(الصفحة 317)
غاية الأمر أنّه حيث تكون العين ممكنة الإعادة لا يجري في هذه الصورة حكم التلف الحقيقي ، وأمّا من هذه الجهة فيشترك المقامان كما هو غير خفيّ ، ولا فرق في هذه الصورة بين ما إذا كان المستأجر في حال الاستيفاء أو مريداً له ، وبين ما إذا كان غائباً غير مريد للاستيفاء لأجل السفر ونحوه ، وذلك لأنّ مجرّد عدم إرادة الاستيفاء لا يوجب أن لا يكون الغرض متعلّقاً بسبب الإجارة بتملّك المنفعة في جميع مدّة الإجارة ، واللاّزم رعاية الغرض المعاملي كما هو غير خفيّ . وبالجملة فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال في بطلان الإجارة في خصوص زمان الانهدام في هذه الصورة بكلا الفرضين .
نعم ، يقع الكلام في حكم الزمان السابق على الانهدام واللاحق على الإعادة والتعمير ، أمّا الزمان السابق فلا وجه لدعوى بطلان الإجارة فيه إلاّ مع فرض كون مجموع الزمان المذكور في الإجارة مأخوذاً بنحو وحدة المطلوب ، كما هو الفرض غير الغالب ، وأمّا في الفروض الشائعة الغالبة التي يكون الغرض فيها متعلّقاً بأجزاء الزمان على نحو الاستقلال لا بالمجموع من حيث هو مجموع ، فلا مجال لاحتمال البطلان في الزمان السابق ، الذي كانت العين فيه معدّة للاستيفاء ، سواء استوفى منها أم لا ، وأمّا الزمان اللاحق على الإعادة والتعمير فالظاهر أنّه أيضاً كذلك .
ودعوى أنّه كيف تعود الإجارة صحيحة مع الحكم ببطلانها زمن الانهدام مدفوعة بما عرفت(1) من تعدّد المطلوب بحسب تعدّد أجزاء الزمان ، وهو يوجب انحلال الإجارة إلى إجارات متعدّدة حسب ذلك التعدّد ، فعروض البطلان لبعضها
(الصفحة 318)
بسبب فوات المنفعة لا يوجب خروج البقيّة عن الحكم بالصحّة ، فتدبّر جيّداً ، هذا كلّه حكم الإجارة مع الانهدام من جهة الصحّة والبطلان .
وأمّا من حيث ثبوت الخيار فربما يقال بأنّه لا مجال للبحث عن هذه الجهة بعد البحث عن الصحّة والبطلان ; لأنّه مع فرض الصحّة في جميع أجزاء الزمان كما إذا لم يفت شيء من المنفعة أصلاً ، أو لم يفت شيء من المنفعة التي تعلّق بها الغرض الأصلي ، تكون الإجارة صحيحة لازمة ، ولا موقع لدعوى ثبوت الخيار فيها أصلاً ، ومع فرض البطلان كما إذا فاتت المنفعة في بعض أجزاء الزمان لا وجه لدعوى الخيار في الإجارة الباطلة ; لأنّ العقد الذي يمكن جريان الخيار فيه هو ما كان متّصفاً بالصحّة كما هو واضح ، وعليه فالبحث في الخيار وعدمه لا مجال له بعد وضوح حكم الإجارة صحّة وبطلاناً .
والجواب : أنّه يمكن البحث فيه على كلا التقديرين :
أمّا على تقدير صحّة الإجارة في جميع أجزاء الزمان فيمكن أن يكون الخيار لأجل تخلّف الوصف ، كما إذا كان غرض المستأجر متعلّقاً بالعين بوصف كون عماراتها وبنائها قديمة ، فمع الانهدام والإعادة وإن لم يتحقّق التغاير الموجب للبطلان بحسب نظر العرف إلاّ أنّه انعدم الوصف الذي كان ملحوظاً للمستأجر ، ومن الظاهر أنّ انعدام الوصف لا ينجبر إلاّ بالخيار .
وأمّا على تقدير البطلان فلأنّ البطلان إنّما هو في مقدار خاصّ من الزمان ، ويمكن ثبوت الخيار للمستأجر بالنسبة إلى غيره من الزمانين ، أو خصوص الزمان اللاحق على الإعادة والتعمير ، فللبحث عن ثبوت الخيار بعد البحث عن الصحّة والبطلان مجال واسع .
وكيف كان ، فهل الانهدام بمجرّده يوجب الخيار أم لا ؟ الظاهر أنّهم يحكمون
(الصفحة 319)
بأنّ مجرّد الانهدام مورث له ، من غير فرق بين ما إذا أعاده المالك وما إذا لم يعده ، وكذا من دون فرق في صورة الإعادة بين ما إذا كانت بسرعة بحيث لا يفوت شيء من المنافع ، وما إذا لم تكن كذلك . قال في محكي الإيضاح : إعلم أنّه إمّا أن يفوت شيء من المنافع على المستأجر أو لا ، فإن كان الأوّل فله الفسخ قطعاً ، وإن لم يفت فهي المسألة ـ يعني المسألة المفروضة في القواعد بقوله : فإن بادر المالك إلى الإعادة فالأقرب بقاء الخيار(1) ـ لأنّ النصّ على أنّ الانهدام سبب للخيار ، والشارع إذا علّق حكماً بوصف لم يعتبر حصول الحكمة التي هي مظنتها بالفعل ، فمن ثمّ جاز الفسخ ، ومن حيث إنّه لم يفت شيء من المنافع التي وقع عليها العقد [فلا خيار] ، والأصحّ الأوّل(2) . ونسب إلى الرياض(3) وفاقاً للمحكي عن شرح العميدي(4) على القواعد عدم الخيار ولزوم العقد إذا لم يفت شيء من المنافع وبادر المالك إلى الإعادة .
والحقّ أنّ مستند ثبوت الخيار بنفس الانهدام إمّا أن يكون هو النصّ ، أو ما بحكمه كالذكر في مثل كتب المقنعة والنهاية والمراسم من الكتب المعدّة لإيراد فتاوى الأئمّة (عليهم السلام)بعين الألفاظ الصادرة عنهم ، وإمّا أن يكون هو الإجماع ، وإمّا أن يكون حديث نفي الضرر(5) :
أمّا النصّ فنحن لم نتحقّقه ، وإن كان صريح الإيضاح في العبارة المتقدّمة وجود
- (1) قواعد الأحكام : 2 / 289 .(2) إيضاح الفوائد : 2 / 254 .(3) رياض المسائل : 6 / 32 ـ 33 .(4) كنز الفوائد: 2 / 14.(5) وسائل الشيعة : 25 / 428 ـ 429 ، كتاب إحياء الموات ب12 ح3 ـ 5 .
(الصفحة 320)
نصّ في هذا الباب ولكنّه لم يشر إليه غيره ، وقال في مفتاح الكرامة : إنّا لم نجده(1) ، وأمّا ما هو بحكم النص فالإشكال فيه من وجهين :
الأوّل : أنّ كونه بحكم النصّ محلّ نظر عند بعض الأعلام ، وإن كان سيّدنا العلاّمة الاُستاذ قدّس سرّه الشريف يعامل مع هذه الكتب معاملة كتب الأخبار والروايات اعتماداً على القرائن التي منها ادّعاء أصحاب تلك الكتب ذلك ، ولكنّه ربما قيل بمنع صحّة هذا الادّعاء ، والتحقيق في محلّه .
الثاني : أنّ دلالة عبارات تلك الكتب على ثبوت الخيار بمجرّد الانهدام مطلقاً ولو مع إعادة المالك بسرعة بحيث لايفوت شيء من المنافع ممنوعة ، كما يظهر بمراجعتها(2) .
وأمّا الإجماع ـ فمضافاً إلى مخالفة بعض الفقهاء ممّن تقدّم ومناقشة بعض آخر في الحكم كصاحب الجواهر(3) ـ فالظاهر عدم كونه دليلاً مستقلاًّ في قبال حديث نفي الضرر ومثله .
وأمّا الحديث ـ فمضافاً إلى احتمال أن تكون القاعدة صادرة في مقام أعمال الحكومة والسلطنة من دون أن يكون لها نظارة إلى الأحكام الأوّلية ، كما في قاعدة الحرج ومثلها ، وإلى ما ذكرناه مراراً من عدم إفادته للخيار الذي هو من الحقوق ويكون قابلاً للإسقاط ، بل غايته نفي اللزوم على نهج العقود الجائزة بالذات ـ نقول : إنّ دلالته على ثبوت الخيار بمجرّد الانهدام مطلقاً ممنوعة ، فإنّه مع الإعادة بسرعة بحيث لا يفوت شيء من المنافع لا يتحقّق هنا ضرر أصلاً ، ومع الفوات
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 154 .(2) المقنعة : 640 ، النهاية : 444 ، المراسم العلوية : 199 .(3) جواهر الكلام : 27 / 310 .
(الصفحة 321)
أيضاً كذلك لما عرفت(1) من بطلان الإجارة زمن الفوات ، فلا وجه للخيار إلاّ من جهة تبعّض الصفقة ، فتأمّل .
وبالجملة : فلم يظهر لنا مستند للحكم بثبوت الخيار بنفس الانهدام حتّى يتكلّم في بقائه مع الإعادة بسرعة وعدمه .
ويمكن أن يكون مستند الخيار تخلّف الوصف ; نظراً إلى أنّ الإعادة وإن لم تكن موجبة لتحقّق المغايرة بنظر العرف ، إلاّ أنّها توجب تخلّف الوصف لأجل تبدّل الخصوصيّة ، ومن الممكن أن يكون غرض المستأجر متعلّقاً بالخصوصية المنتفية لأجل الانهدام ، فالخيار حينئذ خيار تخلّف الوصف كما اشار إليه الشيخ الأعظم (قدس سره)في عبارته المتقدّمة(2) ، ولكنّ الظاهر أنّه أيضاً لا ينتج الخيار في جميع الموارد ، إذ قد لا تكون الإعادة مستلزمة لتخلف الوصف الذي هو غرض المستأجر بوجه ، مع أنّ ظاهرهم أنّ الانهدام بعنوانه موجب للخيار ، فتدبّر .
ثمّ إنّه وقع الخلاف بين القائلين بثبوت الخيار بمجرّد الانهدام في بقائه بعد إعادة المالك ، فمقتضى العبارتين المتقدمتين ـ بناء على كون المراد منهما أمراً واحداً ; وهو ثبوت الخيار بانهدام المسكن ـ أنّ إعادة المالك مسقطة للخيار ، وظاهر إطلاقهما عدم الفرق بين ما إذا كانت الإعادة بسرعة أو مع التراخي ، ولكن قال المحقّق في الشرائع بعد حكمه بفسخ الإجارة إلاّ أن يعيده صاحبه ويمكنه معه : وفيه تردّد(3) .
وقد خصّ تردّده في محكي المسالك بما إذا أعاده بسرعة ، بحيث لا يفوت شيء
- (1) في ص316.(2) في ص314 ـ 315.(3) شرائع الإسلام : 2 / 186 .