(الصفحة 336)
التي هي الموضوع لهذا الحكم ، وبين ماهو خارج عنه ، ففي الحقيقة يرجع الكلام إلى أنّ الأموال تكون على قسمين : قسم تثبت له الحرمة ; وهو ما يكون متعلّقاً بالمؤمن ، وقسم خارج عن موضوع هذا الحكم ; وهو ما يكون مضافاً إلى غيره ، فالأثر المترتّب على الإضافة إنّما هو تشخيص الموضوع عن غيره ، ولا دلالة فيها على أنّ الموضوع هو المضاف بما هو مضاف ، وعليه فلا حاجة إلى التجشّم الذي ارتكبه من أنّ أخذ المال في الموضوع مع كون الحكم دائراً مدار الملكيّة ـ وهي أعمّ من المالية ـ إنّما هو باعتبار غلبة كون المضاف مالاً ، فتأمّل جيّداً .
وعمّا أورده ثانياً بأنّه على فرض تسليم كون عمل الحرّ مالاً لامجال لإخراجه عن هذه القاعدة ; لأنّ المصحح لدخوله فيها هي صحّة إضافة المال إلى المؤمن والمفروض ثبوتها ، ودعوى أنّ الظاهر كون الإضافة إضافة ملكيّة أو حقّيّة مدفوعة بخروجها عن الشاهد ، بل اللاّزم مجرّد صحّة الإضافة التي لا محيص عنها على تقدير كون العمل مالاً والعامل مؤمناً ، كما هو غير خفيّ .
وأمّا ما أورده ثالثاً ، فالظاهر تماميّته إلاّ أنّه ليس إشكالاً على القاعدة ; بل على الاستنادإليهالجميع فروض المسألة كماهوظاهر. هذاتمام الكلام في تقريب الاستدلال بالقاعدة من الوجه الأوّل ، الذي مرجعه إلى كون مدلولها مجرّد حكم تكليفي .
وأمّا الوجه الثاني : فهو أنّه يمكن أن يقال بكون المراد من الحرمة في الرواية هي الحرمة الوضعيّة ، أو الأعمّ منها ومن التكليفية ، بقرينة أنّ المنسبق إلى الأذهان من هذه العبارة هي الحرمة الوضعيّة أو الأعمّ ، وحينئذ لا مانع عن الاستدلال بها للمقام لو لم يناقش فيها بأنّها لاتكون إلاّ بصدد أصل التشريع ، ولا دلالة لها على الإطلاق ، أو بأنّها في مقام إفادة مرتبة الحرمة وأنّها هي مرتبة حرمة الدم ، فلابدّ حينئذ من إحراز أصل الحرمة مع قطع النظر عن القاعدة حتّى
(الصفحة 337)
يصحّ التمسّك بها ، بل لا حاجة إليها حينئذ ; لأنّ الكلام إنّما هو في أصل ثبوت الحرمة لا في مرتبتها .
وكيف كان ، فمع قطع النظر عن هاتين المناقشتين يتمّ الاستدلال بالرواية التي هي المدرك للقاعدة في المقام .
الخامس : قاعدة الإتلاف ، التي تستفاد من التتبع في الروايات الواردة في الموارد المختلفة ، ومن التعليل الواقع في بعضها ، وإن لم تكن منصوصة بالعبارة المعروفة على الظاهر ، وعلى أيّ فقد قيل : بأنّ شمولها للمنافع المستوفاة والأعمال كذلك واضح ; لأنّ إتلاف المنافع المتدرّجة في الوجود إنّما هو باستيفائها تدريجاً ، وليست كالأعيان بحيث يكون لها إتلاف محض ، وكذا المنافع المفوّتة بناءً على شمول الإتلاف للتفويت ; وهو المنع عن الوجود وإبقاء العدم على حاله ، وأمّا المنافع الفائتة والأعمال غير المستوفاة فلا تكاد تعمّهما القاعدة .
والظاهر أنّ شمول القاعدة للمنافع المستوفاة أو المفوّتة أيضاً محلّ إشكال ; لأنّ المنافع وإن كانت مالاً إلاّ أنّ صدق الإتلاف على الاستيفاء أو التفويت مشكل ، بل صدقه على الأوّل أشكل ، فتأمّل ، وكذا يشكل الحكم بشمول القاعدة لصورة الجهل بفساد المعاملة; نظراً إلى ظهورها في ترتّب الضمان على الإتلاف فيما إذا أحرز كون المال للغير ، بل شمولها لصورة العلم بالفساد أيضاً كذلك ; لأنّ الإتلاف حينئذ يكون أيضاً مبتنياً على كونه مال النفس ، ولو عند العقلاء القائلين بصحّة المعاملة ، ولكن هذا الإشكال الأخير مندفع فتأمّل .
السادس : قاعدة اليد ، التي هي مدلول رواية رواها جماعة من أصحاب الصحاح ; كابن ماجة والترمذي وأبي داود ـ على ما حكي ـ عن قتادة ، عن الحسن البصري ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : على اليد ما أخذت
(الصفحة 338)
حتّى تؤدّي أو تؤديه(1) . وروي : «قبضت» ، مكان «أخذت» . وشاع التمسّك بهذا الحديث بين الفقهاء المتأخّرين من الإماميّة دون القدماء منهم ، وعليه فانجبار ضعف سنده غير معلوم ، بل معلوم العدم والتحقيق في محلّه .
وكيف كان ، فمع قطع النظر عن السند نقول : إنّ الاستدلال بهذه القاعدة للمقام يبتني على إبطال دعوى من يقول باختصاصها إبتداءً بالأيادي القاهرة العادية ، كما حكي عن بعض الأجلّة ، وكذا على إبطال قول من يدّعي أنّ عروض كثرة التخصيص لها مانع عن جواز التمسّك بها في الموارد المشكوكة ، كما ربما ينسب إلى بعض آخر ، وكذا يبتني على دعوى عدم اختصاص القاعدة بصورة وجود المأخوذ ، نظراً إلى أنّه ليس مفادها مجرّد إيجاب الأداء ، ولو كان متوقّفاً على بذل مال وصرف مؤونة ، بل مفادها وجوب الأداء ما دامت العين موجودة ، ومثله أو بدله مع التلف بالتقريب المذكور في محلّه ، الذي يرجع إلى إفادة القاعدة للحكم الوضعي وهو ضمان المأخوذ .
والعمدة في المقام ابتناء التمسّك بالقاعدة على شمولها للمنافع ، وعدم اختصاصها بالأعيان الموجودة في الخارج ، ومنشأ الإشكال ما قاله الشيخ الأعظم (قدس سره) في مسألة ضمان المنافع غير المستوفاة في المقبوض بالعقد الفاسد ; من أنّه لا إشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع، وحصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ، ودعوى أنّه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الأعيان مشكلة(2).
وقال المحقّق الإصفهاني (قدس سره) : إنّه ليس وجه الإشكال عدم صدق الأخذ بالنسبة
- (1) سنن ابن ماجة : 3 / 147 ح2400 ، سنن الترمذي : 3 / 566 ح1269 ، سنن أبي داود : 3/526 ح3561 ، عوالي اللآلي : 2 / 345 ح10 ، مستدرك الوسائل : 17 / 88 ، كتاب الغصب ب1 ح4 .(2) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 3 / 204 .
(الصفحة 339)
إلى المنافع ، فإنّ الأخذ بما هو لا يختصّ بالأعيان الخارجيّة بل يعم الاُمور المعنويّة كالعهد والميثاق ، فضلاً عن شمول المنافع التي هي من حيثيّات العين الخارجية وشؤونها ، كما أنّه ليس وجه الإشكال إرادة الجارحة المخصوصة من اليد كي يختص بالأعيان القابلة للقبض بالجارحة ، إذ لا ريب في أنّها كناية عن الاستيلاء ، ولذا لا ريب في صدق وضع اليد على الأراضي والعقار بالاستيلاء عليها . بل وجه الإشكال أمران ، ثمّ ذكر الأمر الأوّل مع جوابه . وقال في الأمر الثاني الذي اختاره ما ملخّصه : إنّ مقتضى على اليد أنّ ما يدخل في العهدة بوضع اليد عليه ما كان أدائياً وقابلاً للأداء بعد أخذه ، وهذا شأن العين . وأمّا المنافع ، فما فات منها وهي المأخوذة غير أدائية بنفسها ، ومالم تفت فهي غير مأخوذة ولا كلام فيه(1) .
والظاهر أنّ إشكال الشيخ (قدس سره) ليس لأجل الوجه الذي أفاده هذا المحقّق ، بل وجه الإشكال ظهور عبارة القاعدة في كون موضوعها هو المال الذي يمكن تعلّق الأخذ به بالذات وبلا واسطة ، وهذا شأن العين . وأمّا المنافع ، فهي وإن كانت قابلة للاتّصاف بالمأخوذية ، إلاّ أنّ الأخذ لا يتعلّق بها من دون واسطة ، فالقاعدة لا تشملها لظهورها في المأخوذ بلا واسطة .
وأمّا الوجه الذي أفاده المحقّق المزبور فيرد عليه منع ظهور القاعدة في الاختصاص بما كان قابلاً للأداء كي يختصّ بغير المنافع ، بل فائدة ذكر الغاية مجرّد استمرار الحكم وثبوته إلى حين تحقّقها ، ألا ترى أنّ قوله (عليه السلام) : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر(2) هل يختصّ بما إذا كان قابلاً للعلم بقذارته ، أو أنّ الظاهر كونه غاية
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 98 ـ 99 .(2) المقنع : 15 ، مستدرك الوسائل : 2 / 583 ، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب30 ح4 ، وسائل الشيعة: 3 / 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب37 ح4 باختلاف.
(الصفحة 340)
للحكم بطهارة مشكوك النجاسة مطلقاً ؟ ومثله قوله (عليه السلام) : البيّعان بالخيار حتّى يفترقا(1) . فإنّ الظاهر ثبوت خيار المجلس ولو مع عدم إمكان الافتراق بينهما ، كما إذا كانا واحداً فتدبّر .
وكيف كان ، فان كان الوجه في إشكال الشيخ (قدس سره) ما أفاده المحقّق المزبور فقد عرفت ما فيه ، وإن كان الوجه فيه ما ذكرنا فيرد عليه منع ظهور القاعدة في الاختصاص بما كان تعلّق الأخذ به بالذات وبلا واسطة ممكناً ، بل الظاهر أنّ الأخذ في عبارتها أعمّ فيشمل المنافع أيضاً .
السابع : قاعدة الضرر المستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله) في رواية سمرة بن جندب : لاضرر ولا ضرار(2) . والتحقيق في السند واعتبار القاعدة موكول إلى محلّه والغرض هنا بيان مفادها ومدلولها ، فنقول : مختصر الكلام فيها أنّه إمّا أن يقال : بأنّ كلمة «لا» فيها للنهي ، وإمّا أن يقال : بأنّها للنفي ، وعلى التقدير الأوّل فتارةً يقال : بأنّ النهي فيها حكم من الأحكام الإلهيّة ، كسائر النواهي المتوجّهة إلى المكلّفين ، ومرجعه حينئذ إلى أنّه لا يجوز أن يضرّ أحد بالنسبة إلى آخر ، ويحرم أن يتحقّق الإضرار منه بالإضافة إلى الغير ، واُخرى يقال : بأنّ النهي فيها نهي صادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مقام أعمال السلطنة والحكومة ، وليس حكماً من الأحكام الإلهيّة العامّة الشاملة لجميع المكلّفين ، واختار هذا الوجه الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالته في هذه القاعدة(3) .
فإن قلنا بالثاني فالتمسّك بهذه القاعدة في شيء من الأحكام الفقهية التي من جملتها المقام في غير محلّه ; لعدم دلالتها على حكم من الأحكام إثباتاً أو نفياً ، كما هو
- (1) الكافي : 5 / 170 ح4 و5 ، وسائل الشيعة : 18 / 5 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب1 ح1 و2 .(2) الكافي : 5 / 292 ح2 ، الفقيه : 3 / 147 ح18 ، وسائل الشيعة : 25 / 428 ، كتاب إحياء الموات ب12 ح3 .(3) الرسائل للإمام الخميني: 1 / 24.