(الصفحة 100)
الراجعة إلى تعدّد المطلوب فتعذّر الشرط أو تخلّف، تكون الإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة . نعم ، يمكن أن يقال ببطلان الشرط في صورة التعذّر المقرون بالعقد ; لأنّ من شرائط صحّة الشرط القدرة على تسليمه والعمل به ، وحينئذ إن قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد مطلقاً ، ولو كان فساده لأجل جهة في نفسه غير مسرية إلى العقد كما في المقام ، تكون الإجارة باطلة أيضاً . وكيف كان ، فعلى تقدير صحّة الإجارة والشرط يثبت للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط ، فإن فسخ ترجع الأُجرة المسمّـاة إلى المستأجر ، ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل ، كما في جميع موارد بطلان الإجارة ، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى .
***
[قال المؤلّف دام ظلّه في كتاب الإجارة الثاني]:
قال المحقّق (رحمه الله) : ولو استأجره ليحمل له متاعاً إلى موضع معيّن باُجرة في وقت معيّن، فإن قصّر عنه نقص من اُجرته شيئاً ، جاز . ولو شرط سقوط الاُجرة إن لم يوصله فيه ، لم يجز، وكان له اُجرة المثل(1) انتهى .
أقول : الظاهر أنّ مراده (قدس سره) من أخذ الزمان المعيّن إنّما هو الأخذ على طريق الاشتراط الذي مرجعه إلى تعدّد المطلوب لا الأخذ على سبيل التقييد ، الذي مرجعه إلى وحدة المطلوب ، وعليه فاشتراط النقص أو السقوط متفرّع على اشتراط الزمان المعيّن ، كما أنّ الظاهر انّ مراده من النقص بقرينة التعبير بالسقوط في الصورة الثانية هو السقوط أيضاً ; لظهور العبارة في كون الفرق بين الصورتين إنّما هو بالنسبة إلى تمام الاُجرة وبعضها لا في الجهات الاُخر ، وعليه فالشرط الثاني المتفرّع على
- (1) شرائع الإسلام : 2 / 181 .
(الصفحة 101)
الشرط الأوّل إنّما هو من قبيل شرط النتيجة لا شرط الفعل .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ المفروض في كلام المحقّق في الصورتين إنّما هو ما إذا كانت الإجارة واحدة . غاية الأمر اشتمالها على شرطين ، وكون الشرط الثاني متفرّعاً على الشرط الأوّل وتابعاً له .
وقد انقدح من بيان الخصوصيات المفروضة في كلامه (قدس سره) أنّه يمكن هنا تصوير صور اُخرى كثيرة فاقدة لشيء من تلك الخصوصيات ، أو لأكثرها ، أو لجميعها ، مثل ما إذا كان الزمان المعيّن مأخوذاً على نحو التقييد ، أو كون المشروط بالشرط الثاني الإسقاط الذي هو فعل ، أو عدم الثبوت من رأس دون السقوط الذي هو فرع الثبوت ، أو كون الإجارة متعدّدة بنحو الترتيب أوالتخيير أوغيرها من الفروض المتصوّرة الاُخرى.
وكيف كان ، فلابدّ فعلاً من البحث في الفرعين اللّذين تعرّض لهما المحقّق وسائر الأصحاب ، تبعاً للرواية الواردة في هذا المقام، التي سيأتي التعرّض لها ، فنقول :
أمّا الفرع الأوّل : فالمشهور(1) فيه على الصحّة والجواز ، بل المحكي عن إيضاح النافع أنّه الذي عليه الفتوى(2) ، وخالفهم في ذلك ابن إدريس(3)والعلاّمة في المختلف(4) وولده في شرح الإرشاد(5) والمحقّق والشهيد
- (1) النهاية : 448 ، المهذّب : 1 / 487 ، قواعد الأحكام : 2 / 284 ، التنقيح الرائع : 2 / 263ـ264 ، رياض المسائل : 6/24 ، وادّعى الشهرة في غاية المرام : 2 / 317 وجواهر الكلام : 27 / 229 .(2) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 108 .(3) السرائر : 2 / 469 .(4) مختلف الشيعة : 6 / 118 مسألة 16 .(5) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 110 .
(الصفحة 102)
الثانيان(1) ، فحكموا بالبطلان ، وإن اختلفوا من جهة كون الموضوع لهذا الحكم هل هو الشرط فقط ، كما حكي عن الأوّل ، أو هو مع العقد ، كما حكي عن الباقين ؟ ولابدّ لنا أوّلاً من التكلّم فيما تقتضيه القاعدة ثمّ البحث في الرواية .
فنقول : بعد بيان أنّ محطّ النظر في بيان مقتضى القاعدة ليس خصوص هذا الفرع الذي عنونه الأصحاب في كتبهم ، بل مطلق موارد اشتراط نقص الاُجرة ، ولو لم يكن لأجل التخلّف عن الزمان المعيّن ، بل لأجل اُمور اُخر ، وبعد بيان أنّ محلّ النزاع هي الصورة التي كانت صحّة الإجارة ـ مع قطع النظر عن هذا الشرط ـ مفروغاً عنها ، وعليه فبعض صور أخذ الزمان بنحو التقييد ووحدة المطلوب الذي تكون الإجارة فيه باطلة ، خارج عمّا هو محلّ الكلام هنا ، بل يمكن أن يقال بخروج جميع صور أخذ الزمان كذلك ، أي بنحو القيدية ; لأنّ اشتراط النقص على فرض التخلّف مرجعه إلى عدم كون الزمان مأخوذاً بنحو وحدة المطلوب ، وإلاّ فمع تعلّق الغرض بالعمل الخاصّ مكاناً وزماناً لا يبقى مجال لجعل اُجرة ولو ناقصة بإزاء العمل الواقع في غير ذلك الزمان ، فاشتراط النقص يساوق كون الزمان مأخوذاً بنحو الاشتراط لا التقييد .
نعم ، لا يختصّ محلّ النزاع بما إذا لم يكن للمشترط خيار في عقد الإجارة ، كما لايخفى .
وكيف كان ، فقد يقال في المقام : بأنّ مقتضى القاعدة هي البطلان وعدم الصحّة ، والذي قيل في وجهه أو يمكن أن يقال اُمور :
- (1) جامع المقاصد : 7 / 107 ، مسالك الأفهام : 5 / 181 ، الروضة البهية : 4 / 335 ـ 336 .
(الصفحة 103)
أحدها : الغرر الذي ينشأ من الجهالة ; لأنّه لم يعلم الوصول في ذلك الزمان المعيّن حتّى يستحقّ تمام الاُجرة ، أو في غيره حتّى لا يستحقّ إلاّ البعض ، وهذا غرر يوجب بطلان الإجارة أيضاً لسراية الجهالة إليها ، وفي الحقيقة تكون الاُجرة غير معلومة .
ويرد عليه : مضافاً إلى عدم الدليل على قدح الغرر في الإجارة كما عرفت(1) ، منع تحقّق الغرر فيها ; لأنّ المفروض عدم كون الصورتين مورداً للإجارة ، بل مورد الإجارة هو نفس العمل والاُجرة بإزائها . غاية الأمر أنّه اشترط فيها زمان معيّن ، ووقع في ضمنه اشتراط النقص على فرض التخلّف عنه ، فمورد الإجارة هي نفس العمل ، والاُجرة الواقعة بإزائها معلومة وهي الاُجرة الكاملة ، واشتراط النقص لايرجع إلى عدم الثبوت ، بل هو متفرّع عليه وملحوظ بعد تحقّقه ، فلا جهالة فيها أصلاً . ومن هنا ظهر أنّ تنظير المقام بمسألة البيع بثمنين نقداً ونسيئة في غير محلّه ; لعدم كون صورة عدم الإيصال مورداً للإجارة ، بل صورة الإيصال أيضاً ; لأنّ موردها هو نفس العمل المعلوم ، الذي وقع بإزائه اُجرة معلومة كما لايخفى .
ثانيها : الإبهام وعدم التعيين ; نظراً إلى أنّ الاُجرة مردّدة بين التامّة والناقصة ، فيكون كبيع الدار مثلاً بأحد هذين العبدين .
والجواب عنه يظهر ممّا تقدّم من أنّ الاُجرة لا تكون مردّدة بينهما أصلاً ، بل هي الاُجرة التامّة الواقعة بإزاء نفس العمل ، غاية الأمر أنّه اشترط نقصها بمقدار معيّن في فرض التخلّف عن الزمان المعيّن
(الصفحة 104)
المشروط ، وهذا لا يوجب الترديد في أصل الاُجرة ، فالتنظير بمثال البيع المذكور في غير محلّه أيضاً .
ثالثها : التعليق نظراً إلى أنّ النقص المشترط إنّما هو معلّق على عدم الوصول ، وهو أمر غير معلوم الحصول ، والتعليق في مثله باطل .
ويرد عليه : أنّ التعليق القادح على تقدير تسليمه إنّما هو فيما إذا كان إنشاء المعاملة وإيقاعها معلّقاً على أمر موصوف بالوصف المذكور ، وهنا الإنشاء لا يكون معلّقاً بوجه ، والتعليق في الشرط لم يقم دليل على كونه مبطلاً له فضلاً عن كونه موجباً لبطلان الإجارة أيضاً ، بل ظاهرهم أنّ الحكم بالصحّة في مسألة اشتراط الخيار معلّقاً بردّ الثمن إنّما هو على وفق القاعدة(1) .
رابعها : كون هذا الشرط مخالفاً لمقتضى العقد ، نظراً إلى أنّ العقد يقتضي الاُجرة التامّة ، والشرط يخالفه في ذلك .
ويرد عليه : ما عرفت من أنّ محلّ البحث إنّما هو اشتراط السقوط ، الذي هو فرع الثبوت ، فهذا الشرط مضافاً إلى أنّه لا يكون مخالفاً لما يقتضيه العقد ربما يكون مؤكّداً له ، كما لا يخفى .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لم يثبت اقتضاء القاعدة للبطلان ، بل مقتضى عموم دليل الشرط(2) صحّة هذا الاشتراط في المقام ، بناءً على كون العموم مسوقاً لإفادة الصحّة واللزوم معاً ، وأمّا بناءً على إفادته لمجرّد اللزوم في الشرط الذي كانت صحّته مفروغاً عنها بدليل آخر ، فلابدّ من
- (1) راجع كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 5 / 125 ـ 131 .(2) وسائل الشيعة : 18 / 16 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب6 ، مستدرك الوسائل : 13 / 300 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب5 .