالبيت فيه صلاة في الفضيلة ورعاية التحيّة فتدبّر .
( الصفحه 642 )
مسألة 2 ـ لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أوّل الصلاة وهو لا يعلم فالصلاة صحيحة لكن يبادر إلى الستر إن علم في الأثناء والأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف ، وكذا لو نسى سترها في الصورتين 1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما إذا جهل بانكشاف العورة من أوّل الصلاة أو بظهورها في الأثناء ولم يعلم به إلى أن فرغ من الصلاة ثمّ علم به والظاهر انّه لا إشكال في الصحّة في هذه الصورة ولا خلاف إلاّ ما حكي عن ابن الجنيد من قوله : لو صلّى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت .
والدليل على الصحّة مضافاً إلى حديث لا تعاد الحاكم بعدم وجوب الإعادة في غير الاُمور الخمسة المستثناة فيه والستر لا يكون من جملتها صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال : لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته . بناء على عدم اختصاص الحكم بخصوص مورد السؤال الذي كان المصلّي فيه واجداً للساتر ولم تكن عورته مستورة ، بل يعمّ مثله من موارد الجهل والغفلة والنسيان والسؤال عن ذلك المورد إنّما هو لشيوع هذا الفرض من بين الفروض كما لا يخفى .
الثاني : هذه الصورة ولكن كان التوجّه والعلم في الأثناء بعد أن صار مستور العورة ولو بفعل الغير كما إذا علم من إلقاء الغير الساتر على عورته انّها كانت منكشفة قبله والظاهر انّه لا مجال للإشكال في الحكم بالصحّة في هذه الصورة أيضاً لعدم اختصاص جريان حديث لا تعاد بخصوص ما إذا كان الالتفات إلى الخلل بعد الفراغ من الصلاة ، بل يشمل ما إذا كان الالتفات في الأثناء أيضاً لصدق الإعادة على الإتيان بها ثانياً بعد رفع اليد عن الاُولى والحديث يدلّ على عدم وجوبها
( الصفحه 643 )
بعنوانها .
وامّا صحيحة علي بن جعفر فهي أيضاً تدلّ على الصحّة في هذه الصورة امّا بالإطلاق وامّا بالأولوية القطعية كما هو واضح فلا إشكال أيضاً فيها .
الثالث : هذه الصورة ولكن كان التوجّه والعلم في الأثناء في حال الانكشاف وعدم تحقّق الستر بعد وقد حكم في المتن بالصحّة فيها أيضاً وإن احتاط بالإتمام ثمّ الاستئناف ، وعن الجواهر نفي وجدان مخالف صريح فيه ، نعم ظاهر التحرير احتمال البطلان وهو الأقرب لأنّ منشأ الحكم بالصحّة كان هو إطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة فمضافاً إلى إمكان منعه لظهور مورد السؤال في كون المراد بعد الفراغ من الصلاة انّه على تقدير الإطلاق لا دلالة لها إلاّ على صحّة ما أتى به من الصلاة مع الجهل بكونه مكشوف العورة لأنّ مقتضاه ـ حينئذ ـ انّ وقوع الصلاة ـ كلاًّ أو بعضاً ـ مع هذه الحالة وهي الجهل بانكشافها لا يقدح في صحّتها ولا دلالة لها على عدم اعتبار الستر في حال التوجّه والعلم إلى حصول الستر وزمان التستّر ، واستلزام الدلالة على صحّة ما أتى به من الصلاة في حال عدم الالتفات للدلالة على صحّة باقي الأجزاء نظراً إلى اللغوية بدونها إنّما يتمّ فيما لو كان مورد الدليل الدالّ على الصحّة منحصراً بهذا الفرض; لأنّه على هذا التقدير يكون الحكم بالصحّة بالإضافة إلى ما مضى لغواً لا يترتّب عليه فائدة أصلا ، وامّا مع عدم الانحصار كما هو المفروض فلا ، خصوصاً بعد ملاحظة شمول الإطلاق لغير هذا الفرض وهي الصورة الثانية أيضاً فلا مجال لاستفادة الصحّة من إطلاق الصحيحة على فرض ثبوته .
وممّا ذكرنا يظهر انّه لا وجه للتمسّك لها بحديث لا تعاد أيضاً; لأنّ التحقيق انّه لا يشمل صورة ما لو كان الإخلال بغير الاُمور الخمسة المذكورة فيه عن التفات
( الصفحه 644 )
وتوجّه وإن كان شموله لأثناء الصلاة وعدم اختصاصه بما بعد الفراغ ممّا لا ينبغي الإشكال فيه إلاّ انّ الظاهر خروج العالم عنه فلا دلالة له على عدم وجوب الإعادة في مثل المقام ممّا وقع الإخلال ببعض الأجزاء أو الشرائط مع التوجّه والالتفات إلى الموضوع والحكم .
وامّا الأدلّة الأوّلية فلا إشكال في اقتضائها بطلان الصلاة ووجوب الإعادة فيما إذا وقع بعض الأفعال أو الأقوال في حال الانكشاف ، وامّا إذا كان في حال عدم الاشتغال وكان متمكّناً من الستر من دون استلزامه فعل المنافي كما إذا التفت بعد إتمام الفاتحة وقبل الشروع في السورة ـ مثلا ـ وأمكن له التستّر كذلك فيبتني الحكم بالصحّة وعدمها على أنّ حقيقة الصلاة هل هي المجموع المركّب من الأفعال والأقوال المخصوصة التي تحدث وتنعدم آناً فآناً ولا يكاد يكون للمجموع وجود وتحصّل إلاّ بعد تحقّق جميع الأجزاء التي وجد كلّ منها في زمان وانعدم أو انّها عبارة عن حضور العبد في مقابل الربّ والتوجّه إليه والتخضّع والتخشّع لديه ، غاية الأمر انّه يجب عليه أن يشتغل معه ببعض الأفعال المخصوصة والأذكار المنصوصة ، وعليه فتحقّق الصلاة بمجرّد قيامه في حضور المولى وتكون باقية إلى آخرها .
فعلى الأوّل لا تكون السكوتات المتخلّلة بين الأقوال والسكوتات الواقعة بين الأفعال جزء من الصلاة وإطلاق انّه مشتغل بها في حالها مع العناية ورعاية العلاقة كإطلاق الخطيب والمتكلِّم على من تنفّس بين الخطبة والتكلّم أو اشتغل بغيرهما كشرب الماء مثلا يخاف الثاني فإنّه يصدق عليه حقيقة في كلّ آن انّه مشتغل بالصلاة ، وعليه فيقع الالتفات بأنّه مكشوف العورة في حال الاشتغال دائماً فيجب الحكم بوجوب الإعادة بخلاف الأوّل فإنّه يصدق عليه حقيقة انّه لم يكن عالماً بكشف عورته في حال الصلاة لجواز أن يسترها مع عدم تخلّل المنافي قبل الشروع
( الصفحه 645 )
في السورة في المثال المذكور ثمّ شرع فيها فيشمله ما يدلّ على الصحّة في حال عدم الالتفات في حال الصلاة ، والظاهر هو الوجه الثاني لكونه مغروساً في أذهان المتشرّعة ويؤيّده التشبيه للصلاة في الروايات بالإحرام وانّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم فإنّه كما انّ الإحرام المتحقّق بالشروع أمر مستمرّ إلى أن يتحقّق التحليل بالحلق أو التقصير كذلك الصلاة التي هي إحرام صغير بلحاظ تحقّق تحريم بعض الاُمور فيها أمر مستمرّ إلى أن يقع التسليم الذي هو تحليل لها .
الرابع : صورة النسيان ، والحكم فيها ما تقدّم في صورة الجهل ويدلّ على حكمها حديث لا تعاد المتقدّم وإن كان لا يبعد دعوى دلالة الصحيحة المتقدّمة عليه أيضاً; لأنّ عدم العلم بخروج الفرج في حال الصلاة أعمّ من الجهل به قبل الصلاة أيضاً والعلم به قبله ثمّ عروض النسيان له كما لا يخفى .