(الصفحة 215)
فرض الصحّة في ذلك الزمان أيضاً لا يتحقّق غرر ولا تثبت جهالة أصلاً . واُخرى بأنّ الأُصول العمليّة التي منها الاستصحاب وإن قلنا بالإجزاء فيها في الأحكام التكليفيّة ، ولكنّها لا تصلح لإثبات الأحكام الوضعية مع انكشاف الخلاف وعدم المصادفة للواقع ، فلا مجال للاتّكاء على استصحاب عدم البلوغ ، والحكم باللزوم وعدم الوقوف على الإجازة بالإضافة إلى ما بعد البلوغ أيضاً ، وهذا الإشكال على تقدير وروده إنّما يكون أثره البطلان بالنسبة إلى خصوص ما بعد البلوغ من المدّة ، كما أنّ الإشكال الأوّل على تقدير وروده يكون أثره البطلان بالإضافة إلى جميع المدّة .
والظاهر عدم ورود هذا الإشكال أيضاً ; لأنّ ملاك الإجزاء في الأحكام التكليفية موجود في الأحكام الوضعية أيضاً ، فإنّ مناط الإجزاء هناك هو التصرّف بمقتضى دليل اعتبار الأصل العملي في الأدلّة الأوّليّة الدالّة على الأجزاء والشرائط ، وتعميم دائرة الشرط والجزء بحيث لا يكون لهما اختصاص بالواقعيين منهما ، وهذا المناط موجود هنا ، فإنّ مفاد دليل اعتبار الاستصحاب يرجع إلى التصرّف في دليل ثبوت الولاية وتعميم دائرتها لصورة الشكّ ، وإن كان مصادفاً للبلوغ واقعاً .
وبالجملة : لايرى فرق بين المقامين ، ولا يتحقّق تصويب في البين على تقدير التعميم للأحكام الوضعية أصلاً ، فالحق حينئذ ما أفاده في الشرائع من الصحّة ولو اتّفق البلوغ واقعاً .
الثالث : في أنّه هل للصبي الفسخ بعد البلوغ أم لا ؟ والظاهر أنّ هذا الفرع إنّما يتفرّع على تقدير صحّة الإجارة في جميع المدّة المحتملة ، حتّى المصادفة منها للبلوغ واقعاً ، وعليه فيكون المراد بالفسخ هو الفسخ الاصطلاحي الذي
(الصفحة 216)
موضوعه العقد الصحيح ، لا الفسخ بمعنى ردّ العقد المساوق للبطلان في المقام ، وإن كان ربما يحتمل ذلك في عبارة الشرائع(1) ، بناءً على أن يكون شروع الجملة الأخيرة من قوله : «ولو اتّفق البلوغ فيه» وكان قوله : «وهل للصبي» مصدَّراً بالفاء بدل الواو كما في الجواهر(2) . وأمّا على تقدير كون شروع الجملة من قوله : «وهل . . .» ـ كما في نسخة الشرائع الموجودة عندي ـ يكون المراد بالفسخ هو الفسخ بعد تماميّة العقد وصحّته ، ولكنّه يقع الإشكال حينئذ في مدرك ثبوت هذا الحقّ للبالغ ، نظراً إلى أنّه إذا جاز للولي الإيجار اتّكالاً على الاستصحاب، وكان الاستصحاب كافياً للحكم بالصحّة ولو بالنسبة إلى ما بعد البلوغ ، فلا يبقى وجه لعروض التزلزل من ناحية الطفل الذي صار بالغاً فعلاً ، ولا مجال لثبوت حق الفسخ له أصلاً ، كما لايخفى .
- (1) شرائع الإسلام : 2 / 188 .(2) جواهر الكلام : 27 / 333 .
(الصفحة 217)
[لو وجد العيب في العين المستأجرة والاُجرة]
مسألة : لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيباً سابقاً كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجباً لنقص المنفعة كالعرج في الدابّة، أو الاُجرة كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب . هذا إذا كان متعلّق الإجارة عيناً شخصية ، ولو كان كليّاً وكان الفرد المقبوض معيباً فليس له فسخ العقد ، بل له مطالبة البدل إلاّ إذا تعذّر فله الفسخ . هذا في العين المستأجرة . وأمّا الاُجرة فإن كانت عيناً شخصية ووجد المؤجر بها عيباً كان له الفسخ ، فهل له مطالبة الأرش ؟ فيه إشكال . ولو كانت كليّة فله مطالبة البدل ، وليس له فسخ العقد إلاّ إذا تعذّر البدل1 .
1 ـ الأولى أن نبحث في هذه المسألة في خصوص الأُجرة لجريان أحكام العين فيها كلاًّ ، مع إضافة احتمال ثبوت الأرش المختصّ جريانه بها ، فنقول : الكلام فيه يقع في مقامين :
المقام الأوّل : فيما إذا كانت الاُجرة كليّة مضمونة في الذمّة ، وليعلم أوّلاً أنّه لامجال في هذه الصورة لتوهّم الفرق بين ما إذا كان العيب سابقاً على العقد أو لاحقاً عليه قبل القبض ، وذلك لوضوح أنّ الأُجرة الكليّة لا تتعيّن إلاّ بالتسليم والقبض ، فقبله لا يكون المعيب متعيّناً لأن يكون اُجرة ، فلا فرق بين أن يكون العقد متأخّراً عن طروّه أو متقدّماً عليه ، ولذا قيّد المحقّق بكونه سابقاً على القبض ، حيث قال : إذا وقف المؤجر على عيب في الاُجرة سابق على القبض كان له الفسخ أو المطالبة بالعوض إن كانت الاُجرة مضمونة ، وإن كانت معيّنة كان له الردّ والأرش(1) .
- (1) شرائع الإسلام : 2 / 181 .
(الصفحة 218)
وكيف كان ، فمقتضى ظاهر العبارة في هذا الفرض التخيير بين الفسخ والإبدال مطلقاً ، من دون فرق بين صورتي التمكّن من البدل وعدمه ، ولكنّ المحكي عن بعض نسخ الشرائع المصححة «الواو»بدل «أو» ، وعليه فلابدّ أن يحمل الفسخ على فسخ الوفاء المساوق للإبدال لا على فسخ العقد ، كما هو الظاهر من لفظه بناءً على النسخة المشهورة ، لكن في الشروح(1) حمل الفسخ على صورة التعذّر والإبدال على مورد التمكّن .
واختار العلاّمة في القواعد وجوب الإبدال أوّلاً ، ومع التعذّر ثبوت الفسخ أو الرضا بالأرش(2) ، وحكى هذا القول في المفتاح(3) عن جامع المقاصد(4) وتعليق الإرشاد واللمعة(5) والمسالك(6) والروض والروضة(7) ومجمع البرهان(8)والكفاية(9) ، وعليه فنسبة مختار الشرائع إلى المشهور مع أنّ الموافق له هو التحرير(10) والإرشاد(11) ـ كما وقع من المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في كتاب الإجارة(12)ـ
- (1) مسالك الأفهام : 5 / 180 ، جواهر الكلام : 27 / 221 .(2) قواعد الأحكام : 2 / 286 .(3) مفتاح الكرامة : 7 / 122 .(4) جامع المقاصد: 7 / 118.(5) اللمعة الدمشقية : 94 .(6) مسالك الأفهام : 5 / 180 .(7) الروضة البهية : 4 / 334 .(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 31.(9) كفاية الأحكام : 124 .(10) تحرير الأحكام : 3 / 129 .(11) إرشاد الأذهان : 424 .(12) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 54 .
(الصفحة 219)
لعلّها في غير محلّها .
وبالجملة : يحصل لنا بملاحظة ما ذكرنا من الأقوال احتمالات ثلاثة ، وهنا احتمال رابع أورده في الجواهر(1) بصورة المناقشة ودفعه بوضوح فساده ، ويظهر من عبارة الشرائع المتقدّمة بناءً على نسخة الواو كما عرفت ; وهو أن يقال بتعيّن الإبدال المساوق لفسخ الوفاء مطلقاً في صورتي التمكّن وعدمه . غاية الأمر أنّه مع التمكّن يطالب بالعوض الصحيح ، ومع عدمه ينتظر حتّى يتمكّن أو يغرم قيمته ، ولا وجه لفسخ المعاملة بعد وقوعها على الاُجرة الكليّة .
واحتمال خامس يظهر من اللمعة(2) ; وهو تعيّن الفسخ مطلقاً ، ولعلّ الوجه فيه أنّه لا معنى للإبدال بعد تعيّن المعيب لأن يكون اُجرة ، فلا فرق حينئذ بين المقام وبين ما إذا كانت الاُجرة معيّنة ، من جهة أنّه لا وجه فيه للتعويض والإبدال كما هو ظاهر .
وكيف كان ، فيمكن الإيراد على من حكم بالإبدال والفسخ مخيّراً بأنّ الاُجرة الكليّة المتّصفة بوصف الصحّة بحسب اللبّ والحقيقة هل يتحقّق تسليمها المساوق للتعيّن بدفع الفرد المعيب من تلك الحقيقة ، نظراً إلى أنّه كما لا يكون وصف الصحّة في الجزئية مقوّماً لموصوفها ، ولذا لا يقدح تخلّفه في صحّة المعاملة ، كذلك بالنسبة إلى الكليّة ، فإنّه حيث يكون وصفاً محضاً غير مقوّم لها ، فلا يكون فقدانه مانعاً عن حصول الإقباض وتحقّق التسليم ، أو أنّه لا يتحقّق إقباض الكلّي الموصوف بدفع فرد فاقد للوصف ولو كان هو وصف
- (1) جواهر الكلام : 27 / 221 .(2) اللمعة الدمشقية : 94 .