(الصفحة 227)
الالتزام بأحكام خيار العيب ; لأنّه لازم انفساخ العقد في الوصف فقط .
إلاّ أنّ هذا التقريب غير وجيه ثبوتاً وإثباتاً . أمّا ثبوتاً : فلأنّ كلا الجزءين من التقريب فيه محذور ، أمّا الانفساخ فالبرهان قائم على أنّ ما لا عقد عليه لا حلّ له ، ومالا عقد عليه استقلالاً وبالذات لا حلّ له استقلالاً وبالذات . ومن الواضح أنّ الوصف غير مملوك بالذات بل بالعرض ، لاستحالة ملك الوصف بما هو ، وإذا كان مملوكاً بالعرض فهو معقود عليه بالعرض ، وكلّ ما بالعرض تابع لما بالذات ـ ثبوتاً وسقوطاً ، عقداً وحلاًّ ـ فإذا فرض شمول التلف لجميع المراتب وكون العقد منحلاًّ في الوصف كان دليلاً على انفساخ العقد في الموصوف ، وليس الانفساخ حكمياً حتّى يعقل التنزيل في ترتيب أثر الانفساخ في خصوص الوصف حتّى يلزمه بقاء العقد على المعيب .
وأمّا اللاّزم الآخر ; وهو إجراء أحكام خيار العيب ، فلأنّ ظاهر أخباره ورود البيع على المعيب لا تعيّب المبيع بقاءً ، وحيث إنّ العقد واقع ، وزواله عن ذات الموصوف بلا موجب عنده (قدس سره) ، فليس لازم الانفساخ في الوصف إلاّ بقاء العقد على ما زال وصفه المحقّق عند حدوث العقد ، فلا موجب لإجراء أحكام خيار العيب ، ولا دليل على تنزيل بقاء العقد على المعيب منزلة حدوثه ، فإنّ المفروض دلالة النبوي على الانفساخ الحقيقي من دون تضمّنه لتنزيل ، فلابدّ من الالتزام بما هو لازم الانفساخ ، ولازم الانفساخ الحقيقي ليس إلاّ بقاء العقد على ماهو معيب لا تنزيل البقاء منزلة الحدوث ، هذا كلّه فيما يتعلّق بمقام الثبوت .
وأمّا إثباتاً : فلأنّ ظاهر قوله (صلى الله عليه وآله) : «كلّ مبيع . . .» ما هو مبيع بالحمل الشائع وليس هو إلاّ الكل والجزء ، فتلف مثلهما موجب للانفساخ دون تلف الوصف
(الصفحة 228)
الذي ليس مبيعاً بالحمل الشائع بل وصف له ، ووصف المبيع بالتلف حينئذ من باب وصف الشيء بحال متعلّقه ، ومن جميع ماذكرنا تبيّن أنّه بناءً على وفاء مقام الإثبات لابدّ من القول بالانفساخ دون الردّ والأرش ، فلا دليل على الردّ والأرش ، بل الردّ أولى بالإشكال ; إذ على القول بمقالة الشهيد الثاني (رحمه الله) في مفاد النبوي يتعيّن خصوص الأرش كما عرفت(1) .
والإنصاف ورود هذا الإشكال على المشهور في باب البيع ، وأمّا باب الإجارة فيمكن التخلّص عن هذا الإيراد فيه بكون المستند في المقام هو الإجماع ، وظاهر المجمعين كما اعترف به (قدس سره) عدم الفرق في العيب بين كونه سابقاً على العقد أو كونه سابقاً على القبض . نعم ، لو كان المستند في المقام مقايسة الإجارة بالبيع بدعوى أنّه لا خصوصية للبيع ، أو بدعوى أنّ الإجارة بيع حقيقة وإن كانت متعلّقة بالمنافع فيأتي فيها ما يأتي في البيع حرفاً بحرف كما ادّعاها المحقّق الرشتي (قدس سره)(2) ، لكان الإشكال ممّا لا محيص عنه هنا أيضاً ، لكن كلتا الدعويين ممنوعتان ، كما أنّك عرفت الإشكال في ثبوت الإجماع في المقام وفي حجيّته على تقدير ثبوته ، فالإنصاف أنّ أصل الحكم وكذا إطلاقه لصورة طروّ العيب بعد العقد وقبل القبض في غاية الإشكال .
***
[قال المؤلّف دام ظلّه في كتاب الإجارة الثاني]:
إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيباً، وقد حكم في الشرائع فيه بأنّ له الفسخ أو الرضا بالاُجرة من غير نقصان ، ولو كان العيب ممّا
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 57 ـ 59 .(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 88 .
(الصفحة 229)
يفوت به بعض المنفعة(1) .
أقول : الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في ثبوت أصل حقّ الفسخ والتخيير بينه وبين الإمضاء ، من دون فرق بين ما إذا كان العيب ممّا يفوت به بعض المنفعة ، وما إذا لم يكن كذلك كالدابّة المستأجرة للركوب إذا كانت مقطوعة الاُذن أو الذنب ، حيث لا يتفاوت من حيث الركوب مع الدابّة الصحيحة السليمة ، والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب كما عن العلاّمة في التذكرة(2) ، بل عن الغنية الإجماع عليه(3) ، والدليل على ثبوت هذا الحقّ ـ مضافاً إلى أخبار خيار العيب الواردة في البيع ، بناءً على عدم اختصاصها به وإلحاق الإجارة بالبيع ، ويؤيّده أنّه لم يستشكل أحد في جريان خيار العيب فيما إذا كانت الاُجرة معيبة ، وإن ناقشنا سابقاً في استفادة ثبوت الأرش من بعض الكلمات ، كما أنّا منعنا الإلحاق ; نظراً إلى أنّه لا وجه لدعوى إلغاء الخصوصية ، وعدم الخلاف في ثبوت حقّ الفسخ فيما إذا كانت الاُجرة معيبة ـ لم يعلم كون منشأه عدم الخلاف في إلحاق الإجارة بالبيع ، وإجراء أخبار خيار العيب الواردة فيه في باب الإجارة أيضاً ; إذ يحتمل أن يكون منشأه قاعدة نفي الضرر ، أو بعض الاُمور الاُخر .
وكيف كان ، فدعوى إلغاء الخصوصية في غاية الإشكال ، كما أنّ التمسّك بقاعدة نفي الضرر قد مرّ الإشكال فيه ; بأنّه لم يعلم كون «لا» في قوله (صلى الله عليه وآله) : «لاضرر» للنفي ، بحيث كان صادراً في مقام الإخبار عن عدم
- (1) شرائع الإسلام: 2 / 187 المسألة الاُولى.(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 322 .(3) غنية النزوع : 287 .
(الصفحة 230)
ثبوت الأحكام الضرريّة ، بل يحتمل لو لم نقل بأنّه الظاهر أن تكون للنهي ، وكان الكلام صادراً في مقام إعمال الحكومة والسلطنة الثابتة للنبيّ (صلى الله عليه وآله)بلا إشكال ، وعليه فما يمكن أن يستدلّ به لثبوت حقّ الفسخ في المقام أنّه حيث يكون مورد الإجارة هي العين ، بل هي كما عرفت في صدر الكتاب في تعريف الإجارة(1) ليست إلاّ إضافة خاصّة متعلّقة بالعين المستأجرة ، ومن الواضح اختلاف الرغبات باختلاف الأعيان المستأجرة من حيث الصحّة والعيب ، وإن لم يكن فرق بينهما من حيث المنفعة أصلاً ، فلا محالة تكون العين المستأجرة متّصفة في حال الإجارة بكونها واجدة لصفة السلامة بالتوصيف الضمني ، أو مشروطة بكونها كذلك بالشرط الضمني ، وتخلّف الوصف أو الشرط يوجب الخيار بين الفسخ والإمضاء .
وربما يقال بعد الاستشكال فيما ذكر : بأنّه خلاف ما هو المسلّم عندهم من عدم تأثير لغرض العاقد إذا لم يكن مذكوراً في العقد ، فكيف يكون وصف الصحّة بمنزلة الشرط المذكور ، بأنّه لو جعل هذا من خيار الرؤية لم يرد ما ذكر ; لأنّ أصل الصحّة بمنزلة الرؤية السابقة .
ولكنّه يرد عليه : أنّ أصل الصحّة وإن كان بمنزلة الرؤية السابقة ، إلاّ أنّه لا دليل على جريان حكم الرؤية في باب البيع الثابت بدليله في باب الإجارة أيضاً ، فإذا كان مورد أخبار خيار الرؤية(2) هو البيع فلا مجال لدعوى إلغاء الخصوصيّة ، إلاّ أن يلتزم بثبوت خيار الرؤية في باب الإجارة أيضاً ، مع أنّ أصل الاستشكال في غير محلّه ; للفرق بين وصف الصحّة الذي هو متعلّق رغبة العقلاء نوعاً ، وبين سائر الأغراض
- (1) في ص9 ـ 10 .(2) وسائل الشيعة : 18 / 28 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب15 .
(الصفحة 231)
والدواعي التي تختلف باختلاف الأشخاص والموارد ، كما لا يخفى .
المقام الثاني : في ثبوت الأرش لو اختار الإمضاء وعدمه .
أقول : أمّا إذا لم يكن العيب موجباً لفوات بعض المنفعة ونقصانها فعدم ثبوت الأرش ظاهر ; لأنّه إن كان الخيار الثابت في هذا المقام هو خيار تخلّف الوصف أو الشرط الضمني فمن الواضح عدم ثبوت الأرش فيه ، وأمّا إذا كان الخيار هنا خيار العيب الثابت بالأخبار الواردة فيه(1) في باب البيع ، بناءً على إلحاق الإجارة به ، فلأنّه حيث يكون المفروض عدم تأثير العيب في نقصان بعض المنفعة ، فلا محالة لا تكون المنفعة التي وقعت بإزائها الاُجرة ناقصة من حيث المالية ، ومن المعلوم أنّ الأرش تدارك نقص ماليّ في أحد العوضين ، ولذا يسقط في مورد تلك الأخبار ; وهو البيع إذا لم يكن العيب مؤثِّراً في نقصان المالية ، كما في العبد الخصيّ . ولا ينافي ذلك ما ذكرناه مراراً من تعلّق الإجارة بنفس العين وكونها إضافة إليها ، وذلك لعدم التنافي بينه وبين كون الاُجرة واقعة بإزاء نفس المنفعة التي يكون المفروض عدم نقص فيها ، وهذا هو الوجه في عدم ثبوت الأرش في المقام ، لا ما ربما يقال من اختصاص الأرش بالبيع لكونه مخالفاً للأصل ، فلا يتعدّى عنه إلى غيره ، وذلك لعدم الاختصاص ، بل الظاهر ثبوته في غير البيع أيضاً كالمهر عوضاً للخلع ، وقد تقدّم أنّه ادّعى في مفتاح الكرامة عدم الخلاف في ثبوت الأرش في عيب الاُجرة إذا كانت شخصية ، وإن ناقشنا سابقاً في ذلك(2) .
وكيف كان ، فلا وجه لدعوى الاختصاص بالبيع أصلاً ، هذا كلّه إذا لم
- (1) وسائل الشيعة : 18 / 29 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب16 ، وص97 ، أبواب أحكام العيوب ب1 ح1 .(2) في ص223 ـ 224 .