(الصفحة 113)
العقد على القول به ما يكون فساده من جهة اُخرى(1) ، انتهى .
أقول : إن كان المستند في ذلك هو الإجماع على أنّ الشرط المنافي لمقتضى العقد مفسد له فهو على تقدير تحقّقه لا محيص عنه ، وإن كان المستند فيه هو مجرّد المنافاة لمقتضى العقد كما يظهر من التعليل به، فنقول : إنّ مجرّد ذلك لا يقتضي بطلان العقد ، ولو كان مرجع الاشتراط إلى قصور المقتضي وعدم الثبوت من الأوّل ، فضلاً عمّا لو اشترط السقوط المتفرّع على الثبوت ; لأنّ المنافاة له لا تقتضي إلاّ الحكم بفساد المنافي ، ولا يوجب خللاً في العقد من جهة التأثير والاقتضاء أصلاً ، فتدبّر .
هذا كلّه مع قطع النظر عن رواية الحلبي المتقدّمة ، وأمّا مع ملاحظتها فذيلها يدلّ على جواز الشرط ما لم يكن محيطاً بجميع الكراء ، وقد عرفت أنّ الظاهر من موردها ما إذا اشترط السقوط المتفرّع على الثبوت لا عدم الثبوت ; نظراً إلى أنّ المراد من الكراء في قوله : «حططت من الكراء» هو الكراء الثابت لا الكراء المفروض ، والظاهر أنّ المراد من الجواب هو الإحاطة بجميع الكراء خارجاً بحسب تعدّد الأيّام التي احتبس عنها ، وصيرورة المجموع ممّا وقع بإزاء كلّ يوم بمقدار الكراء ، وأمّا لو كان محيطاً بجميع الكراء من الأوّل ; بأن شرط سقوط الاُجرة على تقدير التخلّف عن الزمان المعيّن ولو لحظة على نحو ناقض العدم لا الاستيعاب ـ كما في مورد الرواية ـ فهو خارج عنها . نعم ، يستفاد حكمه من الرواية كما لا يخفى .
- (1) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 104 .
(الصفحة 114)
وكيف كان ، فقد وقع الاختلاف بينهم في أنّه هل اللاّزم حمل هذا الذيل على التعبّد ; نظراً إلى اقتضاء القاعدة للجواز في الفرعين كما هو الظاهر ، أو أنّ مقتضى القاعدة هو الفرق بينهما ، أو أنّه يحمل النصّ على اشتراط الجعالة في ضمن الإجارة ; لأنّ شرط سقوط البعض بحسب أيّام الحبس لا مانع عنه إلاّ الجهالة التي لا تقدح في الجعالة ، بخلاف شرط سقوط الكلّ ، فإنّ الجعالة بلا اُجرة غير مشروعة ، فتكون فاسدة ؟ فهذه وجوه ثلاثة اختار الأوّل المحقّق الإصفهاني (رحمه الله)(1) . والثاني صاحب الجواهر (رحمه الله)(2) . والثالث المحقّق الرشتي (رحمه الله)(3) .
هذا ، ولكن الظاهر كما عرفت هو الوجه الأوّل ; لأنّ القاعدة لا تقتضي الفرق ، وحمل النصّ على الجعالة في كمال البُعد . وأمّا ما حكي عن الشيخ العلاّمة الأنصاري (رحمه الله)(4) من رجوع شرط سقوط الاُجرة إلى شرط الأرش بين الاُجرتين والأرش المستوعب غير معقول ، فلا معنى لاشتراطه . فيرد عليه أوّلاً منع الرجوع إليه ، وثانياً منع كونه موجباً لفساد العقد ، كما لايخفى .
ثمّ لا يذهب عليك أنّ الرواية تكون غاية مفادها مجرّد فساد الشرط مع الإحاطة بجميع الكراء ، وأمّا بطلان العقد فيبتني على القول بأنّ الشرط الفاسد مطلقاً ، أو في خصوص مثل المقام ; وهو الشرط المنافي لمقتضى العقد على تقدير تسليم ذلك ، مفسد أم لا ؟ فإن قلنا بعدم البطلان كما هو
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 75 .(2) جواهر الكلام : 27 / 234 .(3) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 105 .(4) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 5 / 398 ـ 399 .
(الصفحة 115)
الظاهر فاللاّزم ثبوت الاُجرة المسمّـاة على تقدير عدم اختيار الفسخ في صورة التخلّف عن الزمان المشترط، وإن قلنا بالبطلان فاللاّزم ثبوت اُجرة المثل . هذا تمام الكلام في أصل الجواز .
وأمّا الكلام في ثبوت اُجرة المثل على تقدير فساد هذا الشرط وإفساده للعقد ، فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال فيها فيما هو محلّ النزاع من أخذ الزمان بنحو الاشتراط ; لأنّ الإتيان بالعمل في غير ذلك الزمان إنّما وقع بعنوان الوفاء بعقد الإجارة وباعتقاد كونه ملزماً به. غاية الأمر أنّ فساده صار مانعاً عن ثبوت الاُجرة المسمّـاة ، فاللاّزم بمقتضى احترام العمل وقوع اُجرة المثل بإزائه كما هو الظاهر .
وامّا لو كان الزمان مأخوذاً بنحو التقييد، فتارةً يقع الكلام في بطلان الإجارة على فرض التخلّف عن ذلك الزمان ، واُخرى في ثبوت اُجرة المثل.
أمّا الأوّل : فقد عرفت أنّ ظاهر عبارة الشهيد في اللمعة أنّ الإخلال بالزمان المعيّن يوجب البطلان مع أنّه لا وجه له ; لأنّ عدم الإتيان بمتعلّق الإجارة ، وعدم تسليم العمل الخاصّ لا يوجب الخلل في نفس العقد المقتضي لتمليك العمل وتملّك الاُجرة .
وأمّا الثاني : فالظاهر أنّه لا وجه لثبوت اُجرة المثل بعد عدم الإتيان بمتعلّق الإجارة ، وما أفاده المحقّق الإصفهاني (رحمه الله)(1) من أنّ المنفيّ في هذه الصورة هي الاُجرة المعيّنة لا اُجرة المثل لقاعدة الاحترام ، فيه ما عرفت من عدم ثبوت احترام لعمله حينئذ، فلاوجه لثبوت اُجرة المثل فافهم.
[انتهى الكلام من كتاب الإجارة الثاني].
***
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 67 ـ 69 .
(الصفحة 116)مسألة : لو كان وقت زيارة عرفة واستأجر دابّة للزيارة فلم يصل وفاتت منه صحّت الإجارة ، ويستحقّ المؤجر تمام الأُجرة بلا خيار ما لم يشترط عليه في عقد الإجارة إيصاله يوم عرفة ، ولم يكن انصراف موجب للتقييد1 .
1 ـ لو كان وقت زيارة عرفة واستأجر دابّة للزيارة ، فإمّا أن يكون هناك انصراف موجب للتقييد بالإيصال يوم عرفة ، أو يكون هناك اشتراط في نفس العقد ، وإمّا أن لايكون شيء من الانصراف والاشتراط ، ولا ذكر لعنوان «عرفة» كما هو المفروض ، ولم يتحقّق الإيصال في شيء من الصور ، ففي الصورة الاُولى ربما تكون الإجارة باطلة ، لما عرفت في المسألة المتقدّمة من التفصيل في صورة التقييد .
وفي الصورة الثانية تكون الإجارة صحيحة ، لكن استحقاق المؤجر تمام الأُجرة يتوقّف على عدم فسخ المستأجر ; لأجل خيار تخلّف الشرط الثابت له ، وفي الصورة الثالثة تكون الإجارة صحيحة بلا خيار ، ويستحقّ المؤجر تمام الأُجرة ووجهه واضح .
(الصفحة 117)
[اعتبار ذكر المدّة في الإجارة وأنّه هل يشترط اتّصالها بالعقد أم لا؟]
مسألة : لايشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد ، فلو آجر داره في شهر مستقبل معيّن صحّ ، سواء كانت مستأجرة في سابقه أم لا ، ولو أطلق تنصرف إلى الاتّصال بالعقد لو لم تكن مستأجرة ، فلو قال : «آجرتك داري شهراً» اقتضى الإطلاق اتّصاله بزمان العقد ، ولو آجرها شهراً وفهم الإطلاق ـ أعني الكلّي الصادق على المتّصل والمنفصل ـ فالأقوى البطلان1 .
1 ـ لابدّ في هذه المسألة من التكلّم في مقامات :
المقام الأوّل : أنّه هل يشترط في صحة الإجارة ذكر المدّة مطلقاً ، أو لا يشترط كذلك ، أو يفصّل بين إجارة الأعيان وبين الإجارة على الأعمال مطلقاً ، بالاشتراط في الأوّل دون الثاني ، أو يفصّل في الثاني أيضاً بين ما لو كان الغرض متعلّقاً بوقوع العمل في زمان خاصّ فيشترط، وبين ما إذا لم يتعلّق الغرض إلاّ بذات العمل فلا؟ وجوه.
والظاهر أنّه لا مجال للخدشة في لزوم ذكر المدّة في إجارة الأعيان ; لأنّ تقدير المنفعة لايتحقّق إلاّ بذكر مدّة خاصّة ، بل ربما يقال بعدم إمكان تحقّق المنفعة بدون المدّة ; بمعنى أنّه لا وجود لموضوعها بدونه، وكيف كان فلا إشكال بل الظاهر أنّه لا خلاف في اعتبار ذكر المدّة المعيّنة في إجارة الأعيان ، وقد ذكرنا سابقاً(1) أنّه لاينبغي توهّم أنّ الاقتصار على مجرّد ذكر المدّة يكفي في رفع الغرر في هذا النحو من الإجارة ; لأنّ ارتفاع الجهالة والغرر لايتحقّق بمجرّد ذكر المدّة ، بل لابدّ من