(الصفحة 549)
ذكر التمر في رواية أبي بصير بناءً على عدم كونه قرينة على أنّ المراد هي المساقاة دون الإجارة كما عرفت ـ يكون التعليل بعدم المضمونيّة في غير الذهب والفضّة قرينة على عدم الاختصاص . هذا ما يتعلّق بالفرض الأوّل .
وأمّا الفرض الثاني : وهو اشتراط أداء مال الإجارة ممّا يحصل من الأرض المستأجرة مع كونه في الذمة، فقد حكم فيه أيضاً في المتن بعدم الجواز ، واستشكل في جوازه صاحب العروة واحتاط بالعدم(1) ، والوجه في عدم الجواز هو ظهور بعض الروايات المتقدّمة في هذا الفرض كرواية الفضيل ، فإنّ التعبير بكلمة «من» في الجواب لعلّه ظاهر في أنّ المراد اشتراط الأداء من حاصل الأرض لا كونه عين مال الإجارة ، وإن كان في الاستظهار نظر ; لأنّ اسم كان في الجواب هو الضمير العائد إلى الطعام المذكور في السؤال الذي هو مال الإجارة ، والمراد حينئذ إن كان الطعام المجعول مال الإجارة بعضاً من طعامها فلا خير فيه ، ومن المعلوم عدم شمول هذا العنوان لهذا الفرض كما لا يخفى .
مضافاً إلى رواية الحسن الواردة في البيع : عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض ، قال : حرام(2) . بناءً على عدم ظهور الفرق بين ثمن المبيع والاُجرة ، وإن كان هذا الأمر مع فرض كون الحكم على خلاف القاعدة لا مجال له أصلاً ، للزوم الاقتصار على مورد التعبّد ، ولكن مع ذلك نفى البعد عن الجواز صاحب الجواهر(3) نظراً إلى العمومات ، ولكنّ الأقرب ما في
- (1) العروة الوثقى : 5 / 97 .(2) التهذيب : 7 / 149 ح661 ، وسائل الشيعة : 18 / 237 ، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار ب12 ح2 .(3) جواهر الكلام : 27 / 12 .
(الصفحة 550)
المتن لما عرفت .
وأمّا الفرض الثالث : وهي الإجارة بالحنطة أو الشعير من غير تقييد ولااشتراط بكونها منها ، فقد قرّب فيه في المتن الجواز خلافاً لبعضهم(1) ، حيث منع منه مع كونها من جنس ما يزرع فيها ، لصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمّ تزرعها حنطة(2) . ويمكن الاستدلال له بمرسلة يونس المتقدّمة الظاهرة في عدم جواز مؤاجرة الأرض بمطلق الطعام ، معلّلاً بأنّه لا يجوز إجارة الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير ، وأورد على الاستدلال بالصحيحة صاحب الجواهر بأنّه مع عدم وفائها بتمام المدّعى يمكن حملها على إرادة ما إذا كان منها ، بل لعلّه لا يخلو من إيماء إليه ، أو يحمل النهي فيها على الكراهة(3) .
وتنظّر في الحمل الأخير في المسالك بقوله : وفيه نظر ; لأنّ النهي مطلق ، ولا منافاة بينه وبين تحريم شرطه من طعامها حتّى يجمع بينهما بحمله عليه ـ إلى أن قال :ـ مع أنّه يمكن هنا حمل الخبر الأوّل على الإطلاق كالثاني ; بأن يريد بكونه من طعامها أي من جنسه ، ويؤيّده ظهور الكراهة منه ، ولو كان من نفسه لكان اللاّزم التصريح بالمنع ، فإنّ عدم الخير لايبلغ حدّ المنع ، فإنّ المباح أو المكروه لا يوصف بالخير ولا بضدّه ، وبينه وبين الشرّ واسطة ، وأمّا النهي فالأصل فيه التحريم ، فحمله على الكراهة بغير دليل آخر غير حسن ، وقول ابن البرّاج بالمنع
- (1) المبسوط : 3 / 255 ، قواعد الأحكام : 2 / 312 ، مختلف الشيعة : 6 / 149 ـ 150 مسألة 73 ، مفتاح الكرامة : 7/302 .(2) الكافي : 5 / 265 ح3 ، وسائل الشيعة : 19 / 54 ، كتاب المزارعة ب16 ح3 .(3) جواهر الكلام : 27 / 13 .
(الصفحة 551)
مطلقاً(1) لا يخلو من قوّة، نظراً إلى الرواية الصحيحة ، إلاّ أنّ المشهور خلاف قوله(2) .
وفيه وضوح المنافاة بين هذه الصحيحة ، وبين ما يدلّ على تحريم شرطه من طعامها ; لوضوح إفادته التفصيل بين الصّورتين والحكم بالجواز مع عدم الشرط المذكور ، وإلاّ تلزم لغويّة التقييد مع إطلاق مورد السؤال ، فدلالته على الجواز في غير ما إذا كان هناك شرط من طعامها ظاهرة ، وبهذه الدلالة تعارض الصحيحة ، فلا محيص عن حمل النهي فيها على الكراهة ، وبهذا يظهر أنّه لا يمكن حمل الخبر الأوّل على الإطلاق بعد ظهوره في ثبوت الصورتين ، والإطلاق ينافي ذلك ، وأمّا عدم الخير فظهوره في التحريم غير قابل للإنكار لمن تتبّع موارد استعماله في الروايات .
مضافاً إلى أنّه كيف يمكن الجمع بين حمل هذه الرواية على الكراهة وإبقاء النهي في الصحيحة على ظاهره من الحرمة ، وإلى أنّ مخالفة الصحيحة للشهرة العظيمة توجب خروجها عن الحجّية بعد فرض المعارضة وعدم إمكان الجمع ، وإلى أنّ التعليل بعدم المضمونية في الحنطة والشعير لا يجري في هذا الفرض بوجه ، وإلى معارضة الصحيحة بخبر الهاشمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً قال : سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّـاة أو بطعام مسمّى ثمّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك ؟ قال : نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم
- (1) المهذّب: 2 / 10.(2) مسالك الأفهام : 5 / 13 ـ 14 .
(الصفحة 552)
بذلك فله ذلك .
قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّـاة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريباً جريباً بشيء معلوم ، فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان ولا ينفق شيئاً ، أو يؤاجر تلك الأرض قطعاً على أن يعطيهم البذر والنفقة ، فيكون له في ذلك فضل على إجارته وله تربة الأرض ، أو ليست له ؟ فقال له : إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت(1)، فإنّ دلالتها على مفروغيّة جواز إجارة الأرض بطعام مسمّى من غيرها واضحة لا ارتياب فيها ، فالأقوى ما في المتن من الجواز في هذه الصورة .
- (1) الكافي : 5 / 272 ح2 ، وسائل الشيعة : 19 / 127 ، كتاب الإجارة ب21 ح3 و4 .
(الصفحة 553)
[ضمان الأجير والعامل]
مسألة : العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر في مدّة الإجارة ، فلايضمن تلفها ولا تعيّبها إلاّ بالتعدّي والتفريط ، وكذا العين التي للمستأجر بيد من آجر نفسه لعمل فيها ـ كالثوب للخياطة والذهب للصياغة ـ فإنّه لا يضمن تلفها ونقصها بدون التعدّي والتفريط . نعم ، لو أفسدها بالصبغ أو القصارة أو الخياطة حتّى بتفصيل الثوب ونحو ذلك ضمن وإن كان بغير قصده ، بل وإن كان استاذاً ماهراً وقد أعمل كمال النظر والدقّة والاحتياط في شغله ، وكذا كلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده ضمنه ، ومن ذلك ما لو استؤجر القصّاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراماً ، فإنّه ضامن لقيمته ، بل الظاهر كذلك لو ذبحه تبرّعاً1 .
1 ـ يقع الكلام هنا في ثبوت الضمان في العين المستأجرة وعدمه ، وتفصيله في ضمن مسائل أربع :
المسألة الاُولى : ضمان العين المستأجرة بالإجارة الصحيحة في مدّة الإجارة وعدمه مع عدم اشتراطه ، والكلام فيه تارةً من حيث اقتضاء القاعدة مع قطع النظر عن الإجماع والنصوص الخاصّة ، واُخرى فيما هو مقتضى النصوص والإجماع .
أمّا من الجهة الاُولى فمقتضى ظاهر العبارات أنّها أمانة في يد المستأجر ، فلايضمنها إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، ومن المعلوم اشتمال هذه العبارات على أمرين : أحدهما صغرى، والآخر كبرى ، أمّا الكبرى ; وهي عدم استتباع اليد الأمانية للضمان ، فالظاهر أنّه لا تنبغي المناقشة فيها ، كما يظهر بالتتبع في الموارد الكثيرة المختلفة التي يستشهدون بها ، وكما يظهر من الاقتصار في الروايات الكثيرة