(الصفحة 502)
وأمّا القواعد والاُصول فالظاهر أنّه لا دلالة لشيء منها على أنّ عروض النكاح يقتضي بطلان الإجارة ، خصوصاً إذا كانت الإجارة مطلقة ، فإنّه بعدما كان الأجير مالكاً للمنافع ملكيّة مرسلة دائمية ، وفي حال وقوع الإجارة لم يكن للزوج سلطنة عليها لعدم تحقّق الزوجية بعد ، فلا وجه لدعوى اقتضاء مجرّد صحّة النكاح اللاحق لبطلان السابق ، بل تصير حال الزوجة حال الدار المستأجرة المسلوبة المنفعة المنتقلة إلى المشتري كذلك .
نعم ، في مقام اجتماع الحقين وعدم إمكان رعايتهما معاً ـ بأن طالبها الزوج والمستأجر بالاستمتاع والإرضاع ، ولم يمكن الجمع بينهما إن قلنا بأنّ السبق الزماني للإجارة يوجب ترجيحها ، كما هو المنسوب إلى ظاهر الأصحاب(1) ـ يجب عليها تقديم حقّ المستأجر . وإن قلنا : بأنّ مجرّد السبق كذلك لا أثر له في مقام الترجيح كما هو الظاهر تصل النوبة إلى التخيير ، بناءً على كون المقام من باب تزاحم الحكمين ، وإلى قاعدة العدل والإنصاف المقتضية للتقسيط ، بناءً على عدم كون مثل المقام من ذلك الباب كما نفينا البُعد عنه، فتدبّر .
- (1) تذكرة الفقهاء : 2 / 299 ، مسالك الأفهام : 5 / 208 ، مفتاح الكرامة : 7 / 152 ، جواهر الكلام : 27/297 .
(الصفحة 503)
[العمل تبرّعاً عن العامل أو المالك]
مسألة : لو استؤجر لعمل من بناء وخياطة ثوب معيّن أو غير ذلك لا بقيد المباشرة فعمله شخص آخر تبرّعاً عنه كان ذلك بمنزلة عمله فاستحقّ الاُجرة المسمّـاة ، وإن عمله تبرّعاً عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئاً ، بل تبطل الإجارة لفوات محلّها ، ولا يستحقّ العامل على المالك اُجرة 1 .
1 ـ أمّا استحقاق الاُجرة المسمّـاة فيما لو عمله المتبرّع بقصد التبرّع عن الأجير فلوضوح أنّ العمل المستأجر عليه لم يكن مقيّداً بقيد المباشرة على ماهو المفروض ، كما أنّه لا إشكال في جواز التبرّع في مثل ذلك ممّا كان في الذمّة عيناً كان أو عملاً مملوكاً لغيره عليه ، ويساعده بناء العقلاء عليه ، فقد تحقّق العمل المستأجر عليه من الأجير بلحاظ التبرّع الذي هو نوع من النيابة ، فيستحق الاُجرة المسمّـاة بلا إشكال .
وأمّا عدم استحقاق المستأجر شيئاً من الاُجرة المسمّـاة وغيرها في الفرض الثاني ، الذي صدر العمل من المتبرّع بقصد التبرع عن المالك فلبطلان الإجارة بفوات محلّها ، نظير الإجارة على قلع السنّ إذا زال ألمه قبل القلع ، وخياطة الثوب إذا سرق أو حرق قبلها ، ومجرّد تحقّق العمل في الخارج لا يوجب الاستحقاق ; لعدم انطباق ما في الذمّة عليه إلاّ بالقصد ، ولذا ذكروا في باب الدين أنّ المديون إذا أعطى الدائن ما يساوي الدين لا يكون وفاءً إلاّ مع قصد الوفاء ، كما أنّ عدم استحقاق العامل على المالك اُجرة إنّما هو لفرض التبرّع الذي مرجعه إلى النيابة مجّاناً وبلا قصد العوض ، فلا وجه لاستحقاقه أصلاً .
(الصفحة 504)
(الصفحة 505)
[أخذ الاُجرة على الواجب]
مسألة : لا يجوز للإنسان أن يؤجر نفسه للإتيان بما وجب عليه عيناً كالصلوات اليومية ، ولا ما وجب عليه كفائيّاً على الأحوط إذا كان وجوبه كذلك بعنوانه الخاصّ ، كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم . وأمّا ما وجب من جهة حفظ النظام وحاجة الأنام ، كالصناعات المحتاج إليها والطبابة ونحوها فلا بأس بالإجارة وأخذ الاُجرة عليها ، كما أنّ إجارة النفس للنيابة عن الغير حيّاً وميّتاً فيما وجب عليه وشرّعت فيه النيابة لا بأس به1 .
1 ـ قد وقع الكلام في جواز أخذ الاُجرة على الواجب تعبّدياً كان أو توصّلياً ، عينياً أو كفائياً ، تخييريّاً كان أو تعيينيّاً ، ونسب إلى المشهور القول بالعدم(1) ، بل قد ادّعي الإجماع عليه كما في محكي مجمع البرهان(2) وجامع المقاصد(3) ، ولعلّه يجيء التكلّم على هذه الجهة .
وكيف كان ، فهل يجوز أخذ الاُجرة على الواجب مطلقاً ، أو لايجوز كذلك ، أو يفصّل بين التعبّدي والتوصّلي ، أو بين العيني والكفائي ، أو فيه بين القسمين الأوّلين ، أو فيه بين ما إذا كان وجوبه بعنوانه الخاصّ ، وما إذا كان وجوبه من جهة حفظ النظام كما في المتن ؟ وجوه واحتمالات .
وليعلم أنّ موضوع المسألة ما إذا كان عقد الإجارة الواقعة على الواجب صحيحاً وواجداً لجميع الاُمور المعتبرة فيه عدا كون متعلّقه واجباً على الأجير
- (1) مسالك الأفهام : 3 / 130 ، الحدائق الناضرة : 18 / 211 ، مفاتيح الشرائع : 3 / 11 ، مفتاح الكرامة : 4/92 ، جواهر الكلام : 22 / 116 ، كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 2 / 125 .(2) مجمع الفائدة والبرهان : 8 / 89 .(3) راجع جامع المقاصد : 4 / 35 ـ 37 .
(الصفحة 506)
ولازماً عليه إتيانه شرعاً ، فإنّه لذلك وقع الكلام في أنّ وجوبه على الأجير هل يوجب بمجرّده إختلال بعض الاُمور المعتبرة في الإجارة من حيث المتعلّق أو لا ؟ وأمّا لو فرض بطلانها بسبب أمر آخر كما إذا لم يكن للمستأجر غرض عقلائي ونفع دنيويّ ، أو أُخرويّ أو غيرهما فهو خارج عن مفروض البحث ، فاستئجار الشخص لفعل صلاة الظهر عن نفسه باطل ; من حيث إنّه لا يكون في ذلك غرض عقلائيّ للمستأجر لا لكون الفعل واجباً على الأجير .
نعم ، لو فرض ثبوت غرض عقلائيّ في مثله كما أنّه أراد اعتياد ولده بالصلاة بحصول التمرين عليها ولو من ناحية دفع الاُجرة إليه واستئجاره عليها فهو يدخل في محلّ النزاع .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام تارة يقع في ثبوت المنافاة بين الوجوب بما هو وجوب وبين أخذ الاُجرة وعدمه . واُخرى في ثبوت المنافاة بين الوجوب التعبّدي بما هو تعبدي لأخذ الاُجرة وعدمه ، وعلى هذا التقدير لا فرق بين الواجب والمستحبّ . وثالثة في منافاة الوجوب التعبّدي النيابي لأخذ الاُجرة وعدمه ، وعلى هذا التقدير أيضاً لا يكون فرق بينهما ، فالكلام يقع في مقامات :
المقام الأوّل : في منافاة الوجوب بما هو وجوب لأخذ الاُجرة وعدمها ، وقد استدلّ لها بوجوه :
منها : أنّه يعتبر في صحّة الإجارة أن يكون متعلّقها مملوكاً للأجير حتّى يصحّ نقله إلى المستأجر ، سواء كان اعتبار المملوكية ثابتاً له قبل العقد ، كمنافع الدار المملوكة لصاحبها قبل الإجارة وعمل العبد المملوك لمولاه كذلك ، أو كان اعتبار المملوكية بعد العقد كعمل الحرّ ، فإنّه وإن لم يعتبر مملوكاً لعامله قبل العقد إلاّ أنّه بالعقد يعتبر مملوكاً للمستأجر ، وتعلّق الوجوب به يوجب أن لا يكون مملوكاً