(الصفحة 184)
والنهاية(1) والخلاف(2) والمبسوط في موضعين منها(3) والمراسم(4) والمهذّب(5)والوسيلة(6) والغنية(7) وجامع الشرائع(8) ، وهو ظاهر التذكرة في موضع(9) ، بل والسرائر كذلك(10) ، وهو المحكي في كشف الرموز عن البشرى(11) ، وحكاه القاضي في المهذّب عن السيّد(12) ، كما فهمه منه في التنقيح(13) .
ثمّ إنّ هؤلاء بين من عبّر بالبطلان الظاهر في بطلان الإجارة من أصلها ، ولازمه حينئذ الرجوع إلى اُجرة المثل بالنسبة إلى المدّة التي استوفيت المنفعة فيها ، وبين من عبّر بالفسخ أو الانفساخ كالشيخ في المبسوط ، حيث قال : الموت يفسخ الإجارة ، والسيّد في الغنية حيث قال : تنفسخ بموت أحد المتعاقدين ، وظاهر هذا التعبير صحّة الإجارة بالنسبة إلى ما مضى من المدّة ، فيقسّط عليه الأُجرة المسمّـاة .
ويمكن أن يكون مراد من عبّر بالبطلان وشبهه هو البطلان من حين الموت ،
- (1) النهاية : 441 و444 .(2) الخلاف : 3 / 491 مسألة 7 .(3) المبسوط : 3 / 216 و224 .(4) المراسم : 199 .(5) المهذّب: 1 / 501.(6) الوسيلة : 267 .(7) غنية النزوع : 287 .(8) الجامع للشرائع : 292 .(9) تذكرة الفقهاء : 2 / 325 .(10) اُنظر السرائر : 2 / 471 .(11) كشف الرموز : 2 / 30 ، ولكن المحكي عن البشرى لابن طاووس هو الوجه الثالث كما سيأتي .(12) المهذّب : 1 / 502 .(13) التنقيح الرائع : 2 / 255 .
(الصفحة 185)
فيشترك مع الانفساخ في الأثر وهو تقسيط الأُجرة المسمّـاة ، وإن كان بينهما فرق من جهة اُخرى ; وهو ظهور التعبير بالبطلان في تماميّة الاقتضاء بسبب الموت ، وظهورالتعبيربالانفساخ في استمرارالاقتضاء،ولأجل ذلك ذكرالمحقّق الإصفهاني (قدس سره): أنّ مقتضى كون هذه المسألة متفرّعة على لزوم الإجارة ، وكذا مقتضى الاستدلال بعمومات لزوم الإجارة هو أنّ البحث في انفساخ الإجارة الصحيحة وعدمه ، فينبغي التعبير به دون البطلان ، كما أنّ مقتضى الوجوه العقليّة ـ الراجعة إلى عدم ملك المنفعة مقارناً للموت ـ هو عدم تأثير العقد دون تأثيره وانفساخه به(1) .
وكيف كان ، فقد احتمل في عبارة من عبّر بالبطلان أن يكون مراده منه هو التوقّف على إجازة الوارث ، نظير ما صرّحوا به في إجارة الوقف من البطلان ، مع أنّ المراد به التوقّف على إجازة البطون اللاّحقة .
وأمّا عدم البطلان بالموت مطلقاً فهو كما في المفتاح(2) خيرة كافي أبي الصلاح(3)والسرائر(4) والشرائع(5) والنافع(6) وجمع كثير من المتأخّرين(7) ، ونسبه في السرائر إلى الأكثرين المحصّلين(8) ، وفي المسالك : عليه المتأخّرون أجمع(9) .
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 19 .(2) مفتاح الكرامة : 7 / 76 .(3) الكافي في الفقه: 348.(4) السرائر : 2 / 449 و460 .(5) شرائع الإسلام : 2 / 179 .(6) المختصر النافع : 247 .(7) كالشهيد في اللمعة : 94 ، وابن فهد في المقتصر : 204 ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد : 7/84 .(8) السرائر : 2 / 449 .(9) مسالك الأفهام : 5 / 175 .
(الصفحة 186)
وأمّا البطلان بموت المستأجر دون المؤجر فهو المحكي عن ابن طاووس(1)والمنسوب إلى المبسوط أيضاً ، حيث إنّه بعدما ذكر أنّ الموت يفسخ الإجارة ، سواء كان الميّت المؤجر أو المستأجر عند أصحابنا ، قال : والأظهر عندهم أنّ موت المستأجر يبطلها وموت المؤجر لا يبطلها ، وفيه خلاف(2) . لكن في المفتاح : أنّ الأظهر في عبارة المبسوط أنّ مراده بالأظهر عندهم هو الأظهر عند العامّة ، كما هو عادته ، وبذلك يرتفع الإشكال عن القوم في عبارته(3) ، وحكي عن ابن البرّاج نسبة هذا القول إلى الأكثر (4).
وأمّا العكس فهو الذي نسبه العلاّمة في محكي التذكرة إلى بعض علمائنا ، حيث قال : وقال بعض علمائنا تبطل بموت المؤجر خاصّة دون المستأجر ، وعكس آخرون(5) ، وحكي عن الشهيد (قدس سره) في نكته(6) أنّ هذا القول غير موجود بين أصحابنا ، ولعلّ المنشأ في توهّم وجود القائل بهذا ما حكي عن المرتضى(7) وابن الجنيد(8) من تصريحهما بعدم البطلان بموت المستأجر ، من دون تعرّض لموت المؤجر ، مع أنّ عدم التعرّض لا دلالة فيه على القول بالبطلان بموت المؤجر ، كما هو غير خفيّ .
- (1) حكى عنه في كشف الرموز: 2 / 30.(2) المبسوط : 3 / 224 .(3) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .(4) المهذّب: 1 / 501 ـ 502.(5) تذكرة الفقهاء : 2 / 325 .(6) غاية المراد : 2 / 321 .(7) الناصريات : 438 مسألة 200 .(8) حكى عنه في مختلف الشيعة : 6 / 107 مسألة 6 .
(الصفحة 187)
الأمر الثاني : فيما تقتضيه القواعد والنصوص ، فنقول : إنّ طروّ الشبهة في هذا الأمر يمكن من وجوه :
أحدها : من جهة احتمال اعتبار عدم الموت وبقاء حياة كلّ من المؤجر والمستأجر في صحّة الإجارة بقاءً ، بناءً على أن يكون المحتمل هو طروّ البطلان ، أو الانفساخ من حين الموت ، أو من جهة احتمال اعتبار بقاء حياتهما في صحّة الإجارة من رأس ، بناءً على أن يكون المحتمل هو بطلان الإجارة من حينها ، كما هو الظاهر من لفظ البطلان على ما مرّ .
فإن كان منشأ الشبهة هذا الوجه يكون الرافع لها هي الإطلاقات ; لكونها رافعة للشكّ في اعتبار شيء زائد على ماعلم اعتباره ، كما أنّه لامانع من التمسّك باستصحاب بقاء العقد وعدم الانفساخ بالموت في خصوص الصورة الاُولى ، كما أنّه لو احتمل صيرورة العقد جائزاً بالموت ـ بمعنى توقّفه على إجازة الوارث ـ يكون مقتضى استصحاب بقاء اللزوم العدم ، كما هو غير خفي .
ثانيها : من جهة احتمال محدودية ملكيّة المنفعة بحال الحياة ، كما أنّ المالكية محدودة بها ، وحينئذ لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة في جميع المدّة حتّى يملكها .
والجواب عنه : أنّ التحديد إنّما هو في طرف المالكية ; لأنّه لا يعقل بقاؤها بعد انتفاء الموضوع عرفاً بالموت ، وأمّا في طرف المملوك فلا يكون هناك حدّ ; لأنّ الإنسان مالك في حياته للمنفعة ملكيّة مرسلة غير موقّتة ، ولذا يجوز الصلح عليها ما دامت العين موجودة ، وكذا غير الصلح من أنواع النقل والانتقال ، فالشبهة من هذه الجهة أيضاً مندفعة .
ثالثها : من جهة أنّ الوارث لا يكون مكلّفاً بالوفاء بعقد الإجارة ; لأنّ المكلّف به هما المتعاملان ، ولا معنى لانتقال التكليف بالموت إلى الوارث ، وبعد عدم
(الصفحة 188)
التكليف لا مانع من تصرّفه في العين بما شاء .
والجواب : أنّ حرمة تصرّفه فيها وعدم جواز المزاحمة ليس لأجل التكليف بالوفاء ، بل إنّما هو لأجل حرمة التصرّف في مال الغير ، وعدم جواز المزاحمة معه في حقّه ، كما أنّ عدم الجواز في حق المتعاملين أيضاً إنّما هو لأجل ذلك ، فتدبّر .
وفي المقام نقول : إنّ المستأجر ملك منفعة العين في المدّة الخاصّة ، فلا تجوز المزاحمة معه في حقه بعد موت المؤجر في أثناء تلك المدّة ، وليست المنفعة بعد تفكيك المؤجر لها ونقلها إلى الغير من جملة ما تركه حتّى تشملها أدلّة الإرث ، كما أنّها بموت المستأجر في الأثناء تنتقل إلى ورثته ; لأنّها من جملة ما تركه ، فلا يجوز للمؤجر المزاحمة معهم ، ولا فرق فيما ذكرنا بين كون موت أحدهما واقعاً قبل إقباض العين أو بعده ; لأنّ حرمة التصرّف وعدم جواز الممانعة والمزاحمة ثابتة على كلا الفرضين .
رابعها : من جهة احتمال كون انقضاء مدة الإجارة جزءاً للسبب المقتضي للتأثير أو شرطاً له ، ومع مصادفة متمّم السبب للموت لا معنى للتأثير ; كالموت بين الإيجاب والقبول ، أو قبل القبض في الصرف مثلاً .
ومنشأ هذا الاحتمال ما ذكره الفقهاء من بطلان الإجارة بالتلف ولو بعد القبض ، فإنّه لو لم يكن لانقضاء المدّة دخل في السبب جزءاً أو شرطاً لما كان وجه للحكم بالبطلان بعد وقوع العقد صحيحاً .
والجواب ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ممّا حاصله : أنّه لادليل على مدخلية تماميّة المدّة ، مضافاً إلى ابتناء ذلك على معقولية تأخّر العلّة عن معلولها ; لعدم تعقّل الملك المقارن لتماميّة المدّة ، وعلى فرض المعقولية إنّما يلتزم بالشرط المتأخّر إذا كان هناك موجب للالتزام به ، ومجرّد احتمال المدخلية مدفوع بالإطلاقات ، والوجه في