(الصفحة 179)
للمشتري ، وليست القاعده بحيث إذا سقطت لم يكن مجال لثبوتها بعده ، فأيّ مانع يتصوّر من قيام فرد منها بعد سقوط الفرد الأوّل لأجل المعارضة ، وهذا نظير قوله (عليه السلام) : «لا تنقض اليقين بالشكّ»(1) ، فإنّه مع عدم جريان فرد منه في مورد لأجل المعارضة أو غيرها لا مانع من جريان فرد آخر خال عن المعارضة أو الأصل الحاكم .
ويمكن الإيراد على هذا الجواب بأنّ المفرّد للقاعدة في المقام هل هو الزمان أو أمر آخر ؟ فإن كانت الفردية متحقّقه بأمر آخر غير الزمان فنحن لا نتصوّر ذلك الأمر بوجه أصلاً ، وإن كانت متحقّقة بالزمان ; بمعنى أنّ القاعدة الجارية في الزمان الأوّل تنافي الإجارة ، فيرد عليه ـ مضافاً إلى عدم تحقّق التفرّد بمجرّد الزمان هنا ـ أنّ منافاة الإجارة إنّما هي مع نفس جريان القاعدة لا من حيث تقيدها بالزمان الأوّل ، وتنظير المقام بباب الاستصحاب ممّا لا يصحّ ، فإنّه هناك يتحقّق بعد السقوط فرد آخر واقعي من اليقين والشكّ ، وبعد تحقّقه يكون مقتضى العموم حرمة نقض الأوّل بالثاني بخلافه هنا ، فإنّه لا مجال لدعوى الثبوت بعد السقوط ، فافهم .
الثاني : ما احتمله سيّدنا الأُستاذ (قدس سره) على ما استظهر من عبارة تقريراته ، وإن ناقش فيه بل حكم ببطلانه ، وهو أنّه يعتبر في المعاوضة أن يكون العوضان بحيث لو لم تكن معاوضة كانا ثابتين في محلّهما الأصلي ، باقيين على ملك مالكهما الأوّلي ، وفي المقام ليس كذلك فإنّ العوضين في الإجارة لا يكونان كذلك ; لأنّ المنفعة مع قطع النظر عن الإجارة لا تكون باقية على ملك المؤجر ، بل مقتضى قاعدة التبعيّة
- (1) وسائل الشيعة : 1 / 245 ، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1 .
(الصفحة 180)
الجارية في المبيع دخولها في ملك المشتري، ونظيره ما لو تقارن بيع الوكيل وزمان زهاق الروح من الموكّل ، فإنّه مع قطع النظر عن البيع لا يثبت المبيع في محلّه ، بل ينتقل إلى الورثة لأجل موت المورِّث .
والجواب عنه : أنّ اعتبار هذا الأمر في المعاوضة ممّا لم يدلّ عليه دليل ، وتقوّم المعاوضة به بحيث لم تتحقّق بدونه غير معلوم ، بل معلوم العدم ، ولعلّه لذا ناقش فيه الاُستاذ (قدس سره) ، وإن كانت عبارة المقرّر المحكية عنه في غاية الاضطراب .
الثالث : دعوى عدم شمول إطلاقات أدلّة الإجارة للإجارة المقارنة للبيع وانصرافها عنها ، أو عدم ثبوت إطلاق أو عموم في باب الإجارة أو مطلق العقود يستفاد منهما الصحّة، وعدم كون الإجارة الكذائية معتبرة عند العقلاء أيضاً ، وهي كما ترى .
والتحقيق في المقام أن يقال: إنّه لا مجال للإشكال في صحّة الإجارة لأجل التقارن ; لما عرفت من أنّ الإجارة وإن كانت أمراً مرتبطاً بنفس العين وإضافة خاصة بالنسبة إليها ، كما أنّ البيع أمر مرتبط بها ، إلاّ أنّه لا منافاة بين الإضافتين ولا منافاة بين الحقيقتين ، ولذا تجتمعان في البقاء فيما لو سبق عقد الإجارة على البيع ، كما عرفت فيما مرّ . غاية ما هنا أنّ المقارنة صارت موجبة للإشكال في المنفعة ، وأنّ المالك لها هل هو المشتري نظراً إلى قاعدة التبعية ، أو المستأجر نظراً إلى عقد الإجارة ؟ ومنشأ الإشكال ليس هو اعتبار القدرة على التسليم في باب الإجارة ، والمفروض عدمها في المقام ، وذلك لأنّه يمكن فرض القدرة ورعاية كلا الحقّين بإقباض العين للمشتري ثمّ استئجارها منه ثمّ إقباضها للمستأجر ; إذ لايعتبر في الإجارة، الزائد على ماذكر ، كما أنّه ليس المنشأ استتباع كلا العقدين لوجوب
(الصفحة 181)
الإقباض ; لأنّ غاية الأمر وقوع التزاحم بين الوجوبين وعدم وجود مرجّح في البين .
بل العمدة في هذا المقام عدم إمكان حدوث ملكيّة المنفعة ملكيّة مستقلّة بالنسبة إلى شخصين ، ولابدّ حينئذ من ملاحظة أنّ الاعتبار العقلائي في أمثال ذلك هل هو طرح السببين والحكم بعدم ترتّب المسبّب ، أو أنّه يرى تأثير أحدهما في مسبّبه ؟ وبعبارة اُخرى بعدما كان القوام في باب المعاملات هو الاعتبار ; إذ ليس فيها بحسب الواقع تأثير وتأثّر ولا سبب ومسبّب ، بل حقيقتها اعتبار أمر وراء أمر آخر من القول أو الفعل أو غيرهما ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة الموارد المشابهة للمقام ، وأنّه هل تقارن الأمرين الاعتباريين في تلك الموارد موجب لسقوطهما عن التأثير الاعتباري أم لا ؟
الظاهر هو الثاني ، ألا ترى أنّه لو اشترى زيد بعض أموال أبيه من وكيله واتّفق تقارن الاشتراء مع موت الأب الموجب لانتقاله إليه بالإرث ، فهل تقارن الشراء الموجب لملكية زيد مع الموت الموجب لها أيضاً يوجب سقوط كليهما فينتج عدم كون زيد مالكاً ، أو أنّ دعوى عدم الملكيّة في الفرض ممنوعة عند العقلاء جدّاً ؟ وكذلك لو اشترى زيد داراً مثلاً من صاحبها ووكيله تلك الدار بعينها من وكيله وتقارن البيعان ، فهل ترى من نفسك الحكم بعدم كون زيد مالكاً للدار في المثال ؟ وفي المقام نقول : إنّ الاعتبار الإجاري مقتض لملكية المستأجر للمنفعة ، والاعتبار البيعي مقتض لملكية المشتري لها ، واجتماعهما لايوجب سقوطهما ، بل المنفعة بحسب الاعتبارين بضميمة عدم إمكان الجمع ملك لأحدهما عند العقلاء . غاية الأمر عدم تعيّنه ، فهو نظير ما لو وهب ماله أحد الشخصين بنحو الإبهام ـ بناءً على صحّتها ـ فإنّ المالك هناك أحدهما كما في المقام ، وحينئذ يمكن التوصّل إلى التعيين
(الصفحة 182)
من طريق القرعة ، بناءً على عدم اختصاص جريانها بما إذا كان هناك واقع معلوم عند الله غير معلوم عندنا ، كما قد حرّرناه في محلّه .
ثمّ إنّه لو كانت نتيجة القرعة بنفع المستأجر، فلازمه ثبوت الخيار للمشتري مع جهله كما هو المفروض . ولو كانت بنفع المشتري فلازمه بطلان الإجارة حينئذ لابطلانها من الأوّل ، كما أنّه لو فرض اتّحاد المشتري والمستأجر ـ بأن اشتراه بنفسه واستأجره وكيله مع الجهل به حين الشراء أو العكس ـ فلا حاجة إلى القرعة في تعيين مالك المنفعة ، وإنّما الكلام في ثبوت الأُجرة عليه زائدة على الثمن ، فتدبّر .
(الصفحة 183)
[هل تبطل الإجارة بموت المؤجر والمستأجر؟]
مسألة : الظاهر أنّه لاتبطل إجارة الأعيان بموت المؤجر ولا بموت المستأجر، إلاّ إذا كانت ملكيّة المؤجر للمنفعة محدودة بزمان حياته فتبطل بموته ، كما إذا كانت منفعة دار موصى بها لشخص مدّة حياته، فآجرها سنتين ومات بعد سنة . نعم ، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة ، ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة ، فتبطل إلاّ أن يجيز البطن اللاحق . نعم ، لو آجرها المتولّي للوقف لمصلحة الوقف والبطون اللاّحقة مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون تكون نافذة على البطون اللاّحقة ، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة . هذا كلّه في إجارة الأعيان ، وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير . نعم ، لو تقبّل عملاً وجعله في ذمّته لم تبطل بموته ، بل يكون ديناً عليه يستوفى من تركته 1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في إجارة الأعيان ، وتوضيح الكلام فيها يتمّ برسم أُمور :
الأمر الأوّل : في الوجوه والأقوال بنحو الإجمال ، ونقول : الوجوه المتصوّرة لا تزيد على أربعة : البطلان بالموت مطلقاً ، وعدمه كذلك ، والبطلان بموت المستأجر دون المؤجر والعكس .
أمّا البطلان بالموت مطلقاً ، فهو على ما في مفتاح الكرامة(1) خيرة المقنعة(2)
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 78 .(2) المقنعة: 640.