(الصفحة 628)
الضمان بمقتضى القاعدة والنصوص، فالتفضّل والتطوّل لا ينافي الضمان .
ثمّ إنّ مقتضى قاعدة الجمع بين الروايات المتعارضة في مثل المقام وإن كان هو التصرّف في المطلقات منها، والحمل على الرواية المفصّلة التي يكون مقتضاها في المقام ثبوت الضمان مع التهمة وعدم كونه مأموناً، وعدمه مع كونه كذلك. وعليه فيصير مفاد الروايات مخالفاً للقاعدة المقتضية لعدم الضمان، نظراً إلى ثبوت الأمانة، حيث إنّ مفادها التفصيل ومقتضى القاعدة الإطلاق، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الروايات الدالّة على الضمان خارجة عن محلّ البحث; لأنّ موردها صورة الشكّ في تحقّق التلف في يد الصائغ والقصّار ومثلهما، والدليل عليه ـ مضافاً إلى التعليل بكون تضمين أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّما هو لأجل الاحتياط على الناس وعلى أمتعتهم ـ ذيل رواية السكوني الدالّ على أنّه لم يكن يضمّن من الغرق والحرق والشيء الغالب، فإنّ مقتضاه أنّه مع العلم بثبوت التلف واستناده إلى أمر آخر دون مثل الصائغ لم يكن هناك تضمين أصلاً، فالتضمين الثابت في الصدر إنّما هو في مورد الشكّ في تحقّق التلف، أو الشكّ في الاستناد إلى العامل واحتمال كونه هو المتلف .
ومن هذا يظهر أنّ مورد الرواية المفصّلة أيضاً إنّما هو خصوص صورة الشكّ، ويؤيّده بل يدلّ عليه أنّ نفس هذا التفصيل لا يلائم إلاّ مع هذه الصورة، فإنّ الاتّهام وعدمه لا يرتبط إلاّ بما إذا كان هنا شكّ، وإلاّ فمع العلم بثبوت التلف وعدم الاستناد إلى العامل لايكون فرق بين المتّهم وغيره والتعبير في رواية الصفّار بضياع الثوب لا دلالة فيه على كون الضياع الذي هو أمر غير اختياريّ أمراً مسلّماً حتّى ينافي ما ذكرنا، فتدبّر .
فالإنصاف أنّ الروايات الدالّة على عدم الضمان محكّمة في المقام، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة أيضاً ذلك. نعم، يبقى على غيرها من الروايات المفصّلة أو الدالّة
(الصفحة 629)مسألة : الطبيب ضامن إذا باشر بنفسه العلاج ، بل لا يبعد الضمان في التطبيب على النحو المتعارف وان لم يباشر. نعم، إذا وصف الدواء الفلاني وقال : إنّه نافع للمرض الفلاني ، أو قال :إنّ دواءك كذا من دون أن يأمره بشربه فالأقوى عدم الضمان1.
على الضمان المخالفة للقاعدة من جهة اُخرى، وهي سماع دعوى الأمين في تحقّق التلف وعدم الحاجة إلى إقامة البيّنة ونحوها، مع أنّ مقتضاها عدم السماع مطلقاً أو مع الاتّهام، ولكن هذا أمر آخر غير مانحن بصدده من ثبوت الضمان وعدمه عند التلف الواقعي، فتدبّر جيّداً .
1 ـ
أقول : قد مرّ في المسألة المتقدّمة أنّه ربما ينفى الضمان في الطبيب الحاذق المباشر، نظراً إلى أنّه مكلّف بحفظ النفس المحترمة بعلاج المريض، ومثله يستحيل أن يستلزم الضمان، فإنّ التلف لا يكون إلاّ بخطأ منه، فالموضوع وهو علاج المريض منتف فيه ، أو إلى أنّه مكلّف باستعمال ما يراه علاجاً لا بما هو علاج واقعاً، وفي مثله لاضمان معه .
وقد عرفت أيضاً استظهار أنّ الإذن في عمل يلازم التلف عادةً لا يكون إذناً في الإتلاف حتّى لايكون هناك ضمان، بل الإتلاف المأذون فيه هو الذي يكون نفس الإتلاف بعنوانه متعلّقاً للإذن ومأذوناً فيه، فالقاعدة تقتضي الضمان، ومنه يظهر الجواب عن الحلّي القائل بعدم الضمان استناداً إلى ثبوت الإذن(1)، فإنّ الإذن في العلاج لايلازم الإذن في الإفساد والإتلاف .
هذا، ويؤيّد القاعدة رواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال
- (1) اُنظر السرائر: 3 / 373.
(الصفحة 630)مسألة : لو عثر الحمّال فانكسر ما كان على ظهره أو رأسه مثلاً ضمن، بخلاف الدابّة المستأجرة للحمل إذا عثرت فتلف أو تعيب ما حملته، فإنّه لاضمان على صاحبها إلاّ إذا كان هو السبب; من جهة ضربها أو سوقها في مزلق ونحو ذلك1 .
أمير المؤمنين (عليه السلام) : من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلاّ فهو له ضامن(1).
ويدلّ على ذلك أيضاً الروايات الواردة في المسألة المتقدّمة(2) الدالّة على أنّ إفساد الأجير الذي أُعطي أجراً على أن يصلح موجب لضمانه، فإنّ مناطه هو الإفساد بدل الإصلاح لا ثبوت الاُجرة .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ الملاك في الضمان هو استناد الإفساد والإتلاف إلى الطبيب وإن لم يتحقّق منه المباشرة، كما في التطبيب على النحو المتعارف، فإنّ الإسناد إلى الطبيب فيه أمر عرفيّ. نعم، لايتحقّق الاستناد في توصيف الدواء ومثله، فالأقوى فيه كما في المتن من عدم الضمان .
1 ـ أمّا الضمان في الفرض الأوّل فمستنده كما في الجواهر هي قاعدة الإتلاف، التي قد عرفت(3) أنّ جريانها لا ينحصر بما إذا كان هناك عمد وقصد، بل الملاك فيها صدق الاستناد وهو متحقّق في الفرض، مضافاً إلى صحيحة داود ابن سرحان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب
- (1) الكافي: 7 / 364 ح1، وسائل الشيعة: 29 / 260، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب24 ح1.(2) في ص622 ـ 623.(3) تقدّم في ص298 و 621.
(الصفحة 631)
إنساناً فمات أو انكسر منه شيء فهو ضامن(1). وربما يتأمّل في شمولها للفرض، فتأمّل.
ولكنّ الظاهر أنّ القاعدة بنفسها كافية في الحكم بالضمان في المقام، فلا وجه لما حكي عن كشف اللثام من عدم الضمان إلاّ مع التفريط، أو كونها عارية مضمونة(2) لجريان القاعدة مع انتفاء الأمرين أيضاً، كما عرفت .
ثمّ إنّه ذكر في «المستمسك»: أنّه إذا كانت سلسلة أسباب بعضها اختياري وبعضها غير اختياري نسب الفعل إلى الفاعل المختار، كما لو عمد إلى نائم فنخسه فانقلب على إناء ثالث فكسره نسب الكسر إلى الناخس . أمّا لو كانت كلّها غير اختيارية نسب الفعل إلى المباشر، كما لو انقلب النائم على نائم آخر فانقلب الثاني على إناء فكسره نسب الفعل إلى الثاني. ولو كانت كلّها اختيارية، كما لو ضرب زيد عمراً فغضب عمرو وكسر إناء بكر نسب الكسر إلى عمرو، ومن ذلك تعرف أنّ الاختيار ليس شرطاً في صحّة النسبة إلاّ إذا كان موجوداً في سلسلة العلل، فإنّه يستند الفعل إلى السبب الاختياري لا غير(3) .
ومنه يعرف الوجه في عدم الضمان في الفرض الثاني إلاّ إذا كان صاحب الدابّة هو السبب، فإنّه مع عدم التسبّب لا وجه لضمان صاحبها; لعدم استناد التلف إليه بوجه; لأنّ السبب هو العثور وهو لايكون مستنداً إليه. نعم، إذا كان منشؤه الضرب أو السوق في المزلق أو نحوها يتحقّق الاستناد ويتبعه الضمان، كما هو ظاهر .
- (1) التهذيب: 7 / 222 ح973، وسائل الشيعة: 19/152، كتاب الإجارة ب30 ح11.(2) كشف اللثام: 2 / 483.(3) مستمسك العروة الوثقى: 12 / 81 ـ 82.
(الصفحة 632)مسألة :لو استأجر دابّة للحمل لم يجز أن يحمّلهاأزيد ممّا اشترط، أو المقدار المتعارف لو أطلق ، فلو حمّلها أزيد منه ضمن تلفها وعوارها. وكذلك إذا سار بها أزيد ممّا اشترط1 .
1 ـ الوجه في الضمان في حمل الأزيد أو السير بها كذلك واضح، والنصّ والفتوى متطابقان عليه. نعم، وقع الخلاف في مقداره وأنّه هل هو التمام أو النصف؟ فالمشهور(1) هو الأوّل، وعن الإرشاد الثاني(2); لأنّ الحمل بعضه مأذون فيه وبعضه غير مأذون فيه، واُجيب عنه بأنّ الموجب للضمان هو العدوان الحاصل بحمل ما لم يأذن به المالك .
كما أنّه وقع الخلاف في مقدار الاُجرة الثابت عليه مع عدم التلف، وأنّه هل هو اُجرة مثل المجموع كما حكي عن الأردبيلي(3)، أو اُجرة مثل الزائد مع المسمّى كما عن المشهور(4)، أو ثبوت المسمّى مع اُجرة الزيادة بحساب المسمّى كما عن المقنعة(5)، أو أنّ في المسألة تفصيلاً؟ وهو أنّه لو كان ذلك على وجه التقييد فالثابت هي اُجرة المثل; لأنّ العقد لم يقع على هذا المقدار من الحمل، ولو لم يكن على وجه التقييد ثبت عليه المسمّـاة واُجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة، واختاره صاحب العروة(6)، وهنا احتمال خامس وهو وجوب المسمّى واُجرة المثل للمجموع، أمّا الاُولى فبالإجارة لعدم الموجب لفسادها، وأمّا الثانية فلاستيفاء المنفعة غير
- (1) رياض المسائل: 6 / 41، بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 241، مستمسك العروة الوثقى: 12/84.(2) إرشاد الأذهان: 1 / 423.(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 22 ـ 23.(4) رياض المسائل: 6 / 41، بحوث في الفقه، كتاب الإجارة: 235 ـ 236، مستمسك العروة الوثقى: 12/85.(5) المقنعة: 642.(6) العروة الوثقى: 5 / 71 مسألة 12.