(الصفحة 326)
مثل ما إذا تلفت العين المستأجرة في أثناء المدّة ، مع أنّه من المعلوم عدم كون هذا الفرض مراداً لهم ، ضرورة أنّه في تلك الصورة لا مجال لدعوى كون ثبوت اُجرة المثل وسقوط قسطه من الاُجرة المسمّـاة من المسلّميّات والقطعيّات ، وذلك لثبوت التقسيط فيه كما عرفته(1) مفصّلاً ، وعليه فمفروض الكلام ما إذا انكشف بطلان الإجارة رأساً لخلل فيها ، سواء كان الانكشاف بعد انقضاء المدّة أو في الأثناء ، فتعبير المتن أولى من عبارة الشرائع .
ثمّ إنّ بطلان الإجارة تارةً يكون لأجل عدم ذكر الاُجرة فيها أو اشتراط عدمها ، واُخرى يكون لأجل أمر آخر ، وقد فصّل بينهما الشهيد (قدس سره) في محكيّ حواشيه(2) ، واستحسنه في المسالك(3) ، وقد صرّح به في المتن ، بل ربما يستظهر من عبارة الشرائع ، حيث قال : سواء زادت عن المسمّى . . .(4) ، فانّ ذكر المسمّى قرينة على فرض الاُجرة المسمّـاة في العقد ، فلابدّ من البحث في ذلك، وكذا في أنّ ثبوت اُجرة المثل هل يختصّ بما إذا كانت المنفعة مستوفاة ـ بتمامها أو ببعضها ، سواء استوفاها بنفسها بالمباشرة أو بغيرها بالتسبيب ـ أو يعمّ ما إذا فاتت المنفعة تحت يده تماماً أو بعضاً ، بحيث لم يستوف منها شيئاً ؟ وكذلك لابدّ من ملاحظة أنّ الحكم بثبوت الاُجرة يختصّ بما إذا كانا جاهلين بالفساد ولا يعمّ ما إذا كانا عالمين به ، أو كان أحدهما جاهلاً والآخر عالماً ـ كما هو المحكي عن الأردبيلي(5) وغيره(6) ممّن
- (1) في ص287 ـ 292 .(2) غاية المراد : 2 / 318 .(3) مسالك الأفهام : 5 / 184 .(4) شرائع الإسلام : 2 / 182 .(5) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 49 ـ 50 .(6) رياض المسائل : 6 / 40 ، مناهج المتّقين : 310 .
(الصفحة 327)
تبعه ـ أو يعمّ جميع الصور ؟
وكذلك لابدّ من النظر في أنّه في صورة عدم ذكر الاُجرة في العقد أو اشتراط عدمها التي قال الشهيدان فيها بعدم ثبوت اُجرة المثل ، هل فرق بين إجارة الأعيان والإجارة على الأعمال ـ كما حكي عن جامع المقاصد ، حيث قال : وهذا صحيح في العمل ، أمّا مثل سكنى الدار التي يستوفيها المستأجر بنفسه ، فإنّ اشتراط عدم العوض إنّما كان في العقد الفاسد الذي لا أثر لما تضمّنه من التراضي، فحقّه وجوب اُجرة المثل ، ومثله مالو باعه على أن لا ثمن عليه ، ولو اشترط في العقد عدم الاُجرة على العمل فعمل فلا شيء; لتبرّعه بعمله(1) ـ أو أنّه لا فرق بينهما ؟ كما عليه صاحب المسالك(2) وأجاب عن جامع المقاصد ، وصرّح به المتن أيضاً .
ثمّ إنّ الحكم بالبطلان في صورة اشتراط عدم الاُجرة إنّما يصحّ فيما إذا كان المشروط عدم ثبوت الاُجرة رأساً ، وأمّا لو كان المشروط عدم استحقاق المؤجر لمطالبتها ، الراجع إلى سقوطها بعد ثبوتها فلا مجال لدعوى البطلان كما مرّ سابقاً(3) ، كما أنّ الحكم بعدم ثبوت اُجرة المثل في هذه الصورة إنّما هو فيما إذا كان المشروط عدم الاُجرة رأساً أعمّ من اُجرة المثل ، وأمّا لو كان المشروط عدم ثبوت خصوص الاُجرة المسمّـاة ، فلا وجه لدعوى عدم ثبوت أُجرة المثل ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الحكم في أصل المسألة بوجوب اُجرة المثل ليس مجرّد حكم تكليفي محض ، بل هو حكم ناشئ من الحكم الوضعي، وهو ضمان المنفعة تماماً أو بعضاً ،
- (1) جامع المقاصد : 7 / 120 ـ 121 .(2) مسالك الأفهام : 5 / 184 .(3) في ص109 ـ 111.
(الصفحة 328)
فلابدّ من البحث في هذا الحكم .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه ينبغي البحث أوّلاً فيما هو القدر المتيقّن من مفروض المسألة ، وهو ما إذا انكشف بطلان الإجارة من غير ناحية عدم ذكر الاُجرة أو اشتراط العدم في أثناء المدّة أو بعدها ، بعد استيفاء المستأجر المنفعة بنفسه مع كونهما جاهلين بالفساد ، بحيث لو كانا عالمين به لما أقدما على مثل هذه المعاوضة ، وكون الاُجرة متموّلة شرعاً وملكاً للمستأجر ، ثمّ البحث في سائر الفروض ، فنقول : الدليل على ثبوت الضمان في المقام على ما قيل اُمور لابدّ من التعرّض لها :
الأوّل : الإجماع ، وقد استدلّ به في الجواهر(1) وتبعه المحقّق الشارح للعروة ، بل قال : إنّ العمدة في المقام هو الإجماع(2) .
والظاهر عدم كون الإجماع في مثل المقام واجداً لشرائط الحجّية ; لأنّه ـ مضافاً إلى عدم معلومية كون المسألة من المسائل المتلقّاة عن الأئمّة المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ لعدم التعرّض لها ظاهراً في الكتب المعدّة لمثل ذلكـ يحتمل قويّاً أن يكون مدرك المجمعين هي القواعد المتعدّدة المذكورة فيما بعد ، ومع هذا الاحتمال لايبقى للاتّكال عليه مجال .
الثاني : قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» واستدلّ بها أيضاً في الجواهر(3) ، وظاهره أنّها قاعدة مستقلّة بهذا العنوان في مقابل قاعدة الاحترام ، وقاعدتي اليد والإتلاف وسائر القواعد التي استند إليها في باب الضمان ، مع
- (1) جواهر الكلام : 27 / 246 .(2) مستمسك العروة : 12 / 65 .(3) جواهر الكلام : 27 / 246 .
(الصفحة 329)
أنّ الظاهر عدم كونها قاعدة مستقلّة في مقابل تلك القواعد ، بل هي قاعدة اصطيادية مستفادة من القواعد الاُخر ، الحاكمة بثبوت الضمان في موارد العقود الفاسدة .
وكيف كان ، فمع غمض النظر عن هذه الجهة نقول : قد كثر الكلام حول هذه القاعدة ووقع النقض والإبرام بالنسبة إليها ، ولكن الذي يرتبط منها بباب الإجارة بالخصوص هو الذي ينبغي التكلّم فيه هنا ; وهو أنّه هل يكون عقد الإجارة من صغريات هذه القاعدة أم لا ؟ وبعبارة اُخرى هل يكون في صحيح الإجارة ضمان حتّى يكون في فاسدها أيضاً ذلك أم لا ؟
ومنشأ الإشكال ، الاختلاف في حقيقة الإجارة وماهيّتها ، فإن كان الطرفان فيها هما الاُجرة والمنفعة بحيث كان العقد وارداً عليهما ، كما هو ظاهر تعريفها بأنّها تمليك المنفعة بعوض ، لكانت المنفعة التي هي طرف العقد أيضاً مضمونة بالمسمّى في الإجارة الصحيحة ، فيلزم أن تكون في فاسدها أيضاً كذلك .
وأمّا لو كان الطرف الآخر هي نفس العين المستأجرة دون المنفعة ـ كما يظهر من تحديدها بأنّها إضافة في العين تستتبع ملكيّة المنفعة على ما مرّ سابقاً(1) من ترجيح هذا التعريف ـ لكانت الإجارة بلحاظ المنفعة خارجة عن هذه القاعدة ; لعدم ثبوت الضمان حينئذ في صحيحها فضلاً عن فاسدها ; لأنّ المنفعة على هذا التقدير خارجة عن مورد العقد .
ومن الواضح أنّ القاعدة ـ أصلاً وكذا عكساً ـ ناظرة إلى ماهو طرف للعقد وهو واقع عليه ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال : بأنّ كون الإجارة إضافة في العين لا يقتضي عدم كون
(الصفحة 330)
المنفعة مورداً للعقد ومضمونة في صحيحه ; لظهور أنّ الاُجرة عند العقلاء إنّما تقع بإزاء المنفعة وفي مقابلها ، والمصحّح لصدق الضمان هو هذا التقابل الذي مرجعه إلى عدم كونها مفوّضة إلى المستأجر مجّاناً وبلا عوض ، فالظاهر حينئذ بمقتضى ما ذكر كون الإجارة من مصاديق هذه القاعدة ، فاللازم ثبوت اُجرة المثل في فاسدها ، ولكنّك عرفت عدم كون هذه القاعدة قاعدة مستقلّة بحيث يتّكل عليها كذلك .
الثالث : قاعدة الإقدام التي استند إليها في المقام المحقّق الإصفهاني (قدس سره)(1) ، نظراً إلى أنّ مثلها هو المدرك لثبوت الضمان لا نفس قاعدة ما يضمن ، وأوّل من استند إلى هذه القاعدة ـ على ما حكي(2) ـ شيخ الطائفة الإماميّة في المبسوط(3) ، ثمّ تبعه فيه بعض من أجلاّء الفقهاء ، كالمحقّق والشهيد الثانيين (قدس سرهما)(4) .
وقد اعترض عليهم بعدم إجدائها في موارد العقود الفاسدة ; لعدم تحقّق موضوع الإقدام ، فإنّ ما أقدم عليه المتعاقدان هو الضمان الخاصّ ; وهو كون ما انتقل إليه مضموناً بإزاء خصوص الطرف الآخر المنتقل عنه ، فإنّ المشتري مثلاً إنّما أقدم على ضمان المبيع بخصوص الثمن الواقع بإزائه ، والمستأجر في المقام إنّما أقدم على ضمان المنفعة قبال الاُجرة المسمّـاة ، والمفروض أنّه مع فساد العقد ينتفي هذا الضمان ، والضمان الآخر ليس ممّا أقدم عليه المتعاقدان ، فما أقدما عليه غير واقع لفرض الفساد ، والضمان الآخر لا يكون مقدماً عليه بوجه .
وأجاب عن هذا الاعتراض المحقّق الخراساني (قدس سره) في تعليقته على متاجر الشيخ
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 93 ـ 94 .(2) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب : 3 / 182 و188.(3) المبسوط : 3 / 58 ، 65 ، 68 ، 85 و 89 .(4) جامع المقاصد: 6 / 324، الروضة البهية : 3 / 236 ، مسالك الأفهام : 3 / 154 و160 وج4 / 56 .