(الصفحة 163)
العلّتين ليس طريقه منحصراً ببطلان الإجارة لو لم نقل بكون مقتضى تأخّر البيع بطلانه لا بطلانها .
نعم ، التوجيه الآخر الذي ذكره جامع المقاصد(1) منطبق على المقام ، وهو أنّه كما لايمكن نكاح المملوكة ولا بقاء النكاح بعد الملك ، فالملكيّة مانعة عن حدوث الزوجية وعن بقائها ، كذلك ملك العين يمنع عن عروض ملك المنافع وعن بقاء ملكها .
وتقريبه على ما ذكره المحقّق الإصفهاني (قدس سره) : أنّ النكاح يقتضي ملك البضع وحده ، فإذا ملك الرقبة لا يستقلّ ملك البضع; لعدم بقاء الناقص بعد الاستكمال ، وملك المنافع بالاستقلال بعد ملك العين كذلك ; لأنّ ملك العين يوجب خروج الملك السابق عن حدّ النقص إلى الكمال ، فلا معنى لبقاء النقص على حاله(2) .
وهنا شبهة اُخرى يمكن إيرادها في المقام ; وهي أنّ بيع العين المستأجرة من المستأجر مرجعه عند العرف والعقلاء إلى رفع اليد عن الإجارة السابقة ، فكأنّه يقع التقايل بينهما بالنسبة إليها مقدّمة للبيع ، أو أنّ البيع بنفسه إقالة للإجارة ; لأنّه لايحتاج في الإقالة إلى لفظ خاصّ ، فاجتماع صفتي الاستئجار والاشتراء في شخص واحد ممّا لا يكون معهوداً بين العقلاء .
والجواب عمّا ذكره جامع المقاصد هو أنّه إن كان المستند فيما أفاده من تقابل الزوجية والملكيّة ، وتقدّم الثانية على الاُولى حدوثاً وبقاءً، قوله تعالى :
{إِلاَّ عَلَى
- (1) جامع المقاصد : 7 / 90 ـ 91 .(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 15 .
(الصفحة 164)
أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}(1) نظراً إلى أنّ التفصيل قاطع للشركة ، فلا تجتمعان حدوثاً وبقاءً ، فيرد عليه :
أوّلاً : منع دلالة الآية الشريفة على عدم إمكان الاجتماع وتحقّق الشركة ، ومجرّد العطف بكلمة «أو» لا يدلّ على ذلك ، ألا ترى أنّه لو قيل : أحسن الأحوال إلى الله تعالى أن يكون العبد ساجداً أو جائعاً ، فهل مقتضاه عدم كون الجمع بين حالتي السجود والجوع من أحسن الأحوال ؟!
وثانياً : منع كون المستفاد منها ـ على تقدير دلالتها على نفي الشركة ـ تقدّم الملكيّة على الزوجية لو لم نقل بكون تأخّرها عن الزوجية مقتضياً لعدم تحقّقها لوقوع الزوجية قبلها .
وإن كان المستند أمراً آخر يكون مفاده مانعية الملكيّة عن حدوث الزوجية وبقائها ، فاستفادة مانعية البيع عن الإجارة كذلك من ذلك الأمر تحتاج إلى دليل على التسوية ، وكون الملاك عدم بقاء الناقص بعد الاستكمال ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل عليه ـ نقول بعدم ثبوت المورد له في المقام ; لأنّ العين ومنافعها مالان وملكان وليسا من باب النقص والكمال .
وأمّا الشبهة الأخيرة فيمكن الجواب عنها بمنع عدم المعهودية بعد كون المنفعة عند العقلاء مالاً مستقلاًّ في قبال العين قابلاً للتفكيك . نعم ، مجرّد دفع الشبهة لا يكفي في الحكم بصحّة كلا العقدين ما لم ينضمّ إليه الدليل في مقام الإثبات ، وغاية ما استدلّوا به هي العمومات والإطلاقات في باب العقود ، وصحّة هذا الدليل مبنيّة على وجود العمومات والإطلاقات القابلة للتمسّك، مع أنّه يمكن الخدشة فيه كما
- (1) سورة المؤمنون : 23 / 6 .
(الصفحة 165)
قد قرّر في محلّه .
وكيف كان ، فلو تمّ الإطلاق ، وإلاّ فلا دليل على الصحّة في المقام إلاّ أحد أمرين على سبيل منع الخلو : إمّا دعوى شيوع هذا النحو من المعاملة بين العقلاء ، بحيث كان المشتري بعد الاشتراء ملزماً بدفع الأُجرة والثمن معاً ، فيستكشف من شيوعه وعدم الردع الصحّة عند الشارع ، وإمّا دعوى القطع بعدم خصوصية للمقام، وكلاهما ممنوعان .
أمّا الأوّل : فلوضوح ندرة هذا النحو من المعاملة إلاّ أن يقال : إنّ مجرّد الندور لايكفي في عدم الافتقار إلى الردع ، فإنّ التحقّق ـ ولو دفعةً ـ يكفي في ذلك على تقدير عدم الصحّة عند الشارع ، بل يمكن أن يقال : إنّ التحقّق في الأزمنة المتأخّرة يكفي في ذلك، فمن عدم الردع يستكشف الجواز .
وأمّا الثاني : فلمنع دعوى القطع بعدم الخصوصية، خصوصاً بعد ملاحظة الحكم بعدم الاجتماع في مثل نكاح المملوكة وتملّك الزوجة .
ثمّ إنّه ربما يمكن أن يتوهّم دلالة بعض الروايات الواردة في الفرض الأوّل على عدم بطلان الإجارة في هذا الفرض أيضاً ، مثل قول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية ابن نعيم المتقدّمة : «لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى . . .» فإنّه يمكن أن يقال : إنّ مفاده عدم منافاة البيع والإجارة مطلقاً ، من دون فرق بين كون المستأجر في الإجارة السابقة هو الغير أو المشتري .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى كون الجملة المذكورة بعد هذا القول ظاهرة في كون المورد هو ذلك الفرض دون الأعمّ منه ومن المقام ـ أنّه مع قطع النظر عن ذلك نقول : إنّ ندرة هذا الفرض مانعة عن شمول الإطلاق له وموجبة للانصراف إلى غيره، فتدبّر . ولكن الظاهر تماميّة الإطلاق وعدم كون الجملة اللاحقة موجبة لعدم
(الصفحة 166)
تحقّقه ، لأنّ التعرّض لها بالخصوص إنّما هو من أجل خصوصية فيها غير موجودة في فرض البيع من المستأجر ، والانصراف ممنوع لعدم تحقّق ملاكه ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب أيضاً الصحّة .
فرع:
لو ظهر بطلان الإجارة فهل المنافع ترجع إلى المشتري أو إلى البائع المؤجر؟ وجهان، وكذا لو فسخ الإجارة، وهنا فرض آخر وهو إعراض المستأجر عن العين المستأجرة، الذي يوجب زوال ملكيّته للمنفعة ، كما أنّ الإعراض عن العين أيضاً كذلك .
وكيف كان ، فهل الحكم في الفرضين الأوّلين اللذين وقع التعرّض لهما في كلمات بعض الأصحاب هو الرجوع إلى البائع المؤجر، أو إلى المشتري مطلقاً مستأجراً كان أو غير مستأجر ، أو أنّه لابدّ من التفصيل بينهما بالرجوع إلى المشتري مع ظهور البطلان ، وإلى البائع مع الفسخ ؟ وجوه بل أقوال .
صرّح المحقّق الإصفهاني بالأخير(1) . وربما يستظهر من صاحب الجواهر (قدس سره)الرجوع إلى البائع مطلقاً ، حيث قال : ولو اتّفق فسخ المستأجر بأحد أسبابه عادت المنفعة إلى البائع دون المشتري الذي قد استحقّ العين مسلوبة المنفعة إلى المدّة(2) .
فإنّ موردكلامه وإن كان هي صورة الفسخ، إلاّ أنّوصف المشتري بأنّه قد استحقّ العين كذلك يدلّ على أنّ المناط في عود المنفعة إلى البائع استحقاق المشتري العين مسلوبة المنفعة في مدّة خاصّة ، وهذا المناط موجود في فرض ظهور البطلان أيضاً ، كما هو غير خفي إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالاستحقاق كذلك هو
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 16 .(2) جواهر الكلام : 27 / 206 .
(الصفحة 167)
الاستحقاق في الواقع ، وهو متحقّق في خصوص صورة الفسخ ; لأنّه في صورة ظهور البطلان لايكون إلاّ توهّم الاستحقاق كذلك ، فتدبّر .
وحكي عن سيّدنا المحقّق الاُستاذ (قدس سره) أنّه اختار في مجلس البحث الرجوع إلى المشتري في كلا الفرضين ، وحكي عن التذكرة(1) احتمال العود إلى المشتري في صورة الفسخ ، ولازمه جريان هذا الاحتمال في صورة ظهور البطلان بطريق أولى . هذا ، ولكن بعد المراجعة إلى التذكرة(2) ظهر عدم وجود هذا الاحتمال فيها في هذه المسألة ، فإنّ العلاّمة بعد عنوانها حكى عن بعض الشافعية القول برجوع منفعة بقيّة المدّة إلى المشتري ، وعن بعض آخر منهم القول بالرجوع إلى البائع ، من دون بيان ما عنده في المسألة .
وكيف كان ، فقد حكي عن الاُستاذ (قدس سره) أنّه استدلّ للرجوع إلى المشتري مطلقاً بأنّ التبعية الثابتة للمنفعة إنّما هي التبعية بالنسبة إلى العين ; بمعنى أنّ مالكية العين تستتبع ملكيّة المنفعة مع عدم وجود المانع الذي يوجب التفكيك بينهما ، وليست التبعية تبعية للمنفعة بالنسبة إلى العقد الواقع على العين ، وكذلك الفسخ ليس مرجعه إلى المعاوضة حتّى يكون مقتضاها رجوع كلّ من العوض والمعوّض إلى من خرج عنه الآخر ، فهو ليس عقداً معاوضياً ، بل حقيقته رفع اليد عن المعاوضة السابقة ، وحينئذ يظهر رجوع المنفعة إلى المشتري في كلا الفرضين .
أمّا في فرض ظهور البطلان فواضح ، ضرورة أنّ ظهوره يكشف عن عدم وجود المانع الموجب للتفكيك من الأوّل ، وتوهّم وجوده لا يوجب تضييق دائرة
- (1) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 88 .(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 329 .