(الصفحة 110)
ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور في رواية الحلبي بخصوص موردها ; وهو ما إذا استأجر الدابّة للحمل وشرط عليه كذا وكذا ، بل يعمّ سائر الموارد المشابهة ; وهو مثل ما إذا استأجر شخصاً للحمل ، أي حمل المتاع أو حمل نفسه ، ومثل ما إذا اشترط عليه الحطّ والتنقيص على تقدير أمر آخر غير التخلّف عن الزمان المشترط ، وغير ذلك من الموارد . هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل .
وأمّا الفرع الثاني : وهو اشتراط سقوط الاُجرة إن لم يوصله في الزمان المعيّن المشروط ، فيقع الكلام فيه تارةً في جواز هذا النحو من الاشتراط وعدمه ، واُخرى في أنّه على تقدير العدم وبطلان العقد لأجل هذا الشرط هل تثبت اُجرة المثل أم لا ؟ فنقول :
أمّا الكلام في الجواز وعدمه ، فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة هو الجواز فيما هو محلّ النزاع بحسب ظاهر الكلمات ; وهو ما إذا كان أخذ الزمان المعيّن بنحو الاشتراط وتعدّد المطلوب لا بنحو التقييد ، وإن كان اشتراط سقوط الاُجرة رأساً على تقدير التخلّف عن ذلك الزمان ربّما يكون ملائماً لكون الزمان مأخوذاً بنحو وحدة المطلوب ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، فمحلّ الكلام هو خصوص صورة الاشتراط ، كما أنّ محلّه ما إذا شرط سقوط الاُجرة ، والظاهر من عبارة السقوط أمران : أحدهما : كونه متفرّعاً على الثبوت ، والآخر : كونه من قبيل النتائج دون الأفعال ، وعليه فاشتراط عدم الثبوت من رأس الذي كان مرجعه إلى قصور المقتضي ، وعدم تأثير العقد بالنسبة إلى الاُجرة خارج عمّا هو محلّ الكلام هنا ، كما أنّ اشتراط الإسقاط الذي هو من الأفعال أيضاً كذلك وإن كان الظاهر جواز اشتراط الإسقاط ; لعدم مانع عن صحّته .
(الصفحة 111)
نعم ، في اشتراط عدم الثبوت كلام من جهة كون الشرط مخالفاً لمقتضى الإجارة ، حيث إنّ مرجعه إلى استحقاق العمل عليه بعقد الإجارة بلا اُجرة ، فيكون مثل قوله : «آجرتك بلا اُجرة» وإن كان ربما يمنع ذلك ; نظراً إلى أنّ اشتراط سقوط الاُجرة مخالف لمقتضى العقد فيما إذا كان منجّزاً ، وأمّا فيما إذا كان معلّقاً على تقدير يمكن أن يحصل ويمكن أن لا يحصل فلا يكون مخالفاً لمقتضاه مطلقاً بل ، على تقدير حصول ذلك الأمر ، وعليه فلابدّ من الحكم بكون العقد مراعى لا إبطاله من أوّل الأمر قبل تحقّق المعلّق عليه .
وكيف كان ، فمحلّ الكلام هو اشتراط السقوط المتفرّع على الثبوت ، كما أنّ محلّه ما إذا كان المشروط سقوط الاُجرة المسمّـاة ، وأمّا لو شرط سقوط مطلق الاُجرة حتّى اُجرة المثل فهو خارج عن محلّ البحث وإن كان فيه شبهة ; نظراً إلى أنّ اُجرة المثل إنّما تكون متفرّعة على بطلان العقد ، وفي مرتبة البطلان لا معنى لنفوذ الشرط ولزوم الالتزام به ، ولكنّه يدفعها ـ مضافاً إلى أنّ مورد هذه الشبهة ما إذا كان الزمان مأخوذاً بنحو التقييد دون الاشتراط ; لأنّه على التقدير الثاني لا مجال لفرض البطلان ; لأنّ تخلّف الشرط لا يوجب بطلان العقد ـ ما عرفت سابقاً في مسألة اشتراط ضمان العين المستأجرة من كفاية حدوث العقد صحيحاً في لزوم الوفاء بالشرط المذكور في ضمنه(1) .
إذا تقرّر لك محلّ النزاع يظهر أنّ مقتضى القاعدة فيه الجواز والصحّة ، وأنّه لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد ; لأنّ غاية مقتضاه هو ثبوت الاُجرة ،
(الصفحة 112)
والشرط لا ينافي ذلك بل متفرّع عليه ، وهذا هو الوجه في الجواز لا ما أفاده الشهيد (رحمه الله) في اللمعة بعد الحكم بعدم الصحّة ، بقوله : وفي ذلك نظر ; لأنّ قضية كلّ إجارة المنع من نقيضها ، فيكون قد شرط قضية العقد ، فلم تبطل في مسألة النقل أو في غيرها . غاية ما في الباب أنّه إذا أخلَّ بالمشروط يكون البطلان منسوباً إلى الأجير ، ولا يكون حاصلاً من جهة العقد(1) ، انتهى . وذلك لأنّ الظاهر أنّ المفروض في كلامه ما إذا كان أخذ الزمان بنحو التقييد لا بنحو الاشتراط ، وإلاّ لما كان الفعل في غير ذلك الزمان نقيضاً للعقد حتّى يكون مقتضاه المنع عنه ، كما لا يخفى .
نعم ، يرد عليه أنّه على تقدير التقييد أيضاً لا وجه للحكم ببطلان الإجارة مع الإخلال بالقيد ; لأنّ عدم الإتيان بمتعلّق الإجارة وعدم تسليم العمل الخاصّ لا يوجب البطلان .
وكيف كان ، فالقاعدة في مثل المقام تقتضي الجواز والنفوذ . نعم ، يبقى الكلام في أنّه على تقدير البطلان هل يكون مقتضاه فساد العقد أيضاً أم لا ؟
قال صاحب الجواهر (رحمه الله) بعد الحكم بعدم جواز هذا الشرط ، نظراً إلى كونه منافياً لمقتضى العقد : وبفساده يفسد العقد كما هو الأصحّ(2) . وقال المحقّق الرشتي (رحمه الله)بعد الإشارة إلى هذا الكلام : ولعلّه خلاف مختاره في مسألة فساد العقد بفساد الشرط ، ثمّ قال : وقد يوجّه بأنّ هذا الشرط مفسد للعقد إجماعاً ; لأنّه مناف لمقتضى العقد ، والشرط الذي لايفسد
- (1) اللمعة الدمشقية : 94 ـ 95 .(2) جواهر الكلام : 27 / 233 .
(الصفحة 113)
العقد على القول به ما يكون فساده من جهة اُخرى(1) ، انتهى .
أقول : إن كان المستند في ذلك هو الإجماع على أنّ الشرط المنافي لمقتضى العقد مفسد له فهو على تقدير تحقّقه لا محيص عنه ، وإن كان المستند فيه هو مجرّد المنافاة لمقتضى العقد كما يظهر من التعليل به، فنقول : إنّ مجرّد ذلك لا يقتضي بطلان العقد ، ولو كان مرجع الاشتراط إلى قصور المقتضي وعدم الثبوت من الأوّل ، فضلاً عمّا لو اشترط السقوط المتفرّع على الثبوت ; لأنّ المنافاة له لا تقتضي إلاّ الحكم بفساد المنافي ، ولا يوجب خللاً في العقد من جهة التأثير والاقتضاء أصلاً ، فتدبّر .
هذا كلّه مع قطع النظر عن رواية الحلبي المتقدّمة ، وأمّا مع ملاحظتها فذيلها يدلّ على جواز الشرط ما لم يكن محيطاً بجميع الكراء ، وقد عرفت أنّ الظاهر من موردها ما إذا اشترط السقوط المتفرّع على الثبوت لا عدم الثبوت ; نظراً إلى أنّ المراد من الكراء في قوله : «حططت من الكراء» هو الكراء الثابت لا الكراء المفروض ، والظاهر أنّ المراد من الجواب هو الإحاطة بجميع الكراء خارجاً بحسب تعدّد الأيّام التي احتبس عنها ، وصيرورة المجموع ممّا وقع بإزاء كلّ يوم بمقدار الكراء ، وأمّا لو كان محيطاً بجميع الكراء من الأوّل ; بأن شرط سقوط الاُجرة على تقدير التخلّف عن الزمان المعيّن ولو لحظة على نحو ناقض العدم لا الاستيعاب ـ كما في مورد الرواية ـ فهو خارج عنها . نعم ، يستفاد حكمه من الرواية كما لا يخفى .
- (1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 104 .
(الصفحة 114)
وكيف كان ، فقد وقع الاختلاف بينهم في أنّه هل اللاّزم حمل هذا الذيل على التعبّد ; نظراً إلى اقتضاء القاعدة للجواز في الفرعين كما هو الظاهر ، أو أنّ مقتضى القاعدة هو الفرق بينهما ، أو أنّه يحمل النصّ على اشتراط الجعالة في ضمن الإجارة ; لأنّ شرط سقوط البعض بحسب أيّام الحبس لا مانع عنه إلاّ الجهالة التي لا تقدح في الجعالة ، بخلاف شرط سقوط الكلّ ، فإنّ الجعالة بلا اُجرة غير مشروعة ، فتكون فاسدة ؟ فهذه وجوه ثلاثة اختار الأوّل المحقّق الإصفهاني (رحمه الله)(1) . والثاني صاحب الجواهر (رحمه الله)(2) . والثالث المحقّق الرشتي (رحمه الله)(3) .
هذا ، ولكن الظاهر كما عرفت هو الوجه الأوّل ; لأنّ القاعدة لا تقتضي الفرق ، وحمل النصّ على الجعالة في كمال البُعد . وأمّا ما حكي عن الشيخ العلاّمة الأنصاري (رحمه الله)(4) من رجوع شرط سقوط الاُجرة إلى شرط الأرش بين الاُجرتين والأرش المستوعب غير معقول ، فلا معنى لاشتراطه . فيرد عليه أوّلاً منع الرجوع إليه ، وثانياً منع كونه موجباً لفساد العقد ، كما لايخفى .
ثمّ لا يذهب عليك أنّ الرواية تكون غاية مفادها مجرّد فساد الشرط مع الإحاطة بجميع الكراء ، وأمّا بطلان العقد فيبتني على القول بأنّ الشرط الفاسد مطلقاً ، أو في خصوص مثل المقام ; وهو الشرط المنافي لمقتضى العقد على تقدير تسليم ذلك ، مفسد أم لا ؟ فإن قلنا بعدم البطلان كما هو
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 75 .(2) جواهر الكلام : 27 / 234 .(3) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 105 .(4) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 5 / 398 ـ 399 .