(الصفحة 339)
إلى المنافع ، فإنّ الأخذ بما هو لا يختصّ بالأعيان الخارجيّة بل يعم الاُمور المعنويّة كالعهد والميثاق ، فضلاً عن شمول المنافع التي هي من حيثيّات العين الخارجية وشؤونها ، كما أنّه ليس وجه الإشكال إرادة الجارحة المخصوصة من اليد كي يختص بالأعيان القابلة للقبض بالجارحة ، إذ لا ريب في أنّها كناية عن الاستيلاء ، ولذا لا ريب في صدق وضع اليد على الأراضي والعقار بالاستيلاء عليها . بل وجه الإشكال أمران ، ثمّ ذكر الأمر الأوّل مع جوابه . وقال في الأمر الثاني الذي اختاره ما ملخّصه : إنّ مقتضى على اليد أنّ ما يدخل في العهدة بوضع اليد عليه ما كان أدائياً وقابلاً للأداء بعد أخذه ، وهذا شأن العين . وأمّا المنافع ، فما فات منها وهي المأخوذة غير أدائية بنفسها ، ومالم تفت فهي غير مأخوذة ولا كلام فيه(1) .
والظاهر أنّ إشكال الشيخ (قدس سره) ليس لأجل الوجه الذي أفاده هذا المحقّق ، بل وجه الإشكال ظهور عبارة القاعدة في كون موضوعها هو المال الذي يمكن تعلّق الأخذ به بالذات وبلا واسطة ، وهذا شأن العين . وأمّا المنافع ، فهي وإن كانت قابلة للاتّصاف بالمأخوذية ، إلاّ أنّ الأخذ لا يتعلّق بها من دون واسطة ، فالقاعدة لا تشملها لظهورها في المأخوذ بلا واسطة .
وأمّا الوجه الذي أفاده المحقّق المزبور فيرد عليه منع ظهور القاعدة في الاختصاص بما كان قابلاً للأداء كي يختصّ بغير المنافع ، بل فائدة ذكر الغاية مجرّد استمرار الحكم وثبوته إلى حين تحقّقها ، ألا ترى أنّ قوله (عليه السلام) : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر(2) هل يختصّ بما إذا كان قابلاً للعلم بقذارته ، أو أنّ الظاهر كونه غاية
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 98 ـ 99 .(2) المقنع : 15 ، مستدرك الوسائل : 2 / 583 ، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب30 ح4 ، وسائل الشيعة: 3 / 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب37 ح4 باختلاف.
(الصفحة 340)
للحكم بطهارة مشكوك النجاسة مطلقاً ؟ ومثله قوله (عليه السلام) : البيّعان بالخيار حتّى يفترقا(1) . فإنّ الظاهر ثبوت خيار المجلس ولو مع عدم إمكان الافتراق بينهما ، كما إذا كانا واحداً فتدبّر .
وكيف كان ، فان كان الوجه في إشكال الشيخ (قدس سره) ما أفاده المحقّق المزبور فقد عرفت ما فيه ، وإن كان الوجه فيه ما ذكرنا فيرد عليه منع ظهور القاعدة في الاختصاص بما كان تعلّق الأخذ به بالذات وبلا واسطة ممكناً ، بل الظاهر أنّ الأخذ في عبارتها أعمّ فيشمل المنافع أيضاً .
السابع : قاعدة الضرر المستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله) في رواية سمرة بن جندب : لاضرر ولا ضرار(2) . والتحقيق في السند واعتبار القاعدة موكول إلى محلّه والغرض هنا بيان مفادها ومدلولها ، فنقول : مختصر الكلام فيها أنّه إمّا أن يقال : بأنّ كلمة «لا» فيها للنهي ، وإمّا أن يقال : بأنّها للنفي ، وعلى التقدير الأوّل فتارةً يقال : بأنّ النهي فيها حكم من الأحكام الإلهيّة ، كسائر النواهي المتوجّهة إلى المكلّفين ، ومرجعه حينئذ إلى أنّه لا يجوز أن يضرّ أحد بالنسبة إلى آخر ، ويحرم أن يتحقّق الإضرار منه بالإضافة إلى الغير ، واُخرى يقال : بأنّ النهي فيها نهي صادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مقام أعمال السلطنة والحكومة ، وليس حكماً من الأحكام الإلهيّة العامّة الشاملة لجميع المكلّفين ، واختار هذا الوجه الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالته في هذه القاعدة(3) .
فإن قلنا بالثاني فالتمسّك بهذه القاعدة في شيء من الأحكام الفقهية التي من جملتها المقام في غير محلّه ; لعدم دلالتها على حكم من الأحكام إثباتاً أو نفياً ، كما هو
- (1) الكافي : 5 / 170 ح4 و5 ، وسائل الشيعة : 18 / 5 ، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب1 ح1 و2 .(2) الكافي : 5 / 292 ح2 ، الفقيه : 3 / 147 ح18 ، وسائل الشيعة : 25 / 428 ، كتاب إحياء الموات ب12 ح3 .(3) الرسائل للإمام الخميني: 1 / 24.
(الصفحة 341)
غير خفيّ .
وإن قلنا بالأوّل فمفاده حينئذ مجرّد حكم تكليفيّ ; وهو النهي عن الإضرار بالغير ، ولا دلالة فيها على الحكم الوضعي الذي هو المقصود في المقام ، إلاّ أن يقال : بأنّ المتفاهم عند العرف من النهي التكليفي المتعلّق بالإضرار لزوم التدارك أيضاً على تقدير تحقّق الإضرار المحرّم ، لكن يرد على الاستدلال بها للمقام ـ على تقدير دلالتها على الحكم الوضعي أيضاً ـ أن تحقّق الإضرار هنا محلّ نظر ، بل منع ; لأنّ استيفاء منفعة الدار بعنوان أنّها مملوكة له وله حق الاستيفاء لا يوجب تحقّق موضوع الإضرار ، ولو انكشف الخلاف وأنّه لم يكن مستحقاً لاستيفائها ; لأنّ الظاهر أنّ صدقه متوقّف على أن لا يكون التصرّف مستنداً إلى اعتقاد الاستحقاق ، إلاّ أن يقال : إنّ مجرّد الاستيفاء وإن كان بنفسه لا يوجب تحقّق موضوع الإضرار إلاّ أنّه بضميمة عدم التدارك بعد انكشاف الخلاف يوجب تحقّقه فتدبّر ، هذا كلّه على تقدير كون القاعدة ناهية .
وأمّا على تقدير كونها نافية ، فتارةً يقال : بأنّ المراد منها أنّ الشارع لم يشرع حكماً ضررياً أصلاً ، واُخرى يقال : بأنّ المراد منها أنّ الأحكام المجعولة الشاملة بعمومها أو إطلاقها لصورة الضرر أيضاً مقصورة على غير مورد الضرر ، كما هو مبنى الحكومة التي اختارها كثير من المحقّقين(1) في مفاد هذه القاعدة .
فإن أُريد الأوّل فالظاهر تماميّة دلالتها على ثبوت الضمان في المقام ; لأنّ الحكم بعدم الضمان ضرريّ، ومفاد القاعدة على هذا التقدير الإخبار عن عدم مشروعية
- (1) فرائد الاُصول : 2 / 462 ، الحاشية على كفاية الاُصول : 2 / 338 ، مصباح الاُصول : 2 / 540 .
(الصفحة 342)
الحكم الضرري ، والواقع لا يخلو عن أحد أمرين : الضمان وعدمه ، فإذا كان العدم غير مشروع فاللاّزم ثبوت الحكم بالضمان ، والظاهر عدم كون المراد بالقاعدة هذا المعنى ، وإلاّ لزم أن تكون أدلّة الخمس والزكاة وبعض النفقات والتغريمات مخصّصة لقاعدة الضرر ، كما أفاده المحقّق الإصفهاني(1) مع أنّها آبية عن التخصيص ، كما هو ظاهر .
وإن أُريد الثاني كما هو المعروف بين المحقّقين من المتأخّرين فموردها ما إذا كان للحكم موردان : ضرري وغير ضرري ، ويكون مقتضى نفي الضرر الاقتصار على غير مورد الضرر ، وليس في المقام عموم أو إطلاق يقتضي عدم الضمان ، حتّى تكون القاعدة مقتضية للتخصيص بغير المقام لثبوت الضرر فيه ، إلاّ أن يقال : إنّ المجعول بحسب الواقع ونفس الأمر إمّا الحكم بالضمان ، وإمّا الحكم بعدمه لعدم خلوّ الواقع عنهما ، فإن كان المجعول هو الحكم بالضمان فقاعدة نفي الضرر لا تنافيه إلاّ أن يترتّب الضرر على الضمان في بعض الأحيان ، وإن كان المجعول هو الحكم بالعدم فالظاهر أنّ الحكم بالعدم لم يجعل لخصوص المقام ، بل للأعمّ منه وممّا إذا لم يقبض العين حتّى يستوفي المنفعة ، وكذا نظائره ممّا لا سبيل فيه إلى الحكم بالضمان ، وعليه فمقتضى حكومة قاعدة نفي الضرر على دليل الحكم بعدم الضمان الشامل بإطلاقه للمقام وغيره تخصيص ذلك الدليل والحكم بأنّه مقصور على غير المقام ، الذي يترتّب على عدم ثبوت الضمان فيه ضرر جدّاً ، إلاّ أن يقال : بأنّه يحتمل أن يكون هنا دليل مفاده عدم الضمان في خصوص المقام ، وعليه فيصير ذلك الدليل كأدلّة الخمس والزكاة وأشباههما ممّا لا وجه لتقدّم قاعدة نفي الضرر عليه ولكنّه في
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 100 .
(الصفحة 343)
[إجارة المشاع]
مسألة : تجوز إجارة المشاع ، سواء كان للمؤجر الجزء المشاع من عين فآجره ، أو كان مالكاً للكلّ وآجر جزءاً مشاعاً منه كنصفه أو ثلثه ، لكن في الصورة الاُولى لا يجوز للمؤجر تسليم العين للمستأجر إلاّ بإذن شريكه . وكذا يجوز أن يستأجر إثنان مثلا داراً على نحو الاشتراك ويسكناها معاً بالتراضي ، أو يقتسماها بحسب المساكن بالتعديل والقرعة ، كتقسيم الشريكين الدار المشتركة ، أو يقتسما منفعتها بالمهاياة ; بأن يسكنها أحدهما ستّة أشهر مثلا ثمّ الآخر ، كما إذا استأجرا معاً دابّة للركوب على التناوب ، فإنّ تقسيم منفعتها الركوبيّة لا يكون إلاّ بالمهاياة ; بأن يركبها أحدهما يوماً والآخر يوماً مثلاً ، أو يركبها أحدهما فرسخاً والآخر فرسخاً 1 .
كمال البعد . وبالجملة فالظاهر أنّه بناءً على حكومة القاعدة على الأدلّة الأوّلية يكون مقتضاها في المقام ثبوت الضمان على ما عرفت .
هذه هي الاُمور السبعة التي استند إليها للضمان في أصل فرض المسألة ، وقد عرفت تماميّة بعضها ، فلا مناص عن الحكم به فيما هو القدر المتيقّن الذي بنينا على البحث عنه أوّلاً ، ومن التأمّل فيما ذكرنا يظهر حكم سائر الفروض فتأمّل جيّداً .
1 ـ لا إشكال ولا خلاف بين الإماميّة في جواز إجارة المشاع كإجارة المقسوم ، سواء آجره من شريكه أو من الأجنبي ، وبه قال من العامّة مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمّد ، وحكي عن أبي حنيفة وأحمد في أحد قوليهما ـ وهو المشهور عنه ـ أنّه لا يجوز للشريك أن يؤجر حصته إلاّ من شريكه ; نظراً إلى أنّ العقد وقع على ما