(الصفحة 108)
فكسرها ، وكان منصور أدرك أبا عبدالله (عليه السلام)(1) ، انتهى .
وقال في الخلاصة : الوجه عندي التوقّف فيما يرويه والردّ لقوله ; لوصف الشيخ (رحمه الله)(2) له بالوقف(3) ، ثمّ ذكر ما رواه الكشّي مع اشتباه في نقل الرواية .
وبالجملة : فقد وقع الخلاف والإشكال في هذا الرجل لما ذكر ، والظاهر أنّ مستند الشيخ (رحمه الله) في الرمي بالوقف هو ما رواه الكشّي ، وعليه فالتعارض في الحقيقة واقع بين قول النجاشي بأنّه ثقة ، وقول الحسن بن موسى بأنّه جحد النصّ على الرضا (عليه السلام) ; لأجل الأموال التي كانت في يده ، الدالّ على كونه واقفاً فاسقاً ; لأنّ هذا الذيل لا يكون جزءاً للرواية بل هو قول الحسن ، والظاهر أنّ قول الحسن لا يبلغ بمرتبة صالحة لأن يعارض قول النجاشي ، الذي ضبطه وسعة اطلاعه في هذا الفنّ غير قابل للإنكار ، خصوصاً مع كثرة رواية ابن أبي عمير عنه ، وكونه من مشايخ محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، ومع وصف العلاّمة في محكي التذكرة هذه الرواية بالصحّة(4) ، ومع وصف الصدوق له بكونه مصاحباً للصادق (عليه السلام)(5) .
نعم ، يقع الإشكال بعد ذلك في أنّ مجرّد ما ذكرنا هل يوجب حصول الاطمئنان بوثاقة الرجل أم لا ؟ والظاهر حصوله كما لا يخفى .
وأمّا من حيث الدلالة فالظاهر أنّ موردها ما إذا استأجر الإبل لحمل
- (1) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي» : 468 ـ 469 رقم 893 .(2) رجال الطوسي : 343 رقم 5119 .(3) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : 408 رقم 1650 .(4) تذكرة الفقهاء : 2 / 294 .(5) كمال الدين وتمام النعمة : 2 / 516 ح45 .
(الصفحة 109)
متاعه إلى الموضع المعيّن وشرط عليه الزمان المعيّن ، وذكر في ضمن هذا الاشتراط أنّه لو احتبس عن ذلك حطّ من الكراء لكلّ يوم كذا وكذا ، والظاهر من اشتراط الحطّ وإن كان هو شرط الفعل الذي هو عبارة عن التنقيص إلاّ أنّ الظاهر كون المراد به هو الحطّ الناشئ عن استحقاق ، ومرجعه إلى سقوط بعض الاُجرة بالتخلّف عن الزمان المعيّن ، وليس المراد به اشتراط عدم الثبوت من الأوّل الراجع إلى قصور المقتضي وعدم تأثير العقد في تمليك تمام الاُجرة كما لا يخفى ، وعليه فالرواية تدلّ على جواز هذا الشرط ما لم يكن محيطاً بجميع الكراء .
نعم ، هنا رواية اُخرى مروية في محكي الدعائم عن الصادق (عليه السلام) ، أنّه سُئل عن الرجل يكتري الدابّة أو السفينة على أن يوصله إلى مكان كذا يوم كذا ، فإن لم يوصله يوم ذلك كان الكراء دون ما عقده ، قال : الكراء على هذا فاسد ، وعلى المكتري أجر مثل حمله(1) .
وحكم في الجواهر(2) بعدم المنافاة بينها وبين الرواية السابقة ، نظراً إلى ظهور هذه في جهالة المسمّى على تقدير عدم الإيصال ، فيتّجه البطلان الموجب لاُجرة المثل . وقد أورد عليه بالمنع ; لأنّه ليس المراد بقوله : «دون ما عنده» أمراً مجهولاً ، بل المراد به هو النقص بالمقدار الذي يحكم به العرف والعقلاء ، وجهالة هذه لا توجب جهالة المسمّى الموجبة للبطلان ، والذي يسهّل الخطب عدم تماميّة سند الرواية ، فلا تصل النوبة إلى الدلالة .
- (1) دعائم الإسلام : 2 / 78 ح230 ، مستدرك الوسائل : 14 / 32 ، كتاب الإجارة ب7 ح1 .(2) جواهر الكلام : 27 / 232 .
(الصفحة 110)
ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور في رواية الحلبي بخصوص موردها ; وهو ما إذا استأجر الدابّة للحمل وشرط عليه كذا وكذا ، بل يعمّ سائر الموارد المشابهة ; وهو مثل ما إذا استأجر شخصاً للحمل ، أي حمل المتاع أو حمل نفسه ، ومثل ما إذا اشترط عليه الحطّ والتنقيص على تقدير أمر آخر غير التخلّف عن الزمان المشترط ، وغير ذلك من الموارد . هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل .
وأمّا الفرع الثاني : وهو اشتراط سقوط الاُجرة إن لم يوصله في الزمان المعيّن المشروط ، فيقع الكلام فيه تارةً في جواز هذا النحو من الاشتراط وعدمه ، واُخرى في أنّه على تقدير العدم وبطلان العقد لأجل هذا الشرط هل تثبت اُجرة المثل أم لا ؟ فنقول :
أمّا الكلام في الجواز وعدمه ، فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة هو الجواز فيما هو محلّ النزاع بحسب ظاهر الكلمات ; وهو ما إذا كان أخذ الزمان المعيّن بنحو الاشتراط وتعدّد المطلوب لا بنحو التقييد ، وإن كان اشتراط سقوط الاُجرة رأساً على تقدير التخلّف عن ذلك الزمان ربّما يكون ملائماً لكون الزمان مأخوذاً بنحو وحدة المطلوب ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، فمحلّ الكلام هو خصوص صورة الاشتراط ، كما أنّ محلّه ما إذا شرط سقوط الاُجرة ، والظاهر من عبارة السقوط أمران : أحدهما : كونه متفرّعاً على الثبوت ، والآخر : كونه من قبيل النتائج دون الأفعال ، وعليه فاشتراط عدم الثبوت من رأس الذي كان مرجعه إلى قصور المقتضي ، وعدم تأثير العقد بالنسبة إلى الاُجرة خارج عمّا هو محلّ الكلام هنا ، كما أنّ اشتراط الإسقاط الذي هو من الأفعال أيضاً كذلك وإن كان الظاهر جواز اشتراط الإسقاط ; لعدم مانع عن صحّته .
(الصفحة 111)
نعم ، في اشتراط عدم الثبوت كلام من جهة كون الشرط مخالفاً لمقتضى الإجارة ، حيث إنّ مرجعه إلى استحقاق العمل عليه بعقد الإجارة بلا اُجرة ، فيكون مثل قوله : «آجرتك بلا اُجرة» وإن كان ربما يمنع ذلك ; نظراً إلى أنّ اشتراط سقوط الاُجرة مخالف لمقتضى العقد فيما إذا كان منجّزاً ، وأمّا فيما إذا كان معلّقاً على تقدير يمكن أن يحصل ويمكن أن لا يحصل فلا يكون مخالفاً لمقتضاه مطلقاً بل ، على تقدير حصول ذلك الأمر ، وعليه فلابدّ من الحكم بكون العقد مراعى لا إبطاله من أوّل الأمر قبل تحقّق المعلّق عليه .
وكيف كان ، فمحلّ الكلام هو اشتراط السقوط المتفرّع على الثبوت ، كما أنّ محلّه ما إذا كان المشروط سقوط الاُجرة المسمّـاة ، وأمّا لو شرط سقوط مطلق الاُجرة حتّى اُجرة المثل فهو خارج عن محلّ البحث وإن كان فيه شبهة ; نظراً إلى أنّ اُجرة المثل إنّما تكون متفرّعة على بطلان العقد ، وفي مرتبة البطلان لا معنى لنفوذ الشرط ولزوم الالتزام به ، ولكنّه يدفعها ـ مضافاً إلى أنّ مورد هذه الشبهة ما إذا كان الزمان مأخوذاً بنحو التقييد دون الاشتراط ; لأنّه على التقدير الثاني لا مجال لفرض البطلان ; لأنّ تخلّف الشرط لا يوجب بطلان العقد ـ ما عرفت سابقاً في مسألة اشتراط ضمان العين المستأجرة من كفاية حدوث العقد صحيحاً في لزوم الوفاء بالشرط المذكور في ضمنه(1) .
إذا تقرّر لك محلّ النزاع يظهر أنّ مقتضى القاعدة فيه الجواز والصحّة ، وأنّه لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد ; لأنّ غاية مقتضاه هو ثبوت الاُجرة ،
(الصفحة 112)
والشرط لا ينافي ذلك بل متفرّع عليه ، وهذا هو الوجه في الجواز لا ما أفاده الشهيد (رحمه الله) في اللمعة بعد الحكم بعدم الصحّة ، بقوله : وفي ذلك نظر ; لأنّ قضية كلّ إجارة المنع من نقيضها ، فيكون قد شرط قضية العقد ، فلم تبطل في مسألة النقل أو في غيرها . غاية ما في الباب أنّه إذا أخلَّ بالمشروط يكون البطلان منسوباً إلى الأجير ، ولا يكون حاصلاً من جهة العقد(1) ، انتهى . وذلك لأنّ الظاهر أنّ المفروض في كلامه ما إذا كان أخذ الزمان بنحو التقييد لا بنحو الاشتراط ، وإلاّ لما كان الفعل في غير ذلك الزمان نقيضاً للعقد حتّى يكون مقتضاه المنع عنه ، كما لا يخفى .
نعم ، يرد عليه أنّه على تقدير التقييد أيضاً لا وجه للحكم ببطلان الإجارة مع الإخلال بالقيد ; لأنّ عدم الإتيان بمتعلّق الإجارة وعدم تسليم العمل الخاصّ لا يوجب البطلان .
وكيف كان ، فالقاعدة في مثل المقام تقتضي الجواز والنفوذ . نعم ، يبقى الكلام في أنّه على تقدير البطلان هل يكون مقتضاه فساد العقد أيضاً أم لا ؟
قال صاحب الجواهر (رحمه الله) بعد الحكم بعدم جواز هذا الشرط ، نظراً إلى كونه منافياً لمقتضى العقد : وبفساده يفسد العقد كما هو الأصحّ(2) . وقال المحقّق الرشتي (رحمه الله)بعد الإشارة إلى هذا الكلام : ولعلّه خلاف مختاره في مسألة فساد العقد بفساد الشرط ، ثمّ قال : وقد يوجّه بأنّ هذا الشرط مفسد للعقد إجماعاً ; لأنّه مناف لمقتضى العقد ، والشرط الذي لايفسد
- (1) اللمعة الدمشقية : 94 ـ 95 .(2) جواهر الكلام : 27 / 233 .