( الصفحه 70 )
إنّما هو تمامية اشتغال المتنفلين والإتيان بالنافلة قبله ولا دلالة له على التوقيت بالذراع أصلاً ، وامّا إن كان التعليل بقوله (عليه السلام) : لئلاّ يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه فيمكن استفادة كلام المشهور منه بلحاظ إضافة الوقت إلى النافلة أيضاً الظاهر في كونه تمام وقتها وانّه ينقضي بالذراع إلاّ انّه ليس بظهور عرفي مورد لاعتماد العقلاء بحيث جاز الاستناد إليه خصوصاً مع عدم معلومية التعليل الصادر من الإمام (عليه السلام)وانّه هل كان بالنحو الأوّل أو الثاني لاتحاد الروايتين ـ قطعاً أو احتمالاً ـ .
ومنها : رواية محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إذا دخل وقت الفريضة انتفل أو ابدأ بالفريضة؟ قال : إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة ، وإنّما أخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين .
والظاهر انّ المراد من وقت الفريضة هو أصل الوقت ومن التنفّل هي النافلة المبتدئة بقرينة الجواب فإنّ فضل الابتداء بالفريضة ورجحانه إنّما هو بالإضافة إليها ، وامّا نافلة الظهر فلا إشكال في رجحانها على الفريضة بعد دخول الوقت قبل الذراع ، وعليه فقوله (عليه السلام) : وإنّما أخّرت الظهر . . . إنّما هو دفع توهّم عدم الفرق بينها وبين نافلة الظهر والحكم بثبوت الفرق من جهة كونها صلاة الأوّابين وهي مقدّمة على الفريضة فالفرق موجود ولا يستفاد منه التوقيت بوجه .
ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالاُولى ولم يصلِّ الزوال إلاّ بعد ذلك ، وللرجل أن يصلّي من نوافل الاُولى (العصر) ما بين الاُولى إلى أن تمضي أربعة أقدام فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئاً فلا يصلّي النوافل . . . وهذه الرواية أيضاً ناظرة إلى وصف التقدّم والتأخّر من دون دلالة على التوقيت أصلاً كما لا يخفى .
( الصفحه 71 )
وامّا قول صاحب العروة فيمكن أن يكون مستنده الأخبار الواردة في نافلتي الظهر والعصر وإن كلّ واحدة منهما ثمان ركعات ونقعان قبل فريضتهما أو بعد الاُولى وقبل الثانية من دون دلالة على التقييد بوقت خاصّ فإنّ مقتضى إطلاقها جواز الإتيان بهما كذلك إلى آخر وقت الفريضة .
والجواب وضوح عدم كون هذه المطلقات بصدد بيان وقت النوافل بل هي مسوقة لبيان مجرّد التعداد والقبلية والبعدية بالإضافة إلى الفرائض فلا يجوز التمسّك بإطلاقها من هذه الجهة .
نعم هنا روايات دالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهدية وانّها متى ما أتى بها قبلت مثل ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال : اعلم انّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت .
ولكنّه يحتمل أن يكون المراد بالنافلة فيها هي النوافل المطلقة الابتدائية فلا تشمل النوافل الراتبة ، كما انّه على تقدير الشمول يكون مقتضاها عدم كونها موقتة بوجه فيجوز الإتيان بنافلة النهار ولو في الليل وبالعكس فلا تنطبق على مرام المستدلّ لأنّه قائل بالتوقيت كما لا يخفى .
نعم في مرسلة علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال لي : صلاة النهار ست عشرة ركعة أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوّله وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره . التصريح بكونهما صلاة النهار فلا يجوز الإتيان بهما في الليل ولكنّها يجوز الإتيان بها في أيّة ساعة من النهار شاء لا بمعنى كون مجموع النهار وقتاً لها ، بل بمعنى جواز الإتيان بها في أيّة ساعة شاء وإن كان وقتها أخصّ من ذلك كما يظهر من رواية القاسم بن الوليد الغسّاني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال : ست عشرة ركعة في
( الصفحه 72 )
أي ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها إلاّ انّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل . ولكنّها لا يستفاد منها مقدار وقتها كما لايخفى .
وربما يتمسّك له باستصحاب بقاء الوقت وعدم انقضائه بالذراع والذراعين أو بالمثل ولكنه يرد عليه ـ مضافاً إلى ابتنائه على قصور الأدلّة اللفظية عن الدلالة على بيان وقت النافلتين; لأنّه لا مجال معها ـ انّه لا يجري مثل هذا الاستصحاب ممّا كان لنفس الزمان السابق مدخلية في القضية المتيقّنة فإن اتّصاف نافلة الظهر بكونها في الوقت قبل الذراع إنّما هو لأجل كونها قبل الذراع وبدونه لا يكون هناك يقين ولا معنى لابقاء هذا الحكم وأدامته ليستفاد منه بقاء الوقت بعد الذراع أيضاً فتدبّر .
وامّا القول بالمثل أو المثلين فإن كان مستنده كونهما وقتين للفريضة بالإضافة إلى المختار فلابدّ من أن يبحث معه في مسألة وقت الفريضة وإلاّ فيمكن أن يكون استناده إلى اُمور :
منها : صحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : انّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر . . . بضميمة الأخبار المتعدّدة الدالّة على أنّ المراد بالقامة هي الذراع كرواية علي بن حنظلة قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : القامة والقامتان الذراع والذراعان في كتاب علي (عليه السلام) .
ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال له أبو بصير : كم القامة؟ قال : فقال : ذراع انّ قامة رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت ذراعاً . وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه وعلى ذلك ، فالمراد من جميع الروايات الدالّة على الذراع والذراعين هو المثل والمثلان .
( الصفحه 73 )
ويدفعه ظهور الجمع بين كلمتي القامة والذراع في عبارة واحدة في الرواية في مغائرتهما وإلاّ لما كان وجه لذلك مع عدم الاحتياج إلى الاظهار وجواز الاقتصار على الاضمار ومع كونه موهماً للخلاف فذلك يوجب الظهور في المغائرة .
وامّا ما أورد عليه من ظهور قوله (عليه السلام) مضى منه ، في التبعيض وإنّ الذراع بعض مقدار الحائط لا انّه نفسه فيمكن الجواب عنه بعدم كون كلمة «من» فيه للتبعيض لابدّ من أن يلاحظ التبعيض بالإضافة إلى الجدار لرجوع الضمير في «منه» إليه لا إلى الفيء فتدبّر . وبالجملة لا وجه لحمل كلمة «من» على التبعيض .
كما انّ الإيراد عليه بأنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة . . . لا يقبل الحمل على القامة والمثل أبداً; لأنّه حيث جعل الشاخص نفس المكلّف وشخصه وجعل المدار على الفيء الحاصل منه لا يصحّ حمله عليهما أبداً .
يمكن دفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا ينافي الحمل على المثل لو فرض كون المراد من الذراع ذلك بشهادة الروايات المتقدّمة ـ بعدم ظهور كون المراد هو الفيء الحاصل من شخص المكلّف واحتمال كون المراد هو الفيء الحاصل من الشاخص الذي عينه المكلف في مقابل جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لا يمكن الوصول إليه نوعاً أولاً وقد غيّر ثانياً مع انّه لا خصوصية فيه ثالثاً ، ولكن مع ذلك لا ينبغي الارتياب في أنّ التأمّل في الصحيحة وإرجاعها إلى العرف يقضي بعدم كون المراد من الذراع فيها هو المثل بل أخصّ منه كما لا يخفى .
ومنها : ما عن الشهيد (قدس سره) في روض الجنان من أنّ المنقول من فعل النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمّة (عليهم السلام) بل وكذا غيرهم من السلف فعل نافلة العصر والإتيان بها متصلة بالفريضة ولم يكن بينهما فصل من حيث الوقت ، ومن المعلوم من الخارج انّ الوقت
( الصفحه 74 )
الذي يصلون فيه الفريضة هو بعد المثل; لأنّه وقت الفضيلة فالنافلة أيضاً محدودة به لأجل التواصل بينها وبين الفريضة .
ويرد عليه انّه لم يثبت ما ادّعاه من إتيانهم بالنافلة متصلة بالفريضة ومن المحتمل خلافه مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة تدلّ بالصراحة على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كان يأتي بصلاة الظهر بمجرّد الذراع والعصر عند بلوغه ذراعين فالاتصال والإتيان بالنافلة مع الفريضة بلا فصل لا يجدي في إثبات جواز التأخير إلى المثل أو المثلين كما لايخفى .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لا يظهر من شيء من الأدلّة المتقدّمة توقيت نافلة الظهرين بالأوقات الثلاثة التي وقع الاختلاف فيها بين الأصحاب والقدر المتيقّن منها انّ نافلة الظهرين قبل الذراع والذراعين واقعة في وقتها ومزاحمة للفريضة وليس المراد من وقوعها قبلهما إلاّ وقوع ركعة منها كذلك لا وقوعها بأجمعها بشهادة موثقة عمّار المتقدّمة في جملة أدلّة المشهور ، كما انّه لا شبهة في مشروعية الإتيان بها بعد الفريضة بعد الذراع والذراعين لدلالة جملة من الروايات المتقدّمة عليها ودلالة ما دلّ على ثبوت المشروعية لقضاء نوافل النهار بالليل وكذا العكس فأصل المشروعية ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّه هل هو بنحو الاداء أو القضاء والإنصاف بعد عدم تمامية أدلّة التوقيت بأحد الأوقات الثلاثة انّه لا يستفاد من الروايات أحد العنوانين حتّى ما وقع فيه التصريح بجواز الإتيان بها في أوّل النهار أو وسطه أو آخره فإنّ اشتمال بعضه على استثناء الإتيان بها في مواقيتها وانّه أفضل بضميمة ظهور كون المواقيت مواقيت الاداء لا الفضيلة ولا ينافيه التعبير بالأفضلية يمنع عن استفادة عنوان الاداء في جميع أجزاء النهار فمقتضى الاحتياط الإتيان بها بعد الفريضة لا بنيّة الاداء أو القضاء لعدم الطريق إلى