(الصفحة 138)
وكيف كان ، الحكم بعدم دخول خيار المجلس في عقد الإجارة إمّا أن يكون مستنداً إلى الإجماع المنقول مستفيضاً ، أو متواتراً كما في الجواهر(1) ، وإمّا أن يكون لأجل عدم الدليل على ثبوته في غير البيع ، مع أنّ الدخول يحتاج إلى الدليل كما عرفت في صدر المسألة .
أمّا لو كان المستند هو الإجماع فيرد على التمسّك به أنّ حجية الإجماع منحصرة بما إذا لم يحتمل استناده إلى الأدلّة الموجودة بأيدينا ، وأمّا مع احتمال الاستناد فلا يبقى له قيمة في نفسه ، بل لابدّ من النظر في مستنده ، والمقام من هذا القبيل كما هو غير خفيّ .
وأمّا لو كان الوجه عدم الدليل على ثبوته في غير البيع فنقول : وإن كان ظاهر كثير من الروايات الواردة في خيار المجلس الورود في مورد البيع ، ولا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية والحكم بعدم مدخلية البيع عند العرف في ثبوت خيار المجلس ، وأنّ التعبير به لكونه من أظهر مصاديق التجارة والمعاملة ، كما أنّه لامجال لدعوى كون خيار المجلس أمراً ثابتاً عند العقلاء جارياً في غير البيع أيضاً ، بعد ماعرفت من أنّ العقود عند العقلاء كلّها مبنية على اللزوم ، إلاّ أنّ هنا بعض الروايات التي يمكن الاستدلال بإطلاقها على الجريان في الإجارة أيضاً ، وهي رواية عمر بن يزيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، التي رواها المشايخ الثلاثة ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا التاجران صدقا بورك لهما ، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما ، وهما بالخيار ما لم يفترقا ، فإن اختلفا فالقول قول ربّ السلعة أو يتتاركا (يتشاركا خل)(2) . بناءً على عدم
- (1) جواهر الكلام : 27 / 217 .(2) الكافي : 5 / 174 ح2 ، التهذيب : 7 / 26 ح110 ، الخصال : 45 ح43 ، وسائل الشيعة : 18 /7 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب1 ح6 .
(الصفحة 139)
اختصاص التجارة بالبيع ، كما يدلّ عليه قوله تعالى :
{رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ . . .}(1). ويؤيّده استدلال الأصحاب بآية التجارة عن تراض في غير البيع ، فالمسألة محلّ إشكال .
ثمّ إنّه هل يجوز اشتراط خيار المجلس في عقد الإجارة ؟ حكى الشهيد (قدس سره) عن المبسوط أنّه جوّز اشتراطه(2)، وقال ـ أي الشهيد ـ : إنّه إن أراد به مع تعيين المدّة فمسلّم ، وإلاّ فمشكل(3) .
وقال في محكي جامع المقاصد : لك أن تقول : إنّه إذا سلم جواز اشتراط خيار المجلس فلا وجه لاشتراط تعيين المدّة ; لأنّه حينئذ لايكون خيار مجلس بل خيار شرط . نعم ، في جواز اشتراطه تردّد من حيث إنّه على خلاف الأصل ; لجهالة مدّته فيقتصر فيه على مورد النص ، ولأنّه من توابع البيع فلا يكون ثبوته موجباً للجهالة في شيء من العوضين بخلاف ما إذا لم يثبت إلاّ بالاشتراط ، فانّ اشتراط المجهول يجهل العوض(4) .
أقول : يمكن المنع عن قدح الجهالة في المقام ; لأنّ الجهالة القادحة ما كانت مؤثِّرة في اختلاف الرغبات ، كجهالة أصل المبيع ، أو خصوصيّاته ، أو مدّة الخيار رأساً ، وأمّا مثل المقام فلم يعلم ذلك ، فتأمّل .
وأمّا خيار الحيوان فلم يحك عن أحد من الإمامية رضوان الله عليهم ـ المتفرّدين بثبوت هذا الخيار قبال باقي الفقهاء ، حيث لم يفرّقوا بين الحيوان وبين
- (1) سورة النور 24 : 37 .(2) المبسوط 3 : 226 .(3) حكى عنه في جامع المقاصد : 7 / 86 .(4) جامع المقاصد : 7 / 86 .
(الصفحة 140)
سائر المبيعات ، كما صرّح به الشيخ (قدس سره) في كتاب الخلاف(1) ـ القول بجريانه في الإجارة أيضاً ، وإن اختلفوا في البيع بين من يخصّه بالمشتري فيما إذا كان المبيع حيواناً ، وبين من يقول بعدم الاختصاص وأنّه يثبت للبائع أيضاً إذا كان الثمن حيواناً(2) .
وكيف كان ، فلم يقل أحد بجريانه في الإجارة، بل ولم يحتمل ذلك أصلاً ، مع أنّه يمكن أن يقال بثبوت الإطلاق في بعض نصوصه ، وهو ما رواه زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : سمعته يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : البيّعان بالخيار حتّى يتفرّقا وصاحب الحيوان ثلاث(3) . نظراً إلى أنّ الجملة الثانية جملة مستقلّة سيقت لبيان حكم مستقلّ ، وهو ثبوت الخيار إلى الثلاث لصاحب الحيوان ، ولم يقع فيه التقييد بالبيع ، بل يمكن أن يقال : إنّ العدول عن قوله (عليه السلام) : «البيّعان» الواقع في الجملة الاُولى إلى قوله (عليه السلام) : «صاحب الحيوان» في الجملة الثانية لعلّه لأجل إفادة عموميّة خيار الحيوان وعدم اختصاصه بالبيع .
إن قلت : يحتمل قويّاً أن يكون الوجه في العدول اختصاص خيار الحيوان بصاحبه ، وعدم ثبوته لكلّ من المتبايعين ، بخلاف خيار المجلس ، فإنّه ثابت لكلّ من البائع والمشتري فالوجه في العدول حينئذ إفادة هذا المعنى ، لا ما ذكر من كون الغرض بيان ثبوت خيار الحيوان لمطلق صاحب الحيوان أعمّ من البيع وغيره ، بخلاف خيار المجلس الذي يختص بالبيع بمقتضى الجملة الاُولى .
- (1) الخلاف : 3 / 12 مسألة 8 .(2) راجع مختلف الشيعة : 5 / 96 مسألة 59 ، وكتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 5 / 83ـ84 .(3) الكافي : 5 / 170 ح4 ، التهذيب : 7 / 24 ح100 ، وسائل الشيعة : 18 / 11 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب3 ح6 .
(الصفحة 141)
قلت : هذا الذي ذكرت وإن كان محتملاً أيضاً إلاّ أنّ العمدة في مقام الاستدلال بالرواية عدم ثبوت الدلالة ، بل ولا الإشعار في الجملة الثانية بكون الموضوع لخيار الحيوان ، والمورد له هو البيع كخيار المجلس ، ومجرّد ورود الجملة الاُولى في البيع لايصلح للتقييد .
إن قلت : قد سلّمنا ما ذكر ولكن لا محيص عن اعتبار صدق عنوان الموضوع ; وهو صاحب الحيوان في الإجارة أيضاً ، حتّى يمكن أن يقال بالسراية وإلاّ فلا وجه له ، مع أنّه من الواضح أنّه لايطلق على المستأجر للحيوان عنوان الصاحب ; لأنّ صاحب الحيوان هو المالك له ، والمالك له هو المؤجر دون المستأجر .
قلت : نمنع عن كون الصاحب بمعنى المالك، بل معناه اللغوي هو الملازم والمصاحب ، فصاحب الدار عبارة عمّن كان ساكناً فيها متمتّعاً منها ، سواء كان مالكاً لعينها أو منفعتها أو لم يكن ، ومن المعلوم انطباق عنوان الصاحب بهذا المعنى على مستأجر الحيوان .
إن قلت : غاية ما ثبت ممّا ذكر هو ثبوت الإطلاق للرواية المذكورة ; وهو لايمنع عن ثبوت المقيّد له ، مع أنّ هنا رواية تصلح للتقييد ، وهي رواية ابن فضّال قال : سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول : صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام(1) . فإنّ التقييد بالمشتري يوجب اختصاص الحكم بباب البيع ، وبها يقيد إطلاق الرواية المتقدّمة ، بل يمكن أن يقال : إنّ وصف صاحب الحيوان بالمشتري وعدم التعبير بمثل مشتري الحيوان مع كونه أخصر إنّما هو لأجل كون الغرض توضيح ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله)من كون صاحب الحيوان بالخيار كما في
- (1) التهذيب : 7 / 67 ح287 ، وسائل الشيعة : 18 / 10 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب3 ح2 .
(الصفحة 142)
الرواية المتقدّمة ، وأنّ مراده من صاحب الحيوان هو المشتري ، وعليه فتصير هذه الرواية حاكمة عليها وناظرة إليها .
هذا كلّه على تقدير أن يكون المشتري بصيغة الفاعل ، بحيث كان وصفاً لصاحب الحيوان ، وأمّا على تقدير أن يكون بصيغة المفعول ووصفاً لنفس الحيوان تكون دلالة الرواية على الاختصاص بالبيع والشراء أوضح .
قلت : ـ مع أنّ شرط حمل المطلق على المقيّد في المثبتين إحراز وحدة المطلوب ; لعدم التنافي بينهما بدونه ضرورة ، وهو غير معلوم الثبوت في المقام فتأمّلـ إنّ الرواية الثانية لا دلالة فيها على الاختصاص بالبيع ; لأنّ التقييد بالمشترىـ بالكسر أو بالفتح ـ إنّما هو لإفادة أنّ المراد بصاحب الحيوان ليس من كان صاحباً له قبل تحقّق المعاملة ، بل المراد هو الذي يصير بالمعاملة صاحباً ، أو لإفادة أنّ المراد بصاحب الحيوان ليس من انتقل إليه الحيوان ولو بعنوان الثمنية ، بل المراد به من كان الحيوان مبيعاً له وهو مشتر بالنسبة إليه ، وعلى التقديرين فلا نظر فيه إلى الاختصاص بالبيع والشراء .
وقد انقدح من جميع ما ذكرناه أنّه يمكن التمسّك برواية زرارة المتقدّمة ; لجريان خيار الحيوان في الإجارة وشبهها ، ولكن لا يخفى عليك أنّ دعوى الإطلاق في الرواية مع كون الجملة الدالّة على ثبوت هذا الحكم مسبوقة بقوله (صلى الله عليه وآله) : «البيّعان» ، ومع كون الظاهر من السياق أنّ الاختلاف بين الخيارين إنّما هو في أمرين فقط : اختصاص الثاني بصاحب الحيوان دون الأوّل ، وكونه مغيى بالثلاث دون الأوّل المغيى بالافتراق أو التفرّق مشكلة جدّاً ، وإن شئت قلت : إنّه لم يحرز كون الرواية بصدد البيان من هذه الجهة ; وهو شرط التمسّك بالإطلاق ، فالحكم بالتعدّي وعدم الاختصاص مشكل .