(الصفحة 306)
الإجارة يقتضي جريان حكم التلف من البطلان أو الانفساخ ، ولكنّه محلّ نظر بل منع ; لأنّ انتفاء جميع الأفراد بعد الإجارة يوجب خيار تعذّر التسليم ، لا البطلان أو الانفساخ .
الثالث : ذكر في الجواهر : أنّه إذا كانت ـ يعني العين الواقعة مورد الإجارة ـ كليّة وقد دفع المؤجر فرداً فتلف عند المستأجر فالظاهر عدم انفساخ الإجارة ، بل ينفسخ الوفاء المزبور ويستحقّ عليه فرداً آخر ، ودعوى تشخيص الحقّ فيه ممنوعة كما عرفته سابقاً في نظائره(1) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ـ بعد فرض المسألة فيما إذا وقع عقد الإجارة على عين كليّة ، وتعيّنت بتعيين المؤجر وقبول المستأجر في فرد ـ بأنّه لامعنى للانفساخ لا في العقد ولا في الوفاء ، نظراً إلى أنّه كما لا يكون التالف مملوكاً من الأوّل كذلك لا يكون الفرد التالف أيضاً كذلك ، وحيث لم يكن مملوكاً من الأوّل لم يعقل انطباق الكلّي المملوك بعقد الإجارة على المنفعة التي لا يعقل وجودها في ظرف استيفائها(2) .
أقول : ربما يحتمل تشخّص الحقّ الكلّي في خصوص الفرد الذي عيّنه المؤجر وقبله المستأجر ، خصوصاً إذا تحقّق القبض في الخارج أيضاً ، نظراً إلى أنّ لازم عدم التشخّص كون الاختيار بيد المؤجر إذا لم يشترط ثبوت الاختيار للمستأجر ، وعليه فيلزم أن يكون للمؤجر في كل آن وزمان أخذ الفرد المعيّن من يد المستأجر ، وإعطاء فرد آخر إليه ، ومن المعلوم عدم مساعدة العرف والعقلاء على ذلك في جميع
- (1) جواهر الكلام : 27 / 279 .(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 176 ـ 177 .
(الصفحة 307)
الموارد ، خصوصاً إذا كانت العين المستأجرة من قبيل الدار ونحوه . ولكن لايخفى عدم مساعدتهم على أصل الاحتمال ، بحيث يكون تلف الفرد عندهم موجباً لانعدام الإجارة بانعدام ماهو الركن فيها ، فتدبّر جيّداً .
الخامس (1): إذا تلفت العين التي هي محلّ العمل الذي استؤجر الشخص عليه ، كتلف الثوب الذي استؤجر الخيّاط لخياطته ، فالذي صرّح به في العروة أنّ تلفها أو إتلاف المؤجر أو الأجنبي إيّاها قبل العمل أو في الأثناء ، بل وكذا إتلاف المستأجر المالك لها يوجب بطلان الإجارة ورجوع الاُجرة كلاًّ أو بعضاً إلى المستأجر(2) ، ولكنّه (قدس سره) عطف قبل ذلك تلف محلّ العمل بتلف العين المستأجرة ، وظاهره جريان حكم إتلافها في إتلافه ، فيجري فيه التفصيل المتقدّم في الإتلاف . ولذا أورد عليه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) في الحاشية بالمخالفة بين المقامين ، واستقرب هو البطلان في كلتا الصورتين(3) .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ حكم التلف في المقام يعلم ممّا ذكرنا في حكمه في العين المستأجرة ، فإنّه إذا استؤجر الخيّاط لخياطة ثوب معيّن يكون غرض المستأجر متعلّقاً بخياطته بالخصوص لا يبقى مجال لبقاء الإجارة مع تلفه أو إتلافه مطلقاً ; لانعدام ماهو الركن في الإجارة ، بخلاف ما إذا استؤجر لخياطة ثوب لا يتعلّق الغرض به بالخصوص ، فإنّ انعدامه لا يوجب الخلل فيما هو الركن ، كما أنّه إذا كان الأجير أجيراً خاصّاً يكون جميع منافعه أو خصوص منفعة الخياطة مثلاً للمستأجر لا يكون تلف الثوب أو إتلافه موجباً للخلل في الإجارة بوجه ، كما
- (1) أي الفرع الخامس.(2) العروة الوثقى : 5 / 63 ـ 64 مسألة 1 .(3) العروة الوثقى : 5 / 50 ، التعليقة 4 وص63 ، التعليقة 2 .
(الصفحة 308)
صرّح به في العروة ، حيث قال : نعم ، لو كانت الإجارة واقعة على منفعة المؤجر ; بأن يملك منفعته الخياطي في يوم كذا يكون إتلافه لمتعلّق العمل بمنزلة استيفائه ; لأنّه بإتلافه إيّاه فوّت على نفسه المنفعة(1) .
وأورد عليه المحقّق الشارح بما حاصله : عدم الفرق بين الصورتين ، إذ في هذه الصورة يقال أيضاً : إنّ تعذّر العين يوجب تعذّر المنفعة الخاصّة ، بل يمكن أن يكون البطلان فيها أظهر ; لعدم قيام غيره مقامه فيها بخلاف الاُولى ، لكنّه فرق لا يوجب إلاّ الأولوية ـ إلى أن قال :ـ وأمّا دعوى المصنّف (قدس سره) أنّ إتلافه بمنزلة الاستيفاء فغير ظاهرة ، وإلاّ كان تلفه بمنزلة حصولها ولا يظنّ التزامه بذلك ، ومثله دعوى كون تسليم المؤجر نفسه للعمل موجباً لاستقرار الاُجرة ، فإنّه يسلّم إذا كانت المنفعة مقدورة والإجارة باقية على صحّتها ، وقد عرفت خلافه(2) .
وبالجملة : إذا كان الأجير أجيراً خاصّاً بأحد الوجهين المذكورين ، فتارةً يكون الثوب المأخوذ في الإجارة ثوباً معيناً كما هو المفروض في العروة ظاهراً ، بناء على صحّة هذا النحو من الاستئجار ، واُخرى لا يكون الثوب المأخوذ فيها كذلك، ففي الصورة الثانية لا مجال لتوهّم البطلان مع التلف أو الإتلاف ، وأمّا الصورة الاُولى فهل الحكم فيها عدم البطلان بسبب إتلاف المستأجر ; لما أفاده في العروة من أنّ إتلافه بمنزلة استيفائه ; لأنّه بإتلافه إيّاه فوّت على نفسه المنفعة بخلاف ما إذا كان العمل في ذمته ، أو البطلان فيها وفي الصورة الاُولى أيضاً لما تقدّم من الشارح ، أو عدم البطلان في شيء منهما كما في تعليقة بعض من المحشين؟ (3) وجوه وأقوال
- (1) العروة الوثقى : 5 / 64 مسألة 1 .(2) مستمسك العروة : 12 / 75 ـ 76 .(3) العروة الوثقى : 5 / 64، التعليقة 1 .
(الصفحة 309)
والظاهر أنّ القول الأوّل أوفق بالقواعد ، لأنّ إتلاف المستأجر للثوب في هذه الصورة بمنزلة إتلاف العين المستأجرة من المستأجر . ودعوى أنّ ماهو بمنزلة العين هو شخص الأجير فإتلافه بمنزلة إتلافها ، وأمّا إتلاف الثوب الذي هو مورد الإجارة فلا ، مدفوعة بعدم الفرق من هذه الحيثية بين الأمرين ، فإنّه كما أنّ إتلاف الأجير لايوجب خللاً في الإجارة فكذلك إتلاف الثوب المعيّن المذكور في هذا النحو من الإجارة ، فتدبّر .
السادس : ما إذا تجدّد الفسخ في الأثناء ، وقد حكم فيه المحقّق (قدس سره)بالصحّة فيما مضى والبطلان فيما بقي(1) ، كصورة التلف في الأثناء .
وربما احتمل في هذه الصورة بل صورة التلف جواز الرجوع إلى تمام الاُجرة المسمّـاة ، ورجوع المؤجر إلى اُجرة المثل للمقدار من المنفعة الذي استوفاه ; نظراً إلى أنّ مقتضى الفسخ عود كلّ من العوضين إلى مالكه بتمامه .
وقبل الخوض في ذلك لابدّ من الجواب عمّا ربما يمكن أن يتوهم في المقام من الشبهة العقلية في كلا الطرفين من المسألة المفروضة ، فنقول :
أمّا الشبهة على تقدير أن يكون الفسخ مؤثّراً من حينه لا من حين العقد ، فهي أنّ العقد أمر واحد مؤثّر في مقتضاه الذي هو أيضاً كذلك ولا يعقل التفكيك فيه ، بل لابدّ إمّا من بقائه بتمامه ، وإمّا من انحلاله كذلك .
والجواب : إنّ العقد أمر اعتباري قابل للتفكيك فيه باعتبار متعلّقه ، وإن شئت قلت : إنّه متعدّد لبّاً ، ولا بأس بأن يفسخ العقد بالنسبة إلى المدّة الباقية ، فقط فالشبهة على هذا التقدير مندفعة .
- (1) شرائع الإسلام: 2 / 183.
(الصفحة 310)
وأمّا الشبهة على تقدير كون الفسخ مؤثّراً من حين العقد ، فهي أنّ الأمر المتأخّر كيف يعقل أن يؤثِّر في الأمر المتقدّم ، ضرورة أنّ المنافع التي استوفاها بعنوان الملكيّة قد انقضت ، وكيف يمكن أن تصير ملكاً للمؤجر موجباً لثبوت اُجرة المثل .
وتندفع أيضاً بأنّ الاُمور الاعتبارية خارجة عن حريم التأثير والتأثّر الحقيقي الموجود في الاُمور الحقيقية ، وعليه فلا مانع من اعتبار العقد بعد تحقّق الفسخ في الأثناء كأن لم يتحقّق أصلاً ، فالمسألة خالية عن الشبهة العقليّة .
ثمّ إنّه لابدّ من ملاحظة أنّ ترتّب الانفساخ من حين الفسخ أو من حين العقد على الفسخ هل هو أمر قهري شرعي ; بمعنى أنّه ليس للفاسخ إلاّ حقّ الفسخ ، وأمّا كون الانفساخ من الحين أو من الأصل فهو أمر خارج عن حدود اختياره وإرادته ، أو أنّه أيضاً بيد الفاسخ فيمكن له الفسخ من الحين ويمكن له الفسخ من الأصل ، أو أنّه لابدّ من التفصيل بين أنحاء الخيارات ؟ وجوه واحتمالات ، والذي يظهر منهم هو الاحتمال الأوّل ، ولكن مقتضى التحقيق هو الأخير كما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره)(1) :
فإن كان سبب الفسخ هو اشتراط الخيار في متن العقد فالظاهر أنّه تابع لكيفيّة الاشتراط ، فإن كان الشرط هو الفسخ المؤثّر من حينه فليس له إلاّ ذلك ، كما أنّه لو كان الشرط هو الفسخ من الأصل يؤثّر فسخه في ذلك من غير إشكال ، ولا يبعد أن تكون الإقالة من هذه الحيثيّة بيد الطرفين أيضاً ، بناءً على جريانها في الإجارة
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 174 .