(الصفحة 279)
الإشكال أنّه إن كان قبض العين كافياً في قبض المنافع مع تدرّجها في الوجود ، ولم يكن قبض العين في كلّ زمان قبضاً لمنفعتها في ذلك الزمان ، بل كان قبضها فيه قبضاً للمنفعة في جميع المدّة ، فاللاّزم التفصيل في المقام المتقدّم أيضاً بين صورتي القبض وعدمه وإن لم يكن قبض العين كافياً في قبض المنفعة في جميع المدّة ، بل كان قبضها في كلّ زمان قبضاً لمنفعتها في ذلك الزمان ، فاللاّزم أن لا يفصّل في هذا المقام أيضاً بين الصورتين ; لأنّ منع الظالم ولو كان بعد القبض يمنع عن تحقّق القبض بالإضافة إلى المنفعة فيما بعد المنع من المدّة ، فالجمع بين الإطلاق في ذلك المقام والتفصيل في هذا المقام لا وجه له .
وقد أجاب عن هذا الإشكال المحقّق الرشتي (قدس سره) بما هذه عبارته : «إنّ ما تقدّم في منع المؤجر بعد القبض ـ من عدم كفاية قبض العين في قبض المنافع لكونها تدريجيةـ لا يأتي في المقام ; لأنّه إنّما لا يكفي إذا انتزع العين هو من يد المستأجر ، فإنّ انتزاعه ينافي القبض المعتبر في المنفعة المستقبلة ، لأنّ القبض هو التخلية التامّة ، وهي لاتحصل مع الغصب بعد القبض ، وأمّا إذا كان الغاصب غير المؤجر فمن جانبه حصل التخلية التامّة والإقباض الكامل ، فيلزم العقد»(1) .
ويظهر من هذه العبارة أنّ الفارق بين المقامين حصول القبض وعدمه، نظراً إلى أنّه عبارة عن التخلية التامّة ، المنافية لمنع المؤجر وغير المنافية لمنع الغاصب الأجنبي ، ففي الحقيقة منع المؤجر وغصبه مانع عن أصل تحقّق القبض بخلاف منع الأجنبي .
وأورد على هذا الجواب المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بما يرجع إلى أنّ التخلية وإن كانت
- (1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 302 .
(الصفحة 280)
تامّة كاملة لا تكفي في الخروج عن ضمان المعاوضة ، والدليل عليه رواية عقبة بن خالد المشتملة على أنّه اشترى المتاع وتركه عنده ، فإنّ الظاهر أنّ تمكين البائع مفروض ، والمشتري أبقاه على حاله بالاختيار، ومع ذلك حكم بالضمان بسرقة المتاع(1) .
والحقّ كما أفاده من أنّ وجه الفرق بين المقامين ينشأ من الفرق بين حدوث القبض وبقائه ، فانّ الإقباض حدوثاً إيجاد الاستيلاء على العين ، وبقاءً إدامته على حاله بعدم استرداده ، فمنع المؤجر في الأثناء مضادّ للإدامة ، فينافي تحقّقه بقاءً ، بخلاف منع الأجنبي ، فإنّ المؤجر لم يتحقّق منه ما يضادّ إدامة العين تحت يده ، ولا يجب عليه التحفّظ على ما أقبضه بمنع الظالم للمستأجر ، فلا وجه لانفساخ العقد ، بل لابدّ من رجوع المستأجر إلى الغاصب لأخذ اُجرة المثل لأنّه ضامن .
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 264 .
(الصفحة 281)
[تلف العين المستأجرة وإتلافها]
مسألة : لو تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة ، وكذا بعده بلا فصل معتدّ به أو قبل مجيء زمان الإجارة ، ولو تلفت في أثناء المدّة بطلت بالنسبة إلى بقيّتها ، ويرجع من الاُجرة بما قابلها; إن نصفاً فنصف، أو ثلثاً فثلث وهكذا . هذا إن تساوت اُجرة العين بحسب الزمان ، وأمّا إذا تفاوتت تلاحظ النسبة ، مثلاً لو كانت اُجرة الدار في الشتاء ضعف اُجرتها في باقي الفصول ، وبقي من المدّة ثلاثة أشهر الشتاء يرجع بثلثي الاُجرة المسمّـاة ، ويقع في مقابل ما مضى من المدّة ثلثها ، وهكذا الحال في كلّ مورد حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء المدّة بسبب من الأسباب . هذا إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها، ولو تلف بعضها تبطل بنسبته من أوّل الأمر أو في الأثناء بنحو ما مرّ1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع لابدّ من التكلّم فيها :
الأوّل : تلف العين المستأجرة قبل إقباضها من المستأجر ، والظاهر أنّه موجب للبطلان ، وقد نفى صاحب الجواهر (قدس سره) وجدان الخلاف فيه(1) ، حاكياً للاعتراف به عن محكي التذكرة(2) ، وقد وقع الإشكال في الدليل على ذلك في باب الإجارة ; لأنّ النبويّ المعروف(3) وخبر عقبة بن خالد المعروف(4) في كتاب البيع قد ورد كلّ منهما في باب البيع ، فلا يبقى وجه للإلحاق إلاّ الفحوى أو تسالم الأصحاب .
- (1) جواهر الكلام : 27 / 277 .(2) تذكرة الفقهاء : 2 / 322 .(3) عوالي اللئالي : 3 / 212 ح59 ، مستدرك الوسائل : 13 / 303، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب9 ح1 .(4) الكافي : 5 / 171 ـ 172 ح12 ، التهذيب : 7 / 21 ح89 وص230 ح1003 ، وسائل الشيعة : 18/23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب10 ح1 .
(الصفحة 282)
نعم ، قال في الجواهر : قد يقال : إنّ الوجه في التعدية المزبورة مع اختصاص الدليل بالبيع هو بناء أمثال هذه العقود على المعاوضة الشرعية والعرفية التي هي بمعنى تبديل سلطنة بسلطنة ، بل لعلّ ذلك من مقوّماتها ، فتعذّره حينئذ يقتضي انتفاءها(1) .
وأورد على هذا الوجه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) بما حاصله : أنّه إن كان الغرض أنّ عقد البيع بمدلوله المطابقي يقتضي الاستيلاء الاعتباريّ والخارجي معاً ففيه : أنّ مدلول البيع تسبيبيّ يتسبّب إليه بالعقد الإنشائي ، والسلطنة الفعلية الخارجية تستحيل أن توجد بسبب انشائيّ ، وإن كان الغرض أنّ حصول الملكيّة الشرعية يتوقّف على حصول السلطنة الفعلية المتحقّقة بالقبض فهو أمر معقول ، إلاّ أنّه لادليل عليه إلاّ في باب الصرف والسلم فقط ، ولا دليل على اعتبار القبض في غيرهما من أنواع البيع فضلاً عن سائر المعاوضات ، مع أنّ مقتضى ذلك عدم تماميّة المعاوضة قبل القبض ، والمعروف في التلف قبل القبض انفساخ العقد بالتلف بعد انعقاده وتأثيره(2) .
أقول : يمكن الجواب عنه بأنّه هنا احتمال ثالث ; وهو أنّ الغرض الأصلي والمطلوب الأوّلي في باب المعاملات المعاوضية هو تحقّق السلطنة والاستيلاء الخارجي ، من دون أن يكون ذلك مدلولاً مطابقياً للعقد حتّى يمنع ذلك ، نظراً إلى استحالة تحقّق السلطنة الخارجية بسبب إنشائيّ ، ومن دون أن يكون حصول الملكيّة الاعتبارية متوقّفاً على حصول السلطنة في الخارج حتّى يمنع ذلك ; لأجل
- (1) جواهر الكلام : 27 / 277 .(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 171 .
(الصفحة 283)
عدم الدليل عليه في غير الصرف والسلم ، بل من جهة كون بناء المعاملة والمعاوضة على حصول ذلك ، ولأجله يقال بوجوب التسليم والتسلّم ; لما عرفت من أنّه من مقتضيات نفس المعاملة لا الملكيّة المترتّبة عليها، وحينئذ يصحّ أن يقال : إنّه مع امتناعه وتعذّره لا يبقى مجال لبقاء المعاملة واستمرارها .
وكيف كان ، فقد وقع الإشكال والخلاف في وجه الحكم ببطلان الإجارة ، الظاهر في الانفساخ بعد الانعقاد فيما إذا تلفت العين قبل القبض ، ولكن جماعة من المحقّقين تصدّوا لبيان الوجه لذلك بما لاينتج الانفساخ ، بل عدم الانعقاد من رأس ، منهم : المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ، حيث قال ما ملخّصه : إنّ المملوك بالبيع هي العين ، وهي موجودة قارّة حال تأثير العقد في تمليكها المشتري ، فعند عروض التلف له يكون ملكاً للمشتري ، فتلفها من مال البائع بانفساخ العقد قبل التلف آناً ما حتّى يكون تالفاً من مال البائع لا محالة يتوقّف على دليل خاصّ ، بخلاف المملوك بعقد الإجارة ، فإنّها المنفعة وهي تدريجية ، فإذا لم يكن في المدّة المضروبة منفعة لفرض تلف العين فلا شيء حتّى يملك أو يملّك .
نعم ، هذا في التلف الحقيقي ، وأمّا في التلف التنزيلي فحال الإجارة حال البيع في كون الانفساخ على خلاف القاعدة(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم إفادة هذا الوجه لإثبات الحكم المشهور ; وهو الانفساخ قبل التلف آناً ما ـ : أنّ مقتضى ذلك عدم جواز تقدير المنفعة حال العقد ، والحكم بثبوت ملكيتها بسبب العقد ، ضرورة أنّه إذا كانت
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 172 ، وراجع جواهر الكلام : 27 / 278 ، وكتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 233ـ234 .