(الصفحة 436)
في إسحاق بن عمّار من جهة أنّه ليس المسمّى بهذا الاسم في الرواة إلاّ شخص واحد ، ولكنّه لم يعلم أنّه ابن عمّار الساباطي الفطحي، أو ابن عمّار بن حيّان الصيرفي الكوفي ، ويؤيّد الأوّل وصف الشيخ في الفهرست ـ على ما حكي عنه ـ له بالفطحية(1) ، وما ذكره العلاّمة في محكي الخلاصة من أنّ الأولى عندي التوقّف فيما يتفرّد به(2) ، ويؤيّد الثاني عنوانه في جمع من الكتب الرجالية بإسحاق بن عمّار الكوفي أو هو مع الصيرفي(3) ، وكذا ما ذكر في ترجمة إسماعيل بن عمّار الصيرفي الكوفي من أنّه أخو إسحاق(4) ، وفي ترجمة محمّد بن إسحاق من عنوانه هكذا : محمّد بن إسحاق بن عمّار الصيرفي الكوفي(5) .
هذا ، مضافاً إلى وجود رواية(6) تدلّ على كونه قائلاً بإمامة الكاظم (عليه السلام) . وكيف كان ، فلا شبهة في وثاقته واعتبار روايته ، وتوقّف العلاّمة فيما يتفرّد به لا يمنعنا عن الأخذ بروايته بعد عدم ثبوت ما يقدح في وثاقته ، كما لا يخفى .
وأمّا الثاني : فلا خفاء في أنّ موردها هو الأجير الخاصّ لا العامّ ، وذلك من جهة عدم ذكر المنفعة في السؤال ، والاقتصار على مجرّد استئجار الرجل بأجر معلوم . هذا ، مضافاً إلى أنّ الحكم بعدم البأس في الجواب في خصوص صورة الإذن من المستأجر ظاهر في الأجير الخاصّ ، لعدم الوجه لذلك في الأجير العامّ ،
- (1) الفهرست : 54 رقم 52 .(2) خلاصة الأقوال : 317 رقم 1244 .(3) رجال النجاشي: 71 رقم 169، رجال الطوسي : 162 رقم 1831 ، منهج المقال : 52 .(4) منهج المقال : 58 ، وراجع خلاصة الأقوال : 317 رقم 1243 ورجال الطوسي : 161 رقم 1821 .(5) رجال الطوسي : 365 رقم 5410 ، منهج المقال : 282 .(6) منهج المقال : 53 .
(الصفحة 437)
وإلى أنّ نفس السؤال ربما يصير قرينة على ذلك ; لأنّ جواز إجارة الأجير العامّ لغير المستأجر الأوّل أو المضاربة معه لا يكاد يخفى على أحد ، خصوصاً على مثل إسحاق بن عمّار .
وبالجملة : فاختصاص الرواية بالأجير الخاصّ ممّا لا ينبغي الارتياب فيه . نعم ، الظاهر كون المراد به هو المستأجر بجميع المنافع ، لما عرفت من عدم ذكر منفعة خاصّة في السؤال ، والبعث إلى الضيعة مذكور بنحو التفريع لا الغرض والغاية المذكورة في الإجارة ، أو المقصودة منها وان لم تكن مذكورة ، وإن كان الغرض غير المذكور لا يجب الوفاء به في باب العقود ، كما قرّر في محلّه .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ المراد بالأجير هو الأجير الخاصّ المستأجر بجميع المنافع ، وحينئذ فالجواب يدلّ على نفي البأس في خصوص صورة إذن المستأجر ، ومفهومه ثبوت البأس مع عدم الإذن ، وعليه : فإن كان المراد بالبأس هو الحكم التكليفي الإلزامي الذي يترتّب على مخالفته استحقاق العقوبة ، فغاية مفاد الرواية مجرّد عدم جواز المضاربة وترتّب استحقاق العقوبة عليها ، من دون تعرّض فيها للحكم الوضعي الراجع إلى بطلانها ، بل ربما يكون النهي دليلاً على الصحّة ، لاعتبار القدرة في متعلّقه كما قرّر في محلّه، وإن كان المراد به ماهو مساوق للحكم الوضعي أعني البطلان ، فالرواية تدلّ على البطلان مع عدم إذن المستأجر . نعم ، ربما يقال : بأنّه على فرض الدلالة على مجرّد الحكم التكليفي يمكن استفادة البطلان من الرواية بضميمة الرواية النبويّة المعروفة : إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه(1) .
- (1) عوالي اللئالي : 2 / 110 ح301 ، مستدرك الوسائل : 13 / 73 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب6 ح8 .
(الصفحة 438)
ولكنّ فساد هذا القول في غاية الوضوح ; لأنّ مورد النبوي ما إذا كان التحريم متعلّقاً بنفس الشيء الذي يقع مورداً للمعاملة لا بالمعاملة نفسها ، كما في المقام على ماهو المفروض .
ثمّ إنّه على تقدير دلالة الرواية على الحكم الوضعي أي البطلان ـ كما هو الظاهر ـ لا خفاء في أنّه ليس المراد به هو اعتبار الإذن السابق من المستأجر ، بحيث كان مرجع الرواية إلى أنّ عدم الإذن السابق يبطل المضاربة مطلقاً ، سواء لحقته الإجازة أم لا ، بل المراد به ظاهراً هو كون المضاربة مع الغير تصرّفاً فيما هو ملك للمستأجر الأوّل ; وهو مشروط برضاه ، سواء كان مقارناً ، أم لاحقاً مكشوفاً عنه بالإجازة ، وعليه فلا تكون الرواية مصادمة لأدلّة صحّة الفضولي في العقود إلاّ ما خرج . والظاهر أنّ المراد من الرواية هو الحكم الوضعي ، وعليه فلا تكون مخالفة للقواعد بوجه .
وينبغي التنبيه على أمرين :
الأوّل : لا ينبغي الإشكال في أنّه يجوز للأجير الخاصّ الذي استؤجر ببعض منافعه الخاصّة ـ كالخياطة مثلاً ـ الإتيان في مدّة الإجارة بما لا ينافي العمل المستأجر عليه، كالتعليم والتعلّم وإجراءعقد أوإيقاعوأشباهها في ضمن الخياطة التي استؤجر عليها في مدّة معيّنة ، فما حكي عن المسالك من احتمال المنع(1) ، وعن الروضة من أنّ فيه وجهين : من التصرّف في حقّ الغير ، ومن شهادة الحال(2) فهو في غير محلّه ، إن كان كلامه جارياً في هذا القسم من الأجير الخاصّ أيضاً ، كما هو ظاهر .
- (1) مسالك الأفهام : 5 / 189 ـ 190 .(2) الروضة البهية : 4 / 344 .
(الصفحة 439)
كما أنّه يجوز لهذا القسم من الأجير الخاصّ العمل في غير مدّة الإجارة ، كما لو فرض خروج الليل عنها ، فيجوز للبنّاء العمل في الليل لغير المستأجر من نفسه أو غيره ، ولكن قد قيّدوا ذلك في كلامهم(1) بما إذا لم يؤدّ إلى ضعف في النهار ، ومفهومه أنّه مع أدائه إلى الضعف فيه لا يجوز له ذلك ، مع أنّه إن كان المراد بعدم الجواز هو الحكم الوضعي الراجع إلى البطلان فيما لو وقع عليه عقد معاوضة من إجارة أو جعالة ـ كما لو آجر نفسه من آخر في الليل ـ فلا وجه للحكم به بعد خروج الليل عن مدّة الإجارة الاُولى كما هو المفروض ، فيستحق الاُجرة أو الجعل ، ومجرّد اقتضاء العمل في الليل للضعف في النهار والفتور في العمل المستأجر عليه فيه لا يقتضي بطلان المعاوضة التي ظرفها الليل .
وإن كان المراد بعدم الجواز هو الحكم التكليفي التحريمي ، فدعوى ثبوته مبنيّة على كون القدرة على العمل المستأجر عليه ، المأخوذة في الحكم بوجوب الوفاء بمقتضى عقد الإجارة مأخوذة قيداً للمادة ، بحيث يجب تحصيلها مع فقدها ويحرم التعجيز مع وجودها ، ضرورة أنّه لو كانت قيداً للهيئة وكان الوجوب مشروطاً بوجودها فلا يجب إبقاؤها ولا إحداثها مع فقدها ، والظاهر هو الأوّل ، والتحقيق في محلّه ، هذا كلّه في الأجير الخاصّ الذي استؤجر ببعض منافعه .
وأمّا من كانت جميع منافعه مملوكة للمستأجر ، فتارةً يقع الكلام فيه من حيث اندراج مثل إجراء العقد أو الإيقاع في تلك المنافع المملوكة ، واُخرى في أنّه مع الاندراج وثبوت الحرمة هل العقد او الإيقاع الواقع من الأجير صحيح أم لا ؟
أمّا الأوّل : فربما يقال بالاندراج ; لأنّ الأجير الخاصّ بهذا الوجه كالعبد
- (1) مسالك الأفهام : 5 / 189 ، رياض المسائل : 6 / 44 ، جواهر الكلام : 27 / 264 .
(الصفحة 440)
المملوك جميع منافعه لمولاه ، ولكن الظاهر جريان العادة على خروج مثل ذلك ، كأفعاله العاديّة الخارجة قطعاً ; كالتنفّس وشرب الماء ونحوهما ، وقياس ذلك على العبد ممنوع ; لأنّه على تقدير تسليم ثبوت الحكم في المقيس عليه نقول بالفرق بين العبد وبين الأجير الخاصّ ; لأنّ العبد مملوك للمولى عيناً ومنفعة ، وموصوف في الكتاب العزيز بأنّه
{لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْء}(1) . ومرجعه إلى أنّ قدرته مضمحلة في جنب قدرة المولى ، بل ليس له القدرة أصلاً حتّى تكون مضمحلة ، وهذا بخلاف الأجير الخاصّ ، فإنّ غاية الأمر فيه أنّه ملّك منافعه من الغير ، والظاهر بمقتضى قضاء العادة خروج هذا النحو من المنافع عن دائرة التمليك ، فتدبّر .
وأمّا الثاني : فالظاهر كما صرّح به المحقّق الرشتي (قدس سره)(2) أنّه لا وجه للحكم بالفساد ; لأنّ الحرمة الثابتة من ناحية التصرّف في مال الغير لا تقتضي فساد ذلك التصرّف إذا كان من العقود . نعم ، يمكن أن يقال بفساد المعاوضة الواقعة على إجراء العقد ، كما لو آجر نفسه لإجراء عقد البيع ، فإنّه حيث يكون الإجراء محرّماً لأجل كونه تصرّفاً في مال الغير يمكن أن يقال ببطلان المعاوضة الواقعة عليه ، فلا يستحقّ الاُجرة الواقعة بإزائه ; لأنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه(3) ، لكنّ هذا لا يقدح في صحّة العقد الذي أجراها للغير ; لعدم مانع عن صحّته وعدم اقتضاء الحرمة له ، كما عرفت .
الأمر الثاني : الأجير الخاصّ الذي يخالف التكليف بوجوب الوفاء بعقد الإجارة على أقسام ; لأنّه تارةً تتحقّق مخالفته بترك العمل رأساً ; بأن لا يعمل
- (1) سورة النحل 16 : 75 .(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 213 .(3) تقدّم في ص437.