(الصفحة 347)
المؤجر مع شريكه ، إلاّ أن يقال بجريان الإشكال فيه أيضاً ـ أنّ القسمة عقد مستقلّ يشمله عموم
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(1) ولا تحتاج في كلّ مورد إلى دليل خاصّ .
ويجوز الاقتسام بالمهاياة أيضاً بأن يقتسما المنفعة من حيث الزمان ، كما في استئجار شخصين دابّة للركوب على التناوب على ما أوضحه في المتن .
ثمّ إنّه يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معيّن على وجه الشركة، كحمل شيء معيّن لا يمكن إلاّ بالمتعدّد أو مع إمكان الواحد أيضاً ، وليس هذا من قبيل الشركة في الأبدان ; لأنّ موردها ما إذا اشترك اثنان فيما يحصل من عمل كلّ واحد منهما مع استقلالهما فيه ، كما إذا اشترك كاتبان فيما يحصل من عملهما مع استقلال كلّ منهما بعمله وبالاستئجار عليه .
تتمّة : حكم في العروة بثبوت الخيار في موضعين :
أحدهما : ما لو كان المستأجر جاهلاً بكون مورد الإجارة مشتركاً ، كما إذا آجره داره فتبيّن أنّ نصفها للغير ولم يجز ذلك الغير، فإنّ له خيار الشركة بل وخيار التبعّض.
ثانيهما : ما إذا آجره نصف الدار مشاعاً ، وكان المستأجر معتقداً أنّ تمام الدار له فيكون شريكاً معه في منفعتها، فتبيّن أنّ النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير . قال فيها : ففي ثبوت الخيار له حينئذ وجهان ، لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له(2) .
ويرد عليه ما أورد عليه بعض المحقّقين من المحشين : من عدم الدليل على ثبوت
- (1) سوة المائدة 5 : 1 .(2) العروة الوثقى : 5 / 59 مسألة 17 .
(الصفحة 348)
الخيار في الصورة الأخيرة ، وإن كانت الشركة مع الغير منقصة له ; لأنّ مجرّد ذلك ليس من أسباب الخيار ما لم تكن المعاملة مبنية عليه ، ضرورة أنّ الخيار في المقام لابدّ إمّا أن يكون مسبّباً عن تخلّف الشرط أو الوصف والمفروض العدم ، وإمّا أن يكون لأجل التبعّض والشركة والمفروض ثبوتهما من أوّل الأمر ، فلا وجه لثبوت الخيار(1) .
- (1) راجع العروة الوثقى : 5 / 59 ، التعليقة 3 .
(الصفحة 349)
[لو آجر المستأجر العين المستأجرة بأكثر ممّا استأجر]
مسألة : لو استأجر عيناً ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر . هذا في غير البيت والدار والدكّان والأجير ، وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلاّ إذا أحدث فيها حدثاً من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك ، ولا يبعد جوازها أيضاً إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة . والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها ، وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة . ولو استأجر داراً مثلاً بعشرة دراهم فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز ، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر . وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة . نعم ، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لا يجوز1 .
1 ـ لا إشكال في جواز أن يؤجر العين بأقلّ ممّا استأجر أو بالمساوي مع عدم اشتراط استيفاء المنفعة عليه بالمباشرة ، إنّما الإشكال والخلاف في جوازه بالأكثر ، وقد اختلفت فيه الآراء وتشتّت فيه الأقوال ، حتّى أنّه وقع من الفقيه الواحد مذهبان في الموضعين ، ووقع الخلل والاختلاف في نقل المذاهب والأقوال كما في المفتاح(1) ، ولكنّ الظاهر ثبوت الشهرة(2) بين القدماء على المنع ، بل قد ادّعى الإجماع السيّدان رحمهما الله في الانتصار(3) والغنية(4) ، وكذا الشيخ في الخلاف(5) ،
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 83 .(2) المقنع : 392 ، النهاية : 445 ، المقنعة : 640 .(3) الانتصار : 475 .(4) غنية النزوع : 287 .(5) الخلاف : 3/ 494 مسألة 11 .
(الصفحة 350)
ولكن مع وجود الروايات الكثيرة في المسألة وظهور كونها المستند لهم لا مجال للاتّكال على الإجماع فضلاً عن الشهرة ، فلابدّ من التكلّم أوّلاً فيما هو مقتضى القاعدة ، ثمّ فيما تقتضيه الروايات الواردة في المقام ، وأنّها هل تقتضي الجواز والكراهة ، أو الحرمة الوضعيّة أو التكليفيّة ، أو كلتيهما مطلقاً أو في بعض الموارد ؟ فنقول :
أمّا القاعدة فلا ريب في أنّ مقتضاها الجواز ; لعدم وجود ما يقتضي المنع ، والتعليل باستلزام الزيادة للربا واضح المنع بعد ظهور أنّه يكون هنا معاملتان لا ارتباط لإحداهما بالاُخرى ، وإن كان المستأجر في الإجارة الثانية هو المؤجر في الإجارة الاُولى كما في البيع .
وأمّا الروايات ، فاعلم أنّ العناوين الواردة فيها المحكومة بالجواز أو الكراهة أو الحرمة ستّة أو سبعة ، بناءً على اختلاف معنى الدار والبيت كما هو الظاهر من اللغة . ولابدّ من البحث في كلّ واحد من هذه العناوين مستقلاًّ ، فنقول :
منها : الأرض ، وقد وردت فيها طوائف من الأخبار :
الاُولى : ما يدلّ بظاهرها على جواز إجارة الأرض المستأجرة بأكثر ممّا استؤجرت مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا أحدث فيها شيئاً ، وما إذا لم يحدث ، مثل رواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يتقبّل الأرض من الدهاقين ثمّ يؤاجرها بأكثر ممّا تقبّلها به ويقوم فيها بحظ السلطان ؟ فقال : لابأس به ، إنّ الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت ، إنّ فضل الأجير والبيت حرام . ورواه الصدوق مع زيادة : ولو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولكن لا يؤاجرها باكثر
(الصفحة 351)
ممّا استأجرها(1) . وقد احتمل أن تكون هذه الزيادة فتوى الصدوق مذكورة بعد الرواية ، كما هو دأبه في كتاب الفقيه ، وعليه فهي مأخوذة من رواية الحلبي الآتية لعدم الاختلاف بينهما أصلاً ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، يحتمل في الرواية أن يكون المراد من التقبّل فيها هو التقبّل بنحو المزارعة لا الإجارة ، ولا يكون ترك الاستفصال دليلاً على الإطلاق بعد احتمال تعارف استعمال لغة التقبّل في المزارعة ، خصوصاً بعد كون المتعارف ظاهراً في الأراضي التي يتقبّلها الدهاقين من السلاطين هي المعاملة بنحو المزارعة ، وهذا ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون المراد من المؤاجرة الواقعة بأكثر ممّا تقبّل الأرض به هي المزارعة أيضاً ، لاستعمال مثل هذه الكلمة فيها في بعض الروايات الآتية ، خصوصاً مع ملاحظة كونها بصيغة المفاعلة ، كما لا يخفى .
ودعوى أنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية : «إنّ الأرض ليست مثل الأجير . . .» ظاهر في كون المراد نفي المماثلة بين الأرض المستأجرة والأجير والبيت ، لا بينها إذا تقبّلها بنحو المزارعة وبينهما .
مدفوعة بمنع هذا الظهور لو لم نقل بكونه ظاهراً في خلافه ، نظراً إلى ظهور العلّة في عدم كونها تعبّداً محضاً ، ولو كانت المماثلة المنفية هي المماثلة بين الأرض المستأجرة وبينهما لكان اللاّزم أن تكون العلّة كأصل الحكم أمراً تعبّديّاً صرفاً ، وهذا بخلاف ما لو كان المراد من نفي المماثلة هو نفيها بين المزارعة التي موضوعها الأرض وبين إجارة الأجير والبيت . وبه ينقدح الخلل فيما استظهره المحقّق
- (1) الكافي : 5 / 271 ح1 ، المقنع : 392 ، الفقيه : 3 / 157 ح688 ، التهذيب: 7 / 203 ح894 ، الاستبصار: 3 / 129 ح464، وسائل الشيعة : 19 / 125 ، كتاب الإجارة ب20 ح2 و3 .