( الصفحه 656 )
مسألة 8 ـ يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي اُمور : الأوّل الطهارة إلاّ فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كما تقدّم ، الثاني الإباحة فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصيبة فلو لم يعلم بها صحّت صلاته وكذا مع النسيان إلاّ في الغاصب نفسه فلا يترك الاحتياط بالإعادة 1 .
1 ـ اتفق الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ على اعتبار طهارة لباس المصلّي من كلّ نجاسة وقذارة في صحّة الصلاة وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتواترة إلاّ انّ أكثرها وردت في موارد خاصّة من البول والمني والدم ، وامّا ما يمكن أن يستفاد منه حكم الصلاة في الثوب النجس ونحوه من العناوين العامّة الشاملة لجميع أنواع النجاسات ويدلّ على إثبات الحكم بنحو العموم فقليلة ولا بأس بالتيمّن بإيراد بعضها مثل : مضمرة زرارة قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني إلى أن قال : فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال : تغسل ولا تعيد الصلاة . قلت : لِمَ ذلك؟ قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً . الحديث . نظراً إلى رجوع الضمير في «غيره» في السؤال الأوّل إلى الدم وكونه مرفوعاً معطوفاً عليه لا إلى الرعاف وكونه مجروراً معطوفاً عليه وبناء عليه يدلّ السؤال على مفروغية مانعية مطلق النجاسة في ذهن زرارة وقد قرّره (عليه السلام) على ذلك ، ولكن هذا التقدير لا يلائمه ذكر شيء من مني بعد كلمة «غيره» وذكر الخاص بعد العام وإن كان ممّا لا مانع منها إلاّ انّه مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر لا موقع له في مثل المقام ممّا كان خاص مذكوراً أوّلا والعام غير الشامل له مذكوراً ثانياً فإنّه لا يناسبه ذكر خاصّ آخر ثالثاً فتدبّر جيّداً .
نعم يمكن الاستفادة من الصحيحة من طريق آخر وهو انّ الإمام (عليه السلام) قد عبّر في
( الصفحه 657 )
مقام الجواب عن السؤال عن علّة عدم الإعادة في صورة عدم التيقّن بقوله (عليه السلام) : لأنّك كنت على يقين من طهارتك . وهذا التعبير بلحاظ اشتماله على كلمة الطهارة وإضافتها إلى المصلّي مع كون مورد السؤال هو الثوب يعطي انّ المعتبر في الصلاة طهارة المصلّي ، غاية الأمر انّ المراد بالمصلّي ليس خصوص بدنه بل أعمّ منه ومن الثوب الذي هو مورد السؤال فالمستفاد من الصحيحة اعتبار عنوان عام شامل لجميع النجاسات كما هو ظاهر .
كما انّه يمكن استفادة ذلك من السؤال في بعض الروايات بلحاظ دلالته على مفروغية اعتبار الخلوّ عن النجاسة ـ بعنوانها العام ـ في صحّة الصلاة عند السائل وتقرير الإمام (عليه السلام) له على ذلك ففي رواية أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر انّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال : لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له .
كما انّه يمكن الاستفادة من بعض الروايات الواردة فيما لا تتمّ الصلاة فيه وحده المشتملة على لفظ «القذر» الظاهرة في اعتبار إزالته في غيره ممّا لا يجوز الصلاة فيه منفرداً ففي رواية إبراهيم بن أبي البلاد عمّن حدّثهم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة والتكة والجورب .
ويدلّ عليه أيضاً رواية عبدالله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر : انّي أعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم انّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرد علي فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن انّه نجّسه فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن انّه نجّسه . ودلالتها على اعتبار طهارة الثوب وعدم كونه نجساً ظاهرة .
( الصفحه 658 )
وامّا استفادته من حديث «لا تعاد» المشتمل على لفظ «الطهور» أو مثل قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ بطهور فمورد الإشكال بل المنع ، نعم يمكن الاستناد إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا صلاة إلاّ بطهور ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وامّا البول فإنّه لابدّ من غسله . فإنّ الظاهر بقرينة الذيل عدم اختصاص الطهور بما يوجب الطهارة من الاحداث بل تعمّ الطهارة من مطلق الخبائث ولكن مقتضاها اعتبار طهارة البدن ، وامّا استفادة اعتبار طهارة الثوب أيضاً فمشكلة لكن عرفت انّ أصل الحكم في المقام ممّا لا إشكال كما انّه لا خلاف فيه أيضاً هذا بالنسبة إلى الثوب .
وامّا بالإضافة إلى المحمول فلا يبعد أن يقال بدلالة صحيحة زرارة المتقدّمة على ذلك لما عرفت من أنّه وإن كان مورد السؤال فيها هو ظنّ إصابة الدم أو المني الثوب إلاّ انّ اسناد الطهارة إلى نفس السائل لا إلى ثوبه كما فعله الإمام (عليه السلام) في الجواب حيث قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ربّما يدلّ على أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً ، غاية الأمر انّ صدقه يتوقّف على طهارة بدنه وثوبه معاً ، وعليه فنجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً ، ومن المعلوم انّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً أو كان ما استصحبه كذلك إذا الوجه في صحّة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصية للثوب أصلا فلو كان محموله نجساً لا يصحّ اسناد الطهارة إليه أيضاً هذا مضافاً إلى أنّ العرف إذا ألقى إليه هذا المعنى وهو اعتبار الطهارة في الثوب لا يفهم منه الاختصاص وتكون خصوصية الثوبية ملغاة بنظره .
ويدلّ على عموم الحكم أيضاً مرسلة عبدالله بن سنان عمّن أخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا
( الصفحه 659 )
بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك . فإنّ مفهومها يدلّ على ثبوت الباس فيما إذا كان المحمول أيضاً قذر إذا كان ممّا تتمّ فيه الصلاة وحده ، هذا ولكنّه أفاد بعض الأعلام في شرح العروة كلاماً في هذا المقام لا بأس بالتعرّض لخلاصته وما يرد عليه فنقول : قال : إنّ المستفاد من الأخبار الواردة في موارد مختلفة انّ الصلاة في النجس غير جائزة وإن كانت هذه الجملة غير واردة فيها إلاّ انّه لا إشكال فيها ولا كلام إنّما الكلام فيما ينطبق عليه هذا العنوان مع أنّ الصلاة في النجس لا معنى له بظاهره; لأنّ الصلاة نظير سائر أفعال المكلّفين لا يكون لها إلاّ ظرفان ظرف زمان وظرف مكان وليست النجاسة في الثوب والبدن ظرف مكان للصلاة ولا ظرف زمان كما انّها لا تكون ظرفاً لسائر الأفعال فكما لا يصحّ أن يقال : زيد أكل في النجس إذا كان ثوبه نجساً كذلك لا يصحّ أن يقال : زيد صلّى في النجس في تلك الحال فاسناد الظرفية إلى النجس في أمثال المقام غير صحيح على وجه الحقيقة ، نعم لا بأس باسنادها إليه على وجه العناية فيما إذا كان الفاعل لابساً للنجس بأن يكون الفاعل مظروفاً والنجس ظرفاً له فإنّ مثله من العلاقات المصحّحة لاسناد الظرفية إلى النجس ، وامّا إذا لم يكن النجس ظرفاً للمصلّي وإنّما كان موجوداً عنده ومعه كما إذا كان في جيبه فاسناد الظرفية إلى النجس لا يمكن أن يكون حقيقياً ولا مجازياً ، نعم قد ورد في بعض الأخبار جواز الصلاة في السيف ما لم ترَ فيه دم ، كما انّه ورد في موثقة ابن بكير المعروفة انّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة ، مع أنّ السيف والبول والروث والألبان ممّا لا يؤكل لحمه أمور مقارنة للصلاة لا انّها ظرف لها ولا للفاعل وقد مرّ انّ اسناد الظرفية ـ حينئذ ـ لا يمكن أن يكون حقيقياً ولا مجازياً ولابدّ في مثله من رفع اليد
( الصفحه 660 )
عن ظهور كلمة «في» في الظرفية وحملها على معنى «مع» والمقارنة ولكن قيام القرينة على ذلك في مثله لا يوجب الحمل على خلاف الظاهر فيما لم يكن هناك قرينة كما في المقام فلا مقتضى لرفع اليد فيه عن ظهور الكلمة في الظرفية فمعنى الصلاة في النجس كون النجس ظرفاً لها وهذا لا يتحقّق إلاّ بلبسه وامّا فيما كان المتنجّس محمولا فلا تصدق الصلاة في النجس عليه فالمقتضى لبطلان الصلاة مع المحمول المتنجّس قاصر في نفسه .
أقول : يكفي في صحّة اسناد الظرفية إلى المحمول ـ مضافاً إلى وضوح عدم خصوصية للسيف ولا للاُمور المذكورة في موثقة ابن بكير من هذه الجهة ـ مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة فإنّه مع كون المفروض في موضوعه هو كلّ ما كان على الإنسان أو معه قد عبّر فيها بأنّه لا بأس بالصلاة فيه وكذا توصيفه بأنّه لا تجوز الصلاة فيه وحده فاسند الظرفية إلى المحمول كاسنادها إلى ما كان على الإنسان من دون فرق بينهما أصلا فمن هذا يستكشف شمول ما دلّ على عدم جواز الصلاة في النجس لما إذا كان المحمول نجساً أيضاً فتدبّر .
ثمّ إنّه بناء على ما ذكرنا من أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً أو متّصفاً بهذه الصفة وانّ طهارة الثوب من مراتب طهارة نفسه يمكن القول ببطلان صلاة المضطجع والمستلقي الذي يصلّي على شيء نجس أو كان عليه شيء نجس ممّا لا يعدّ ثوباً كاللحاف وقد فصل فيه في العروة بين ما إذا كان متستّراً به وبين صورة عدم التستّر به باشتراط طهارته في الصورة الاُولى دون الثانية وفي شرح العروة لبعضالأعلام تفصيل آخر لعلّه أوفق وأقرب وهو انّ المصلّي مضطجعاً إن كان قد لبس اللحاف بأن لفّه على بدنه بحيث صدق عرفاً انّه لبسه فلا مناص من أن يشترط فيه الطهارة لأنّه لباس والطهارة معتبرة فيه بلا فرق في ذلك بين أن يكون