(الصفحة 98)
الخياطة مثلاً ، فإنّ رجوعه إلى اشتراط الخصوصية في العقد أقرب(1) .
ثالثها : ما احتمله المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) من أنّ الفرع الثالث كمسألة البيع بثمنين حالاًّ ومؤجّلاً ، المعروف فيها الفساد فكذا هنا ; لأنّه من الإجارة باُجرتين حالاًّ ومؤجّلاً ، وهو وجه التردّد غير الجاري في مسألة الخياطة . ووجه استظهار الجواز أنّ إخراج البيع بثمنين عن الترديد والجهالة لا يكون إلاّ بالبيع بالأقلّ ، وشرط الزيادة في قبال الأجل ، وهو من الربا عندهم دون ما نحن فيه ، فإنّ إخراجه عن الجهالة والترديد بالإجارة بدرهم موسّعاً ، وشرط الزيادة في قبال التعجيل بإتيانه في اليوم ، وهو مغاير لتلك المسألة التي لا تصلح إلاّ بفرض الربا(2) ، انتهى . والظاهر عدم خلوّ شيء من هذه الوجوه عن المناقشة سيّما الأوّلين .
وأمّا وجه الفرق عند أبي حنيفة ، فذكر في مفتاح الكرامة أنّه يتمّ على أصله ; لأنّه يقول في مسألة الخياطة بأنّه عقد عقدين وخيّره فيهما ، والمعقود عليه في الإجارة لا يملك عنده بالعقد ، وإنّما يملك بتمام العمل ، وإذا عمله تعيّن فلا يؤدّي أنّه ملكه غير معيّن ، كما لو قال : «بعتك أحد هذين العبدين» ولا كذلك هنا ; لأنّ موجب العقد الأوّل فساد الثاني ووجوب اُجرة المثل ، كما تقدّم(3) .
[انتهى الكلام من كتاب الإجارة الثاني].
***
- (1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 110 .(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 82 .(3) مفتاح الكرامة : 7 / 108 .
(الصفحة 99)
[لو استأجر دابّةً إلى مكان معيّن في وقت معيّن فتخلّف]
مسألة : لو استأجر دابّة من شخص لتحمله أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن ، كأن استأجر دابّة لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ولم توصله ، فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت أو عدم إمكان الإيصال من جهة أُخرى فالإجارة باطلة ، ولو كان الزمان واسعاً ولم توصله لم يستحقّ من الاُجرة شيئاً ، سواء كان بتقصير منه أم لا ، كما لو ضلّ الطريق. ولو استأجرها على أن توصله إلى مكان معيّن لكن شرط عليه أن توصله في وقت كذا ، فتعذّر أو تخلّف، فالإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة ، لكن للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط ، فإن فسخ ترجع الاُجرة المسمّـاة إلى المستأجر، ويستحقّ المؤجر أُجرة المثل1 .
1 ـ في هذه المسألة فرعان :
الأوّل : ما لو استأجر الدابّة من شخص لتحمله ، أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن بنحو يكون الزمان مأخوذاً بنحو القيدية ، الراجعة إلى وحدة المطلوب كالمكان المأخوذ ، كأن استأجر دابة لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ولم يتحقّق الإيصال خارجاً ، فتارة يكون ذلك لعدم سعة الوقت أو عدم إمكان الإيصال من جهة اُخرى ، واُخرى يكون ذلك بتقصير منه أو ضلّ الطريق ، ففي الأوّل تكون الإجارة باطلة ; لعدم كون العمل المستأجر عليه مقدوراً للأجير ، ومن شرائط الصحّة ثبوت القدرة ، وفي الثاني تكون الإجارة صحيحة ، ولكنّه حيث لم يتحقّق العمل في الخارج لايستحقّ من الاُجرة شيئاً ; لأنّ المفروض كون الإيصال في الوقت المعيّن مأخوذاً بنحو وحدة المطلوب ، فلا يكون هناك استحقاق حتّى بالإضافة إلى المقدار الذي ركبها ، أو حملت متاعه ، ولو كان هو الجميع .
الثاني : ما لو كان الاستئجار المذكور بنحو يكون الزمان مأخوذاً بنحو الشرطية
(الصفحة 100)
الراجعة إلى تعدّد المطلوب فتعذّر الشرط أو تخلّف، تكون الإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة . نعم ، يمكن أن يقال ببطلان الشرط في صورة التعذّر المقرون بالعقد ; لأنّ من شرائط صحّة الشرط القدرة على تسليمه والعمل به ، وحينئذ إن قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد مطلقاً ، ولو كان فساده لأجل جهة في نفسه غير مسرية إلى العقد كما في المقام ، تكون الإجارة باطلة أيضاً . وكيف كان ، فعلى تقدير صحّة الإجارة والشرط يثبت للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط ، فإن فسخ ترجع الأُجرة المسمّـاة إلى المستأجر ، ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل ، كما في جميع موارد بطلان الإجارة ، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى .
***
[قال المؤلّف دام ظلّه في كتاب الإجارة الثاني]:
قال المحقّق (رحمه الله) : ولو استأجره ليحمل له متاعاً إلى موضع معيّن باُجرة في وقت معيّن، فإن قصّر عنه نقص من اُجرته شيئاً ، جاز . ولو شرط سقوط الاُجرة إن لم يوصله فيه ، لم يجز، وكان له اُجرة المثل(1) انتهى .
أقول : الظاهر أنّ مراده (قدس سره) من أخذ الزمان المعيّن إنّما هو الأخذ على طريق الاشتراط الذي مرجعه إلى تعدّد المطلوب لا الأخذ على سبيل التقييد ، الذي مرجعه إلى وحدة المطلوب ، وعليه فاشتراط النقص أو السقوط متفرّع على اشتراط الزمان المعيّن ، كما أنّ الظاهر انّ مراده من النقص بقرينة التعبير بالسقوط في الصورة الثانية هو السقوط أيضاً ; لظهور العبارة في كون الفرق بين الصورتين إنّما هو بالنسبة إلى تمام الاُجرة وبعضها لا في الجهات الاُخر ، وعليه فالشرط الثاني المتفرّع على
- (1) شرائع الإسلام : 2 / 181 .
(الصفحة 101)
الشرط الأوّل إنّما هو من قبيل شرط النتيجة لا شرط الفعل .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ المفروض في كلام المحقّق في الصورتين إنّما هو ما إذا كانت الإجارة واحدة . غاية الأمر اشتمالها على شرطين ، وكون الشرط الثاني متفرّعاً على الشرط الأوّل وتابعاً له .
وقد انقدح من بيان الخصوصيات المفروضة في كلامه (قدس سره) أنّه يمكن هنا تصوير صور اُخرى كثيرة فاقدة لشيء من تلك الخصوصيات ، أو لأكثرها ، أو لجميعها ، مثل ما إذا كان الزمان المعيّن مأخوذاً على نحو التقييد ، أو كون المشروط بالشرط الثاني الإسقاط الذي هو فعل ، أو عدم الثبوت من رأس دون السقوط الذي هو فرع الثبوت ، أو كون الإجارة متعدّدة بنحو الترتيب أوالتخيير أوغيرها من الفروض المتصوّرة الاُخرى.
وكيف كان ، فلابدّ فعلاً من البحث في الفرعين اللّذين تعرّض لهما المحقّق وسائر الأصحاب ، تبعاً للرواية الواردة في هذا المقام، التي سيأتي التعرّض لها ، فنقول :
أمّا الفرع الأوّل : فالمشهور(1) فيه على الصحّة والجواز ، بل المحكي عن إيضاح النافع أنّه الذي عليه الفتوى(2) ، وخالفهم في ذلك ابن إدريس(3)والعلاّمة في المختلف(4) وولده في شرح الإرشاد(5) والمحقّق والشهيد
- (1) النهاية : 448 ، المهذّب : 1 / 487 ، قواعد الأحكام : 2 / 284 ، التنقيح الرائع : 2 / 263ـ264 ، رياض المسائل : 6/24 ، وادّعى الشهرة في غاية المرام : 2 / 317 وجواهر الكلام : 27 / 229 .(2) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 108 .(3) السرائر : 2 / 469 .(4) مختلف الشيعة : 6 / 118 مسألة 16 .(5) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 7 / 110 .
(الصفحة 102)
الثانيان(1) ، فحكموا بالبطلان ، وإن اختلفوا من جهة كون الموضوع لهذا الحكم هل هو الشرط فقط ، كما حكي عن الأوّل ، أو هو مع العقد ، كما حكي عن الباقين ؟ ولابدّ لنا أوّلاً من التكلّم فيما تقتضيه القاعدة ثمّ البحث في الرواية .
فنقول : بعد بيان أنّ محطّ النظر في بيان مقتضى القاعدة ليس خصوص هذا الفرع الذي عنونه الأصحاب في كتبهم ، بل مطلق موارد اشتراط نقص الاُجرة ، ولو لم يكن لأجل التخلّف عن الزمان المعيّن ، بل لأجل اُمور اُخر ، وبعد بيان أنّ محلّ النزاع هي الصورة التي كانت صحّة الإجارة ـ مع قطع النظر عن هذا الشرط ـ مفروغاً عنها ، وعليه فبعض صور أخذ الزمان بنحو التقييد ووحدة المطلوب الذي تكون الإجارة فيه باطلة ، خارج عمّا هو محلّ الكلام هنا ، بل يمكن أن يقال بخروج جميع صور أخذ الزمان كذلك ، أي بنحو القيدية ; لأنّ اشتراط النقص على فرض التخلّف مرجعه إلى عدم كون الزمان مأخوذاً بنحو وحدة المطلوب ، وإلاّ فمع تعلّق الغرض بالعمل الخاصّ مكاناً وزماناً لا يبقى مجال لجعل اُجرة ولو ناقصة بإزاء العمل الواقع في غير ذلك الزمان ، فاشتراط النقص يساوق كون الزمان مأخوذاً بنحو الاشتراط لا التقييد .
نعم ، لا يختصّ محلّ النزاع بما إذا لم يكن للمشترط خيار في عقد الإجارة ، كما لايخفى .
وكيف كان ، فقد يقال في المقام : بأنّ مقتضى القاعدة هي البطلان وعدم الصحّة ، والذي قيل في وجهه أو يمكن أن يقال اُمور :
- (1) جامع المقاصد : 7 / 107 ، مسالك الأفهام : 5 / 181 ، الروضة البهية : 4 / 335 ـ 336 .