(الصفحة 461)
ثانيها : تعيّن الرجوع إلى الغير المتبرّع له ; لأنّه المستوفي للمنفعة المملوكة للمستأجر ، والاستيفاء من أسباب الضمان .
ويرد عليه منع كون مجرّد الاستيفاء موجباً للضمان بل إذا كان مسبوقاً بالأمر، والتحقيق في محلّه .
ثالثها : التفصيل بين صورتي العلم والجهل وعدم جواز الرجوع إلى الغير مع جهله ; لأنّه لا يزيد على من عمل له العبد بدون إذن مولاه ومن دون إذنه واستدعائه ، وهذا هو الذي يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره)(1) .
رابعها : ما اختاره في العروة من عدم جواز الرجوع إلى الغير المتبرّع له بالعوض ، سواء كان جاهلاً أو عالماً بالحال . قال : لأنّ المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير ، وإن كان ذلك الغير آمراً له بالعمل ، إلاّ إذا فرض على وجه يتحقّق معه صدق الغرور ، وإلاّ فالمفروض أنّ المباشر للإتلاف هو المؤجر(2) .
واعترض عليه تارةً : بأنّه فيما إذا كان ذلك الغير آمراً له بالعمل لا يبعد الحكم بجواز رجوع المستأجر إليه ، لا لأنّه أتلف على المستأجر منافعه حتّى يجاب بأنّ المباشر هو الأجير ، بل لأنّه استوفى عمل الأجير الذي هو ملك المستأجر بدون تبرّع من مالكه ، فله أخذ العوض عنه ، وتبرّع الأجير به لا يفيد بعد كونه ملكاً لغيره .
واُخرى : بأنّ فرض صدق الغرور غير ظاهر ، وإن أُجيب عن هذا الاعتراض بأنّه يمكن فرضه فيما إذا ادّعى الغير الوكالة من قبل المستأجر والاستئذان عنه في
- (1) جواهر الكلام : 27 / 266 .(2) العروة الوثقى : 5 / 83 مسألة 4 .
(الصفحة 462)
استيفاء منفعة الأجير ، وكان الأجير معتقداً بصدقه ثمّ انكشف الخلاف بعد الاستيفاء .
وثالثة : بأنّ صدق الغرور على تقدير تسليمه إنّما يصحّح رجوع الأجير المغرور إلى الغارّ الذي هو الغير ، ولا يصحّح رجوع المستأجر إليه الذي هو المدّعى ، إلاّ أن تحمل العبارة على كون المراد فرض صدق الغرور من قبل الغير بالنسبة إلى المستأجر ، وهو مع كون فرضه غير ظاهر خلاف ظاهر العبارة جدّاً ، كما هو ظاهر .
والحقّ أن يقال : إنّه لا مجال للحكم بضمان الغير هنا إلاّ من ناحية الاستيفاء فقط ; لعدم وجود شيء من أسباب الضمان غيره ، والتحقيق في أنّ مجرّد الاستيفاء بنفسه يوجب الضمان أو يتوقّف على الأمر موكول إلى محلّه .
الصورة الرابعة : ما إذا عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة .
فإن كان أجيراً خاصّاً بالمعنى الأوّل ; وهو أن يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معينة بحيث كان الاختيار في تعيين العمل بيده ، فالمذكور هنا وفي العروة أنّ المستأجر حينئذ يتخيّر بين الاُمور الثلاثة : إجازة ما صدر من الأجير من الإجارة أو الجعالة ; لأنّه المالك للعمل الواقع مورداً لهما ، فالإجازة حقّ ثابت له ، وعليه فتكون الاُجرة المسمّـاة في تلك الإجارة أو الجعالة له ، وفسخ عقد نفسه والرجوع إلى الاُجرة المسمّـاة فيه ، وإبقاؤه ومطالبة عوض المقدار الذي فات(1) .
وذكر سيّدنا العلاّمة الأستاذ (قدس سره) في الحاشية أنّه مخيّر بينها وبين رابع ; وهو إبقاء إجارة نفسه وردّ الإجارة الثانية والرجوع إلى مستأجرها باُجرة العمل ; لأنّه
- (1) العروة الوثقى : 5 / 84 مسألة 4 .
(الصفحة 463)
استوفى عمل الأجير الذي هو ملك المستأجر بدون تبرّع من مالكه(1) .
وإن كان أجيراً خاصّاً بالمعنى الثاني ; وهو كون منفعته الخاصّة للمستأجر في مدّة معيّنة فالمذكور في العروة أنّه فيما إذا لم يكن العمل للغير من نوع العمل المستأجر عليه; كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخياطة فآجر نفسه للغير للكتابة مثلاً ليس للمستأجر إجازة ذلك ; لأنّ المفروض أنّه مالك لمنفعة خاصّة ، فليس له إجازة العقد الواقع على منفعة اُخرى ، فيكون مخيّراً بين الأمرين الآخرين من تلك الاُمور الثلاثة(2) .
وإن كان أجيراً خاصّاً على الوجه الثالث ; بأن استأجره لعمل مباشرة في مدّة معيّنة لا تتّسع لغيره، فالمذكور في العروة أنّ حكمه حكم الوجه الثاني ، مع الفرق في أنّه لا يتفاوت هنا في عدم صحّة الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه أو على غيره ، إذ ليست منفعة الخياطة مثلاً مملوكة للمستأجر حتّى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها ، بل يملك عمل الخياطة في ذمة المؤجر .
هذا ما أُفيد في هذه الصورة ، ويظهر ماهو المختار ممّا قدّمناه من مباحث الأجير الخاصّ وأحكام الصور المتقدّمة ولا نطيل بالإعادة ، فتدبّر .
- (1) العروة الوثقى : 5 / 84 ، التعليقة 2 وص83 ، التعليقة 1 .(2، 3) العروة الوثقى : 5 / 84 ـ 85 ، مسألة 4.
(الصفحة 464)مسألة : لو آجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معيّن لامانع من أن يعمل لنفسه أو غيره في ذلك الوقت ما لا ينافيه ، كما إذا آجر نفسه يوماً للخياطة أو الكتابة ثمّ آجر نفسه في ذلك اليوم للصوم عن الغير إذا لم يؤدِّ إلى ضعفه في العمل،وليس له أن يعمل في ذلك الوقت من نوع ذلك العمل ومن غيره ممّا ينافيه لنفسه ولا لغيره ، فلو فعل فإن كان من نوع ذلك العمل ـ كما إذا آجر نفسه للخياطة في يوم فاشتغل فيه بالخياطة لنفسه أو لغيره تبرّعاً أو بالإجارة ـ كان حكمه حكم الصورة السابقة; من تخيير المستأجر بين أمرين لو عمل لنفسه أو لغيره تبرّعاً، وبين اُمور ثلاثة لو عمل بالجعالة أو الإجارة، وإن كان من غير نوع ذلك العمل ـ كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة ـ فللمستأجر التخيير بين أمرين مطلقاً ; من فسخ الإجارة واسترجاع الاُجرة، ومن مطالبة عوض المنفعة الفائتة1 .
1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة في المسألة المتقدّمة تفصيلاً ، فراجع .
(الصفحة 465)
[الأجير العامّ]
مسألة : لو آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو في وقت معيّن، أو من غير تعيين الوقت ولو مع اعتبار المباشرة، جاز له أن يؤجر نفسه للغير على نوع ذلك العمل أو مايضادّه قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه1 .
1 ـ
أقول : هذا هو الأجير العامّ أو المشترك أو المطلق ، والكلام فيه تارةً في بيان المراد منه، واُخرى في حكمه :
أمّا الأوّل : فقد عرفت في تعريف الأجير الخاصّ(1) أنّه ليس لنا طريق لاستكشاف المراد من هذين العنوانين إلاّ الأحكام المترتّبة عليهما ; لأنّه كلمة مركّبة ولا سبيل إلى الرجوع إلى اللغة لاستفادة المراد منه ، بل مورد الاستعمال هو الفقه ، ويظهر من الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ أنّه كان هذان العنوانان مورداً لاستعمالهم من سالف الزمان ; يعني زمن السيّد(2) والشيخ (قدس سرهما)(3) لتصدّيهم لبيان المراد منه من ذلك الزمان ، بل وقع في بعض الروايات تفسيره كما في رواية عمرو ابن خالد، عن زيد بن علي ، عن آبائه (عليهم السلام) أنّه اُتي بحمّال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها فضمّنها إيّاه ، وكان يقول : كلّ عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن ، فسألته ما المشترك ؟ فقال : الذي يعمل لي ولك ولذا(4) .
وقد وقع التعبير به من دون تفسيره في رواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الأجير المشارك هو ضامن إلاّ من سبع
- (1) في ص427 ـ 428.(2) الانتصار : 466 .(3) المبسوط : 3 / 242 .(4) التهذيب : 7 / 222 ح976 ، وسائل الشيعة : 19 / 152 ، كتاب الإجارة ب30 ح13 .