( الصفحه 651 )
المتقدّمة المشتملة على الثوب والقميص والمقنعة والخمار ونحوها وإن كان مقتضى الجمود على ما تحت عبارتها عدم كفاية التستّر بغير هذه العناوين الواقعة فيها إلاّ انّ الظاهر بنظر العرف كون خصوصية هذه العناوين غير دخيلة في الحكم ولذا لا يستفاد منها عرفاً عدم جواز التستّر بمثل الجلد ممّا لا ينطبق عليه عنوان الثوب والقميص فالظاهر انّ المراد من العناوين المذكورة فيها كلّ ما يمكن أن يتّصف بعنوان الساترية فلا فرق بين الثوب والقطن والصوف غير المنسوجين بل الورق والحشيش لتقحّق هذا العنوان في جميعها ، نعم لا يستفاد منها الاكتفاء بمثل الطين لعدم كونه ساتراً عرفاً ولا يصدق عنوان الواجد للساتر على واجده والاكتفاء به في الستر الواجب النفسي على فرضه إنّما هو لأنّ الملاك فيه ـ كما عرفت ـ هو مجرّد مستورية العورة لا وجود الساتر لها ولذا يتحقّق بمثل الظلمة والولوج في الماء والدخول في الحفيرة ، وامّا في المقام فالمعتبر وجود الساتر على ما تقتضيه الروايات والطين لا يكون ساتراً عرفاً .
فالإنصاف انّ مفاد هذه الطائفة من النصوص جواز الاكتفاء بكلّ ما يصدق عليه عنوان الساتر ولكن مع ذلك لا دلالة لها على جواز الانتقال إلى غير الثوب مع التمكّن منه لعدم ثبوت الإطلاق لها لأنّها في مقام بيان كفاية الثوب الواحد للرجل والثوبين للمرأة فمحطّ النظر فيها عدم لزوم التعدّد على الرجل والزائد على الاثنين على المرأة ولا تكون في مقام البيان من جهة أنواع الساتر حتى يستدلّ بإطلاقها على عدم الترتيب فهي من هذه الجهة مجملة .
وامّا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به
( الصفحه 652 )
عورته أومأ وهو قائم . فقد استدلّ بها على ثبوت الترتيب بين أنواع الساتر ، وانّ الاكتفاء بالحشيش إنّما هو مع تعذّر الثوب وفقده ولكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال لأنّ تعذّر الثوب إنّما ذكر في مفروض السؤال ولم يقع قيداً لجواز التستّر بالحشيش في كلام الإمام (عليه السلام) حتّى يستفاد منه الترتيب ويؤيّده انّه ليس المراد من الحشيش خصوص عنوانه بل كما يشهد به قوله : وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته يكون المراد به كلّ شيء يكون ساتراً للعورة فيؤيّد عدم القيدية خصوصاً بعدما عرفت من إلغاء العرف خصوصية الثوبية ولكن مع ذلك لا دلالة للرواية على عدم الترتيب ، بل تكون أيضاً من هذه الجهة مجملة فقد ظهر انّ الأدلّة اللفظية قاصرة الدلالة على الترتيب نفياً وإثباتاً فتصل النوبة إلى الاُصول العملية .
فنقول : يمكن أن يقال : بأنّ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير نظراً إلى أنّ الأمر دائر بين تعين الثوب ونحوه والتخيير بينه وبين غيره من القطن والصوف غير المنسوجين والحشيش والورق والأصل الجاري فيه على ما هو المشهور هي أصالة الاحتياط .
ولكن الظاهر عدم تمامية ذلك في مثل الموارد المذكورة; لأنّ الشكّ فيها ليس في أصل جواز التستّر بمادّتها ضرورة انّه لا يشكّ في جواز التستّر بالقطن والصوف بعد كون المنسوج منهما منطبقاً عليه عنوان الثوب فالشكّ فيها إنّما هو في اعتبار المنسوجية وعدمه بعد الفراغ عن كفاية المادّة في الساترية ، ومن الواضح انّه شكّ في أمر زائد والمرجع فيه أصالة البراءة الجارية في موارد الشكّ في الجزئية والشرطية وهكذا الحشيش والورق فإنّه لا يشكّ في كفاية المنسوج منهما والشكّ إنّما هو في اعتبار المنسوجية والأصل البراءة .
وامّا في مثل الطين فالظاهر تمامية القول المذكور لأنّ الشكّ إنّما هو في أصل
( الصفحه 653 )
الاكتفاء بالمادّة فالشكّ فيه إنّما هو من قبيل الشكّ بين المعيّن والمخيّر فيه والأصل فيه هي أصالة الاحتياط ، هذا بالإضافة إلى حال الاختيار .
وامّا في حال الاضطرار والانحصار بالطين ونحوه فمع قطع النظر عن النصوص الواردة في صلاة العاري يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب التستّر به لأجل الصلاة للشكّ في اعتبار التستّر به في هذا الحال مع عدم كونه كافياً في حال الاختيار وعليه فتجب عليه صلاة العاري ، نعم حيث إنّه وقع التفصيل في نصوص صلاة العاري بين صورة الأمن من المطلع وغيرها بالحكم بوجوب الصلاة قائماً في الاُولى دون الثانية ولا يبعد دعوى توسعة دائرة الأمن وعدم اختصاصها بما إذا لم يكن هناك ناظر محترم كما إذا صلّى في بيت وحده وكان بابه مسدوداً بل شمولها لمثل الطلي بالطين الموجب لتحقّق الأمن وإن كان هناك ناظر فإن كان حكم العاري في هذه الصورة وجوب إتمام الركوع والسجود فاللاّزم ـ حينئذ ـ الطلي بالطين للعلم التفصيلي بوجوبه امّا لأنّه ستر صلوتي وامّا لأنّه مقدّمة لرعاية القيام بلحاظ تحقّق الأمن معه وإن قلنا بأنّ حكمه في هذه الصورة الايماء بالركوع والسجود كما هو مفاد مثل صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة فاللاّزم ـ حينئذ ـ الجمع بين الصلاة مع إتمام الركوع والسجود وبينها مع الايماء لهما للعلم الإجمالي بوجوب إحدى الكيفيتين عليه لأنّه على تقدير كونه ساتراً صلوتياً في حال الاضطرار يجب عليه بالكيفية المتعارفة وعلى تقدير عدم كونه ساتراً ولو في هذا الحال وكون المكلّف عارياً يجب عليه صلاة العاري فاللاّزم الجمع بين الكيفيتين .
ولكن ربّما يقال بانحلال العلم الإجمالي نظراً إلى أنّ موضوع صلاة العاري امّا عدم وجود الساتر الشرعي ، وامّا عدم ساترية الموجود شرعاً وكلّ منهما يمكن إثباته بالأصل وإذا تحقّق موضوع صلاة العاري ولو بالأصل ينحلّ العلم الإجمالي
( الصفحه 654 )
لما تقرّر في محلّه من أنّ جريان الأصل المثبت للتكليف في أحد أطراف العلم الإجمالي يوجب انحلاله إلى العلم التفصيلي بثبوت التكليف في ذلك الطرف ولو ظاهراً فيرجع في الطرف الآخر إلى أصالة البراءة عن التكليف وذلك كما إذا كان أحد المائين اللذين وقع فيهما النجاسة إجمالا مستصحب النجاسة للعلم التفصيلي بنجاسته سابقاً و ـ حينئذ ـ جريان الاستصحاب المثبت للتكليف فيه يوجب الانحلال فيجري في الطرف الآخر أصالة الطهارة .
ويدفع هذا القول ـ بعد وضوح انّ موضوع صلاة العاري هو عدم وجود الساتر لأنّ المراد من العاري من لا يكون له ساتر كما هو معناه عند العرف ـ ان استصحاب عدم وجود الساتر ممّا لا مجال لجريانه لأنّ المشكوك إنّما هو وجود الساتر الشرعي في الخارج مع أنّه من الواضح انّه ليس لنا شكّ بحسب الخارج لأنّ المفروض وجود الطين فعلا والتمكّن من الطلي به كذلك وعدم وجوده في السابق فليس في الخارج أمر وقع متعلّقاً للشكّ حتّى يجري الاستصحاب والشكّ إنّما هو في أمر آخر وهو كونه ساتراً شرعاً ولا مجال لجريان الأصل فيه وهذا كما في استصحاب بقاء النهار مع الشكّ في مفهومه بعد الاستتار وقبل ذهاب الحمرة المشرقية فإنّه لا مجال لجريانه بعد كون الخارج بكلا طرفيه معلوماً غير مشكوك ، نعم لا إشكال في جريانه في الشبهة الموضوعية والتحقيق في محلّه .
فانقدح انّ مقتضى العلم الإجمالي بعد عدم انحلاله هو لزوم الجمع بين الكيفيتين .
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المستفاد من صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة عدم اعتبار الطلي بالطين أصلا وذلك لأنّ الكم بالانتقال إلى صلاة العاري بالايماء مع القيام مع عدم إصابة شيء يستر به العورة يدلّ على عدم الاعتناء بالطين لأنّه ليس ساتراً
( الصفحه 655 )
للعورة كما تقدّم ، ولذا لا يستفاد من الرواية الاكتفاء به في حال الاختيار خصوصاً مع ملاحظة غلبة وجود الطين وإمكان تحصيله نوعاً سيما في مفروض الرواية من جهة غرق المتاع وعليه فالاحتياط بالجمع يكون استحبابياً كما في المتن .